د.عبدالرحيم محمود جاموس
أَما آن لهذا الصفيح أن يبرد؟!، وأن تنتقل فلسطين إلى عهد جديد، يرى الكثيرون أن القضية الفلسطينية قد تراجعت مكانتها على المستويين العربي والدولي، بسبب توالي الأزمات الدولية، الإقليمية والقارية والعالمية، من سياسية إلى اقتصادية وآخرها الحرب الروسية مع أوكرانيا والناتو، وقد فاقت حدتها وتهديدها للسلام العالمي تهديد القضية الفلسطينية له، لكن حقيقة الأمر، إذا أردنا أن ننظر إلى أسباب عدم الاستقرار على الأقل الذي تشهده المنطقة العربية، والشرق أوسطية بصفة عامة، سنجد أن فلسطين وقضيتها في القلب منها دائماً، مهما علت حدة بعض القضايا الأخرى التي تعصف بالمنطقة، وقد تنامت بفعل العوامل المشتركة الداخلية والخارجية في تفجير أوضاع المنطقة، وفي دول معينة بعينها من الدول العربية، نجد أن عامل الصراع العربي الإسرائيلي والقضية الفلسطينية كامنة في لب تلك العوامل الدافعة للقلق وإثارة النزاعات والصراعات، حتى ولو من باب التوظيف، وقد يتبادر للذهن أن القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي الذي مضى عليه سبعة عقود ونيف قد أدمنته المنطقة والعالم، وأنه من الممكن أن يبقى في حالة تبريد وجمود وسكون لعقود أخرى، يجري خلالها التعايش معه، وإبقاؤه في منطقة التريث والتسويف والانتظار، وتوفير الوقت والإمكانيات وتوجيه الجهود لمعالجة الأزمات الأكثر التهاباً في دول المنطقة فقط، من سوريا إلى ليبيا إلى العراق إلى اليمن وأطماع إيران القومية والطائفية، إلى مواجهة هذا التحدي والتمدد الإيراني، الذي بات مقلقاً لجميع الدول العربية في المنطقة، ويعمل على زعزعة الاستقرار فيها، رغم ذلك تبقى فلسطين وعدم حل قضيتها حلاً مقبولاً ولا نقول عادلاً، تمثل إحدى البوابات التي قد تنفذ من خلالها إيران وغيرها بالإضافة إلى البوابة الطائفية في العديد من الدول العربية، التي ما انفكت إيران عن استخدامها منذ سقوط نظام الشاه، وسعيها لاستغلال هذا البعد الطائفي في التأثير في الشأن العربي.
إن تكريس الوحدة الوطنية لدول الإقليم، وإعلاء شأن الوطن، ووحدته ووحدة الدولة، واحترام المواطنة، وإعلاء شأن المواطن، هو الوسيلة الوحيدة الناجعة لسد هذه البوابة الطائفية وكافة الثغرات الأخرى، أمام التدخلات الإيرانية المبنية على أسس طائفية مقيتة تسعى من خلالها لتمزيق نسيج المجتمع وتهديد وحدة الدول، والنموذج الماثل أمامنا العراق فلا خروج له من أزماته إلا بإعادة تشكيل الوعي الوطني العراقي، الجامع لكل مكونات العراق، الإثنية والطائفية، وإسقاط النخب الطائفية التي تتحكم في مقدرات العراق، والتي أتت على ما تبقى من دولة العراق الموحدة بعد الاحتلال الأمريكي والهيمنة والنفوذ الإيراني، وقد أدرك الشعب العراقي من خلال انتفاضته التي خرجت إلى الميادين قبل انتشار جائحة الكورونا، أن لا خلاص للعراق من أزماته المختلفة وضمان سيادته واستعادة وحدته إلا باندحار القوى الطائفية والإثنية، لصالح الوعي الوطني الجامع والموحد والقادر على استعادة الدولة الموحدة واستعادة دورها المفقود، حينها فقط ينتصر العراق على قوى الإرهاب والطائفية التي فتكت به وبوحدته، وتنامت على حساب غياب الوعي الوطني، وما ينطبق على العراق ينطبق أيضاً على سوريا وعلى اليمن ولبنان وبقية الدول التي تئن تحت مطرقة الطائفية، التي عملت إيران على توظيفها في مد نفوذها إليها.
القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي، يمثل البوابة الأساس لزعزعة الاستقرار والأمن في دول المنطقة، إن استمرار الكيان الصهيوني بسياساته القائمة على مواصلة سياسة القمع والقتل والاعتقال والتوسع والاستيطان والضم والفصل العنصري، وترسيخ أقدامه في فلسطين وبدعم وتأييد مطلق من إدارات الولايات المتحدة المتعاقبة، والعمل على استمرار إنكار الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في وطنه، من حق العودة إلى حق تقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس، كما تبلور ذلك في (جوهر وسياقات خدعة القرن الأمريكية الإسرائيلية)، إن تنفيذها وتطبيقها على أرض الواقع، رغم الإرادة الفلسطينية والعربية والدولية ستمثل مدخلاً هاماً وسبباً رئيسياً لاستمرار حالة التوتر وعدم الاستقرار في فلسطين ودول الجوار والمنطقة، وتبقيها على صفيح ساخن فوق برميل من البارود جاهز للانفجار في أي لحظة، وما تنامي وتواصل عمليات الشباب الفلسطيني في عمق الكيان الصهيوني إلا تعبير عن رفض الشعب الفلسطيني لتهميش قضيته وإنكار حقوقه المشروعة في وطنه والتي ستتواصل طالما بقي الاحتلال جاثماً واستمر التنكر لحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة في وطنه... إن استعادة الأمن والاستقرار لدول المنطقة وضمان وحدتها، ووقف التدخلات الخارجية فيها، وإسقاط الذرائعية التي تتذرع بها بعض القوى الإرهابية، يقتضي من دول المنطقة أن تعيد حساباتها، وكذلك الدول المؤثرة في صناعة الأمن والاستقرار والسلم الدولي بشأن القضية الفلسطينية، وأن تعمل على إخراج هذه القضية من مظلة الهيمنة الأمريكية المنحازة لصالح الكيان الصهيوني، التي انفردت به لعقود طويلة، وأدخلتها إلى نفق مظلم دون التوصل لحل مقبول، بل ازداد تعقيداً، وأوصلت الوضع الراهن معه إلى طريق مسدود، لا يستطيع معه الشعب الفلسطيني وقيادته الاستمرار به، كما لا تستطيع دول المنطقة الاستمرار تحت تأثيراته وتهديداته المستمرة، واستمرار الكيان الصهيوني في بناء ترسانته العسكرية وفرض تفوقه عليها وإنفراده بمظلة نووية تهدد أمن المنطقة بأسرها.
لابد من تحرك دولي فعال تشترك فيه كافة دول مجلس الأمن وممثلي مختلف المجموعات الدولية وتعمل على إقرار مؤتمر دولي فعال يأخذ على عاتقه حل القضية الفلسطينية على أساس تنفيذ قرارات الشرعية الدولية واحترام قواعد القانون الدولي وأسس مرجعية عملية السلام بما يفضي إلى إنهاء الاحتلال والضم والاستيطان ويمكن الشعب الفلسطيني من حقوقه كاملة بما فيها إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، بغير ذلك لن تهدأ المنطقة، ولن تشهد الأمن والسلام والاستقرار.