أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبوعبدالرحمن: خلق الله العقلَ آلة لفهم الوجود وتمييزه على ما هو عليــه بالتدبُّر والتبصُّر، وألهمه الحُكْم في الأشياء من العلاقات بينها والمفارقات بالتذكُّر والتفكُّر، وخلق القلب مستودعاً لِيَقِينه؛ لِـيُحرِّك الجوارح فتعمل ببرهانه، وليُفيض عليه من نور العقل فيستقر بإيمانه، ولا تنقص الشبهات والشهوات ودعاة التضليل من رسوخه واطمئنانه.. ولم يكلِّف الخالق جلَّ وعلا عقلنا المخلوق شططاً بالضياع في الظنون لِيَشْقَى بحيرته؛ بل منحه النور المبين بمبادئه الأولية على مقتَضى فطرته، وجعل المحسوسات مصدر علمه وأحكامه؛ لينطلق من المعلوم إلى معرفة المجهول؛ ولهذا خاطبه ربُّه سبحانه بآيات كثيرة جدّْاً يردُّه فيها إلى المحسوس؛ لتزول أوهامه وأهـواؤه كما في قوله تعالى: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (72-73) سورة البقرة، وذكر ديار المغضوب عليهم كقومِ لوط؛ فقال الله سبحانه وتعالى: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} (137-138) سورة الصافات، وجعل العلم ذخيرة العقل كما في قوله سبحانه تعالى: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} (43) سورة العنكبوت.. ولم يُرِدْ منهم سبحانه المعرفةَ مجردةً من العمل؛ بل أراد العلم باعثاً للعمل، وهادياً للسلوك كما في امتنانه على الأمة ببيان آداب الأسـرة في الاستئذان والمؤاكلة، ثم قال الله سبحانه وتعالى: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون} (61) سورة النور، وهكذا لما نهاهم عن موالاة الكفار مذكِّراً إياهم بتجربتهم الحسية؛ فقال الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ} (118) سورة آل عمران، وأراد منهم الانتقال من الواقع المشهود إلى معرفة الواقع المغيَّب؛ فقال الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ واخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (164) سورة البقرة.
قال أبو عبدالرحمن: ومن الحسِّ الذي أحال الله إليه عقولَ عباده؛ ليفيدوا منه علماً بأخبارِ مَن قام ببرهانِ العقل صدقُه، أو أحال العقل كذِبَه: أخبارُ التواتر كما في قولـه تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّورَاةُ وَالإنجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} (65) سورة آل عمران، وقوله سبحانه وتعالى عن الشيطان الرجيم: {وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ} (62) سورة يس؛ فكل هذا عرفوه بوسائل منها الأخبار المتواترة.. وأراد منهم سبحانه وتعالى في الانتفاع بعقولهم المعادلة بين المصالح والمفاسد كما في قوله سبحانه وتعالى: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ * وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} (31 - 32) سورة الأنعام.. وكما أكرم الله برحمته وعدله المنتفعين بعقولهم بالفوز، ورفع عن المجانين المؤاخذة: توعَّد بعدله العابثين بعقولهم تلاعباً واستهزاءً وكذباً وتحكيماً للهوى والشهوات، وجعلهم كمن لا عقل له من جهة الانتفاع لا من جهة رفع الوزر؛ لأنهم استعملوا عقولهم في غير ما خُلقوا له.. قال الله سبحانه وتعالى: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ} (58) سورة المائدة، وقال الله سبحانه وتعالى: {مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ} (103) سورة المائدة.. وما كان الكفار شرَّ الدواب إلا لاستعمالهم عقولهـم فيما يضر.. قال الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ} (22) سورة الأنفال، وقال الله سبحانه وتعالى: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (48) سورة يونس.. والتفكُّر عمـل العقل ليصل به إلى الحقيقـة، وقد استحثه الله ليعادل بين المصالح ولمفاسد كما في قوله سبحانه وتعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} (219) سورة البقرة؛ فكلُّ هذا مسيرةُ قومٍ عَرفها المخاطبون بالمُشاهدة أو بالتواتر، وكلها عبثٌ بالعقل؛ فكانوا بكل هذا السياق المعلوم غير منتفعين بعقولهم.. ومِفتاحُ الانتفاع بالعقول التأمُّلُ فيما يظهر من حِكْمة الله في تدبيره؛ ولهذا استحثَّ الله العقل لِينْظر في حكمة الخلق للاهتداء إلى الخالق.. قال الله سبحانه وتعالى: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاء رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ} (8) سورة الروم.
قال أبو عبدالرحمن: القلبُ واللُّبُّ والفؤادُ كلها تترادف على معنى واحد، وإنْ اخْتُلِف في مأْخذ الاشتقاق، والقلبُ هو محل الانفعال بالمشاعر، ومحل إضمار المعتَقَد، وكرسيُّ الإيمان بالشيىءِ أو جحده أو الشـك فيه.. وكل ما يصل إليه العقل من يقين أو رجحـان أو احتمال لا أثر له في السلوك حتى يتحوَّل إلى عقيدة في القلب، ويكونُ العزمُ مُسْتَبـْطَناً في طُوِيَّته؛ ولهذا ذكر الله في أكثر من موضع ارتبـاط الانفعالات والسكون بالقلب كالإيمان والطمأنينة والخشوع والإخبات والوجل والرعب والارتياب والنفاق.. وارْتَبَطتْ الألبابُ في كتاب الله بالتذكر والاعتبار والتَّقْوى؛ لأنَّ إيمانَ القلب هو باعثْ السلوكِ كما أسلـفتُ؛ بل خُوطب القلبُ بما يُخاطَب به العقل من الفهم والإصغاء والفقه؛ لأنَّ إيمان القلب حينئذ كسبيٌّ بإذن الله عندما يستقر فيه تفكيرُ النظر السليم؛ فكأنما هو العقل المفكِّر كما فـي قوله سبحانه وتعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} (46) سورة الحـج؛ فالقلب يعقل إذا كان سليماً؛ لأنه استقبل مقتـضى العقل بلا تحيُّز للأهواء والشهوات، والقلب يَعْمَى؛ لأنه استبطن من النيات والعزائم مقتضى الشهـوات، ولم يستقبل نور العقل.. وهكذا كل من ضل بالصدِّ عـن مصادر المعـرفة من الحس والعقل، وبتعطيلها اتباعاً للهوى.. قال الله سبحانه وتعالى: {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ * تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ * وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ * ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآَيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} (100 - 103) سورة الأعراف؛ ففي هذه الآيات بيان عدل الله إنْ شاء أنْ يضلَّهم جزاءَ إصرارهم على العناد،وظُلْمهم أنفسهم، وظلمهم عبادَ الله، وظلمهم شرعَ ربهم بجعلهم نور العقل الهادي سبيلاً للضلال والإضلال.. هذا معنى {فَظَلَمُواْ بِهَا}، وقال الله سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} (179) سورة الأعراف؛ فالقلب يفقه؛ لأنه كرسيُّ ضرورات العقل، والأعين والسمع اللذان يعرفان مباشرة مُعَطَّلان عن الاهتداء بمنفعة البصر والسمع، ومن هذا شأنه قد يُعجِّل الله عقوبته بإضلاله جزاءً لا ابتداءً كما في قوله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا} (57) سورة الكهف.. وشرْطُ قبول القلب نَظرَ العقل الصحيح أن يكون سليماً من مُضِلاَّت الفتن، وإنْ انحرف آناً لم يَمتْ؛ بل يكون قلقاً مُتَلوِّماً.. ولقد مدح الله ذوي القلوب السليمة بقوله سبحانه وتعالى: {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} (89) سورة الشعراء، وقال عن إبراهيم الخليل عليه السلام: {إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} (84) سورة الصافات.. والله سبحانه بفضله واصطفائه يمتن على قلبٍ من قلوب عباده فيملؤُهُ باليقين والإيمان.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه: (إنَّ الحلال بيِّنٌ، وإنَّ الحرام بيِّنٌ، وبينهما أُمورٌ مُشْتَبهَاتٌ لا يعلمُهُنَّ كثيرٌ من الناس؛ فمن اتَّقَى الشُّبُهَات فقد اسْتَبْرأ لدِينِه وَعِرْضِهِ، ومَنْ وَقَعَ في الشُّبُهَاتِ وَقَعَ في الحرامِ كالرَّاعِي يَرْعَى حَوْل الحِمَى يُوشِكُ أن يَرْتَعَ فيه.. ألا وإنّ لكلِّ مَلِكٍ حِمَىً، ألا وإنَّ حِمَى الله مَحَارِمُهُ، ألا وإنَّ في الجسد مُضْغَةً إذا صَلَحتْ صَلَحَ الجسَدُ كُلُّهُ، وإذا فَسَدَتْ فسد الجسدُ كله ألا وهي القلبُ).. وعلَّق الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى في كتابه (جامع العلوم والحكم) 1/ 218 - 220 بقوله: «وقوله صلى الله عليه وسلم: (ألا وإنَّ في الجسد مُضْغَةًإذا صَلَحتْ صَلَحَ الجسَدُ كُلُّهُ، وإذا فَسَدَتْ فسد الجسدُ كله؛ ألا وهي القلبُ) فيه إشارةٌ إلى أنَّ صلاح حركات العبد بجوارحه، واجتنابه للمحرمات، واتِّقائه للشبهات: بحسب صلاح حركة قلبه؛ فإنْ كان قلبه سليماً ليس فيه إلا محبة الله، ومحبة ما يحبه، وخشية الله، وخشية الوقوع فيما يكرهه: صلحت حركات الجوارح كلها، ونشأ عن ذلك اجتنابُ المحرمات كلِّها، وتوقِّي الشبهات؛ حذراً من الوقوع في المحرمات.. وإنْ كان القلب فاسداً قد استولى عليه اتباع هواه، وطلب ما يحبه ولو كرهه الله: فسدت حركات الجوارح كلِّها، وانبعثت إلى كل المعاصي والمشتبهات بحسب اتباع هوى القلب؛ ولهذا يقال: (القلبُ مَلِكُ الأعضاء، وبقية الأعضاء جنوده).. وهم مع هذا جنود طائعون له، منبعثون في طاعته وتنفيذ أوامره، لا يخالفونه في شيىءٍ من ذلك؛ فإنْ كان المَلِك صالحاً كانت هذه الجنود صالحة، وإنْ كان فاسداً كانت جنوده بهذه المثابة فاسدة، ولا ينفع عند الله إلا القلب السليم كما قال الله سبحانه وتعالى: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} (88 - 89) سورة الشعراء، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: (اللَّهُمَّ إنَّي أَسالُكَ قَلْباً سليماً)؛ فالقلب السليم هو السالم من الآفات والمكروهات كلها، وهو القلب الذي ليس فيه سوى محبة الله، وما يحبه الله، وخشية الله، وخشية ما يباعده منه؛ وإلى لقاء قادم إنْ شاء الله تعالى, والله المُستعانُ.
** **
(محمد بن عمر بن عبدالرحمن العقيل) - عفا الله عَنِّي، وعنهم، وعن جميع إخواني المسلمين -