م. خالد إبراهيم الحجي
تُعرف القوة الناعمة للدولة بأنها قوة الجاذبية المتمثلة في قدرات الدولة المتعددة؛ الاقتصادية والدبلوماسية والسياسية، وجميع الوسائل السلمية الأخرى التي يمكن أن تستخدمها للتأثير على الهيئات العالمية، والدول الأخرى، من خلال العلاقات والمصالح المشتركة للوصول إلى التفاهم المتبادل، وتحقيق الإقناع، وصياغة الاتفاقيات التي تخدم الطرفين.
والقوة الناعمة التي تُعدّ أيقونة الوطن هي ليست بخصوص القوة العسكرية والاقتصادية فحسب، وإنما أيضاً تصنع الفرق، ولغة التفاوض، والحوار من الدروس المستفادة لصُنّاع السلام التي يمكن تطبيقها بين دول العالم المختلفة بشأن القضايا الدولية، لتحقيق المصالح المشتركة على طريقة «تبادل المنافع أو خذ وهات» وبات نهجاً تتميز به الدول التي تمتلك القوة الناعمة للوصول إلى عقد الاتفاقيات المناسبة بينها وبين الدول الأخرى.. والميزة الكبرى لاستخدام القوة الناعمة أنها لا تكلف الدولة شيئاً، ولا تقدم تنازلات لتحقيق مصالحها الوطنية.. وفي العقود الأخيرة، أصبح حضور الدول الآسيوية مهيمناً عالمياً بشكل متزايد، ولاسيما سنغافورة، وكوريا الجنوبية، والصين، والمملكة العربية السعودية.
وقد يتبادر إلى أذهاننا لماذا هذه الدول الآسيوية على وجه الخصوص برزت عالمياً على المسرح الدولي؟ والجواب يكمن في قوتها الناعمة، وهذا بالتالي يجعلنا، بطبيعة الحال، نتساءل لماذا الدول الغربية متقدمة في مجال القوة الناعمة وسبقت الدول الآسيوية؟ والجواب لأنها استثمرت لفترة أطول في مبادرات القوة الناعمة التي أدت إلى تأثير عالمي أكبر، على العكس من الدول الآسيوية التي بدأت في إطلاق هذه المبادرات في العقود الأخيرة. فقد بذلت اليابان جهوداً كبيرة لتنمية قوتها الناعمة عن طريق إيجاد تآزر بين جذورها التقليدية وثقافتها الشعبية مع تعزيز حكومتها بنشاط موجه إلى مناطق الجذب الثقافية التي تشرف عليها..
وبالمثل سعت كوريا الجنوبية في طريق التكامل بين التقاليد والثقافة، والذي تم نشره من خلال التصدير الرقمي لصناعتها الإبداعية، وقد أدى ذلك إلى بناء تأثير قوتها الناعمة.. من ناحية أخرى تتمتع الصين بعرض رائع لثقافتها الضاربة في أعماق التاريخ، وبعد النمو الاقتصادي الهائل الذي حققته الصين على مدى العقود الماضية، تكمن معظم جاذبية الصين في هذه القصة الناجحة، لاسيما في عيون الدول النامية.. وسنغافورة، تلك النقطة الحمراء الصغيرة على خريطة القارة الآسيوية، ذات الوجود العالمي الكبير، اكتسبت اعترافاً في التعليم والحكومة والمشاركة الدولية جعلت منها قوة ناعمة جذابة..
وتُعدّ كل من الجاذبية الحضارية، والقيم والمعايير السياسية، والسياسة الخارجية موارد القوة الناعمة للمملكة العربية السعودية؛ وحضارتها ومكانتها العربية والإسلامية تختلف اختلافاً كلياً عن الدول العظمى في جذورها التاريخية العربية الإسلامية؛ تنفرد بخدمة الحرمين الشريفين، قبلة المسلمين، وجميع الطلبة المسلمين الدارسين في جامعاتها من الدول الإسلامية، والوافدين العاملين فيها من مختلف دول العالم..
ولا تتوانى المملكة عن نشر تأثيرها الاقتصادي والدبلوماسي والسياسي على الساحة الدولية، باستخدام قوتها الناعمة من خلال الدعم الكبير للهيئات الإنسانية مثل: مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، والدخول في الشراكات الإستراتيجية المتنوعة مثل: عضوية المملكة في مجموعة العشرين الاقتصادية.. وترتكز القوة الناعمة السعودية على الموضوعية والمصداقية الدبلوماسية ونزاهة القيم والمبادئ السياسية؛ إذ أجمعت أكثر دول العالم التي تعاملت مع المملكة على أنها لم تلمس تفاوتاً أو تبايناً أو تناقضاً بين الدبلوماسية السعودية المتأنية والمحسوبة وما تفعله، وصرحت على تطابق أقوالها مع أفعالهم على أرض الواقع..
وبناءً على ما سبق فإن المملكة مؤهلة لتشارك في إحداث التوازن على الساحة الدولية، والتنافس بقوة في ميدان القوة الناعمة.. وبما أن المملكة أصبحت تمتلك القوة الإقليمية الناعمة، والمؤثرة في الوطن العربي وإقليم الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، فقد احتلت المملكة مكاناً مرموقاً بارزاً بين الدول المتقدمة في مجال القوة الناعمة، ولها تأثير ملموس على الساحة الدولية، واستطاعت المملكة أن تصبح أكثر مهارة في استخدام القوة الناعمة لتسهيل التعاون الإيجابي في وضع أفضل لمواجهة حالة عدم اليقين التي يمر بها العالم الآن، وعدم الاستقرار الجيوسياسي.. وفي عالم اليوم المعولم، كما ينظر إليه من خلال صعود الدول الآسيوية التي أصبحت ذات أهمية متزايدة في الاقتصاد العالمي، يُعزى الكثير إلى تأثير قوتها الناعمة، مما يؤدي إلى الاستنتاج أن زيادة القوة الناعمة لأي دولة يمكن أن يعزز اقتصادها بشكل كبير، وتمكينها في علاقاتها الدبلوماسية مع الدول الأخرى.