يمكن النظر إلى وفرة الإنتاج الأدبي في مجتمعٍ ما من زوايا متعددة، وستتعدد الأحكام تبعاً لتعدد هذه الزوايا..
في البدء يجب أن نفترض أثراً إيجابياً لهذه الوفرة؛ لأنه كلما زاد الإنتاج في شكلٍ أدبي دلّ ذلك على حيوية المشهد الثقافي والأدبي، والمشهد هنا ليس مقصوراً على الأديب/ المنشئ وحسب، بل يشمل المؤسسة الثقافية، والحركة النقدية، والناشر، والمتلقي.
نفترض أنّ ثمة مردوداً إيجابياً في وفرة الإنتاج الأدبي؛ لأنها ترفع احتمال التجديد والتجريب، وتنوّع الموضوعات والأساليب، وتؤدي -ضرورة- إلى حراك نقدي متعدد الآراء، وهذا بلا شك ناتجٌ إيجابي، يُحسب لوفرة الإنتاج الأدبي في أيّ مجتمع.
لكن من جهةٍ أخرى لا يمكن القطع بالأثرٍ الإيجابي لهذه الوفرة إلا في مجتمعٍ أدبي يتمتع بعدد من العوامل المهمة، من أهمها: المجايلة، أي: وجود تواصل دائم وفاعل بين الأجيال الأدبية في المجتمع، تماماً كما حصل في مصر والعراق خلال النصف الأول من القرن الماضي.
كذلك التراكم الأدبي، فالوفرة أحياناً تتشكل على يد أدباء ناشئين، بعضهم لم يستكمل شرط التجربة، خاصة في حقل الرواية، وبعضهم ينتج عمله الأول ثم يتوقف، أو يعود إلى الممارسة بعد مدة زمنية طويلة تتردد بين 15 و20 عاماً. نحن هنا أمام مشهد أدبي غني بالروايات، لكنه -بسبب غياب هذا العامل- فقيرٌ إلى التجربة.
من العوامل كذلك التفاعل النقدي المؤسسي، ويتمثل في وجود نشاط نقدي يتصف بالاستمرار والشمول، ويملك بهما القدرة على مواكبة الإنتاج الأدبي، والاشتباك الجاد معه.
بدون هذه العوامل تكون الوفرة ذات أثر كمي غالباً، تتسع أفقياً وتضيق رأسياً، وتنخفض معها احتمالية الأثر النوعي الذي يعمّق الممارسة الأدبية إنشاءً وتلقياً، ويزيد من فرصة انبثاق الجديد أو المختلف.
ما سبق حديث عام عن أثر الوفرة في الإنتاج الأدبي بوجهٍ عام، والإنتاج الروائي بوجهٍ خاص، ويمكن تطبيقه على مشهدنا الأدبي، وأقدّر أنه مناسب للتطبيق على أي مشهد آخر.
** **
د.خالد الرفاعي - أكاديمي وكاتب