من نافذته العلوية، لمح رأسا تتدحرج على قارعة الطريق، على إيقاع صمت جليل، مزق ستارته معتوه، يغني بصوته القبيح، غير عابئ بما حوله، فيما يشبه الابتهاج. جاءه صوت الجار، يشاكس ذلك المخبول، فزمجر الرجل رث الملبس، خادشا سكون المشهد بكلمات بذيئة، ثم عاد الصمت يفرض سطوته على المكان.
ألقى نظرة مستطلعة، لمح جاره يطل من شرفة شقته في وجوم. وضع المعتوه الرأس المتدحرجة فوق رأسه، كأنها خوذة واقية، غائمة الملامح، وهام على وجهه متسربلا في صمت مهيب، بينما الجار يذرف دموعا تنهمر كمطر يهطل من مكان ما، وهو يطل بلا رأس.
اندلع صخب أطفال، اكتسحوا المشهد فجأة، بينما المجنون يرمق ذلك الجار في ريبة، برهة، ثم استأنف غناءه الفج والضاج. اتضحت الملامح الغائمة للرأس المبتورة؛ كانت تشبه ملامح رجل يتابع ما يحدث في حياد، حانت منه التفاتة جانبية إلى الشرفة المحاذية له؛ لا أحد هناك... التفت إلى الخلف، وهو يفكر في غفوة صباحية، تبدد أفكارا سوداوية نسبها إلى إفراطه في السهر، أخذ ينظر مشدوها إلى رأس تستلقي على فراشه، والمجنون يواصل غناءه في الخارج بلا رأس، بينما الأطفال يهتفون في غرفة الرجل في صخب.
** **
- هشام بن الشاوي