عبدالرحمن الحبيب
توصلت دراسة أُجريت على موقع تويتر إلى أنه مقارنة بالمعلومات الدقيقة تنتشر المعلومات الخاطئة بشكل أسرع وأوسع نطاقاً، ومن الصعب مكافحة انتشارها لسببين: كثرة مصادر المعلومات، وسرعة الانتشار (Chris Meserole,2018).
حالياً، الاتحاد الأوروبي في خضم الانتهاء من قانون الخدمات الرقمية (DSA)، لتنظيم المنصات الإلكترونية وتحديث توجيه تجارتها فيما يتعلَّق بالمحتوى غير القانوني والإعلانات والمعلومات المضللة. هذا الخبر يعد مفرحاً للصحافة والتلفزة على أمل استعادة ولو جزءاً بسيطاً على الأقل من عائدات الإعلانات التي خسرتها الشركات الإعلامية لعمالقة الإنترنت. وعلى النقيض من ذلك فإن عمالقة شركات التكنولوجيا الرقمية (وهي بالغالب أمريكية) أبدوا انزعاجهم واستعدادهم للمواجهة القانونية أو حتى التهديد بالمقاطعة.. وبين هذا وذاك ثمة من يتحفظ أو يؤيّد بحذر خاصة في مسألة تقييد حرية الرأي وطريقة تحديد المعلومات المضلّلة وخطابات الكراهية، وعلى من تقع المسؤولية..
تذكر مجلة فورين بوليسي أن هذا القانون يمثِّل محاولة تشريعية طموحة لإنشاء «معيار ذهبي عالمي» بشأن تنظيم المنصات الإلكترونية، وبالنظر إلى النفوذ الاقتصادي والسياسي للاتحاد الأوروبي، فقد يكون لهذا القانون تأثير كبير خارج أوروبا من خلال ما يُسمى بـ«تأثير بروكسل»؛ ومن المرجح أن يؤثّر على الممارسة العملية لحرية التعبير على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، سواء كانت موجودة في وادي السيليكون بكاليفورنيا أو مملوكة لمليارديرات التكنولوجيا الأمريكيين.
مشروع المقترحات حول إدارة البيانات يهدف إلى تغيير الطريقة التي تعمل بها المنصات الرئيسة في الأعمال التجارية في أوروبا والعالم؛ مع وجود تشريعين: قانون الخدمات الرقمية (DSA) وقانون الأسواق الرقمية (DMA) يهدفان إلى إعادة هيكلة حوكمة المنصات التي هيمنت تقنياً منذ أواخر التسعينيات. الشركات التي لا تمتثل للالتزامات الجديدة تتعرَّض لغرامات تصل إلى 6 % على مبيعاتها السنوية؛ وتنطبق العديد من أحكامهما فقط على المنصات التي لديها أكثر من 45 مليون مستخدم في الاتحاد الأوروبي، مثل فيسبوك، يوتيوب، جوجل، تويتر، تيك توك.
أهم الفصول التي أثارت وتثير الجدل هي موضوع المسؤولية عن المحتوي، ومن يحدد المحتوى المسموح به (قانوني) والمحتوى غير المسموح به (غير قانوني)؛ إذ ينظم الفصل الثاني الإعفاء من المسؤولية للوسطاء (المنصات الإلكترونية)، والفصل الثالث ينظم الالتزامات على الوسطاء.. وسيكون هناك خلاف كبير بين الاتحاد الأوربي وأمريكا، فإذا كان كلاهما يعفيان الوسيط من المسؤولية تجاه المحتوى، فإن القانون الحالي يشترط لهذا الإعفاء عدم معرفة الوسيط بأن المحتوى مخالف للقانون، لكن إذا عَلِم بذلك فعليه تحمل المسؤولية، إذ يقترح القانون «أن الشركات التي تستضيف بيانات الآخرين ليست مسؤولة عن المحتوى ما لم تكن تعلم بالفعل أنه غير قانوني، وعند الحصول على هذه المعرفة لا تعمل على إزالته». هذا ما يُسمى «الإعفاء المشروط من المسؤولية» يختلف اختلافًا جوهريًا عن الحصانات الواسعة الممنوحة للوسطاء بموجب القاعدة المكافِئة في الولايات المتحدة.
بالإضافة إلى ذلك سيقدم قانون الخدمات الرقمية مجموعة واسعة النطاق من الالتزامات الجديدة على المنصات، بما في ذلك الكشف للمنظمين عن كيفية عمل خوارزمياتهم، والشفافية حول كيفية اتخاذ قرارات إزالة المحتوى وعلى الطريقة التي يستهدف بها المعلنون المستخدمين.
كانت ردود فعل وسائل الإعلام على قانون الخدمات الرقمية إيجابية بشكل عام، وهذا متوقع كما أشير في المقدمة، فقد صرحت هيئة تحرير صحيفة واشنطن بوست أن الولايات المتحدة يمكن أن تتعلّم من هذه القواعد، بينما صرحت المراقبة الأمريكية فرانسيس هوغن، المخبرة عن المخالفات الإعلامية أن هذا القانون يمكن أن يضع «معيارًا ذهبيًا» للتنظيم في جميع أنحاء العالم، كما رأى الصحفي التكنولوجي كيسي نيوتن بأن قانون الخدمات الرقمية سيشكل سياسة التكنولوجيا الأمريكية. في أوربا بطبيعة الحال، لقيت هذه التشريعات الأوربية ترحيباً كبيراً من قطاع الإعلام الأوروبي.
لكن، بالطبع، هناك معارضون، وفي مقدمتهم شركات التكنولوجيا التي انتقدت مرارًا العبء الثقيل للقواعد وانعدام الوضوح المزعوم لقانون الخدمات الرقمية، وفرضها لتشريعات تحد من حرية الرأي بشكل صارم. وكما اتُهمت بعض الشركات بالضغط لتقويض بعض المطالب بعيدة المدى من قبل المشرعين، وكُشف عن مزاعم لخطط مسرّبة لإحدى كبرى الشركات للضغط ضد قانون الخدمات الرقمية.
المشرعون الأمريكان بدورهم لم تعجبهم تلك التشريعات الأوربية، حيث وصفت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي من الحزبين الجمهوري والديمقراطي هذا التشريعات بأنها تمييزية، زاعمة أنها تركز على الشركات الأمريكية بينما تفشل في تنظيم الشركات المماثلة الموجودة في أوروبا والصين وروسيا وأماكن أخرى.
بين المؤيّدين والمعارضين ثمة من قابل هذه التشريعات بترحيب حذر أو بفحص نقدي، فبعض الأكاديميين أعرب عن مخاوفهم من أن قانون الخدمات الرقمية قد يكون صارمًا للغاية خاصة على حرية التعبير، ويبالغ في تحديد ما يسمح وما لا يسمح، ويركز بشكل مفرط على قرارات المحتوى الفردي أو تقييمات المخاطر الغامضة، خاصة أن المجتمعات الغربية لم تجد بعد إجابة نهائية لمسألة ما هو الكلام الذي يُسمح به وما يجب حظره؛ وسيكون هناك اختلاف في تحديد المعايير المتعلّقة بالتضليل عبر الإنترنت وخطابات الكراهية والتطرف والعنف والتدخل السياسي الأجنبي.