د.فوزية أبو خالد
إقرار اللجنة التابعة لمجلس الشيوخ الأمريكي المبدئي يوم الخميس الماضي لمشروع قانون يسعى لتمكين أمريكا من إلغاء الحصانة السيادية لمنظمة الأوبك وشركات النفط الوطنية في دولها من أي دعاوى قضائية قد تريد بها أمريكا لي ذراع أوبك في سياساتها النفطية بمسمى «نوبك».
NOPEC وإن جاء بعد عشرين عاماً من مداولات إقراره بالتوافق بين الحزبين المتعاقبين انتخابيا على الإدارة الحزب الجمهوري والحزب الديموقراطي الحاكم حاليا فإنه يلفت الأنظار للتشبث الأمريكي في ظل مختلف المتغيرات على محاولة إبقاء يدها العليا عندما يتعلق الأمر بهذه السلعة التجارية ذات الأهمية الاستراتيجية ليس على الصعيد الاقتصادي والعسكري والتقني وحسب بل على مختلف أصعدة الحياة المعاصرة حتى هذه اللحظة التاريخية.
فيعيد اليوم الموقف الأمريكي في استخدام النفط كبوصلة للعداوة أو الصداقة من المملكة العربية السعودية تحديدا بثقلها البترولي واستقلالها الموقفي ومن منظمة أوبك ودولها الأعضاء عموما ومحاولة أمريكا توظيف سلاح النفط لتعزيز موقف إدارتها الحالية المكتفي بالضغوط الاقتصادية والإعلامية على روسيا في حربها الضروس الباغية على أوكرانيا، لأهمية النفط الرمزية والمادية معا لسلاح النفط في حالة الحرب والسلام معا لهذا العصر من بداية القرن العشرين إلى اليوم ونحن نقترب من ناهية الربع الأول من القرن الواحد والعشرين الميلادي.
وهذا يعيد طرح موضوع النفط علينا هنا من جديد بحمولته التساؤلية التي لا أرى أننا كجامعات وكمؤسسات بحثية، إن وجدت، قد محصناها فكريا وبحثيا بما يقارب أهمية النفط في حياتنا اليومية على الصعيد الاجتماعي والسياسي وعلى صعيد التحولات وبما يوازي موقعنا العالمي المتقدم على سلم الدول المنتجة للنفط.
وفي ظني أن سؤال النفط بحمولته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بل الثقافية وبطاقته التغيرية التي عاشتها حتى الآن كل الأجيال المعاصرة اليوم وهي تتعدى ستة أجيال قد شكل لنا هاجسا هنا بالمملكة مثلما شكل هاجسا خليجيا وعربيا وعالميا على مدى عقود. غير أن الملاحظ أن ذلك الهاجس في مد النفط وفي جزره وفي حالات تذبذبه قد بقي مناطا برقبة المسؤول الرسمي في الغالب دون تدخل مؤثر من قبل المجتمع وقوى الرأي فيه إلا في حدود محدودة جدا ومنها ذلك التحقيق الموسع النادر بعنوان «هل النفط نعمة أو نقمة؟» والذي طرحته جريدة الجزيرة في عهد الشيخ عبدالله بن خميس مؤسس هذه الصحيفة وكان ذلك على ما قرأتُ لاحقا قبل ما يقارب نصف قرن.
ومع أن محدودية التعاطي مع سؤال النفط خارج السياسة الرسمية قد أسهم مع تجنب المؤسسات البحثية المحلية التعرض له دراسة وبحثا في انحسار الوعي الاجتماعي العام بالنفط وما له وما عليه إلا باعتباره منجماً سخياً للدخل وكأنه لا ينضب ولا يقدم ولا يؤنسن، فإن السؤال يظل سؤالاً مشروعاً لا غنى عن إعادة التفكير به وتقييم علاقتنا الداخلية به كمجتمع وعلاقتنا الخارجية كدولة ذات سيادة وذات رهان مستقبلي بقواها الاجتماعية الشابة وبثروتها النفطية وثروتها الحضارية في بعدها الديني والثقافي معا خصوصا في لحظات هبوب الرياح عليه مثلما يحدث اليوم نتيجة الصراع الدولي على ما يبدو على قطبية الهيمنة الدولية.
والمقترح المحدد الذي أقدمه لأقسام الدراسات الاجتماعية ولأقسام الاقتصاد في جامعاتنا جميعا ومراكز البحوث القائمة هو أن إنشاء مسارات خاصة ومتخصصة للدراسات النفطية تقوم على تقديم مقررات منهجية تُدرس الجوانب المختلفة للنفط حسب التخصص من الجانب الجيولوجي إلى الجانب الثقافي والإبداعي بما فيها الأعمال الروائية التي عنيت بشكل مباشر أو غير مباشر في الممازجة بين المخيال الأدبي وبين الواقع في قراءة تأثير النفط في المجتمع وهناك قائمة عريضة منها على سبيل المثال ليس إلا أعمال الروائي عبدالعزيز المشري وعبدالرحمن منيف وأعمال سعد الدوسري ومحمد علوان وأميمة الخميس وأخرى . هذا بالإضافة لأهمية دراسة جانب التحولات المرتبطة بالنفط من التعليم إلى موقع المرأة ومن الأسرة الممتدة إلى الأسرة النووية ومن البداوة إلى التحضر ومن المحدودية السكانية إلى الكثافة السكانية ومن المعازل الجغرافية إلى التوحد الوطني ومن القبلية إلى المواطنة ومن زمن التأسيس إلى زمن تجديد التأسيس.
ومن زمن ما يسمى بمرحلة الصحوة إلى زمن المرحلة التحولية اليوم. وفي هذا السياق أشير وأشيد بالعمل التحليلي العميق لمؤلف د. ماجد المنيف بعنوان إشكالية التنمية وثروة النفط في الاقتصاد السعودي.
وأخير لا بد أن نشرع بمجهود رسمي وبمجهود أكاديمي أهلي يعطى تصاريح ميسرة خارج الدوائر البيروقراطية المعقدة لإنشاء «ثنك تانك» يتخصص في الدراسات النفطية والسياسات النفطية ويكون بمثابة كشاف مساعد للقرارات الرسمية في مثل هذه الأوقات وأبعد نحو تصورات تنبؤية علمية منهجية بصيرة.