عطية محمد عطية عقيلان
كتاب «الأب الغني والأب الفقير» للكاتب الأمريكي روبرت كيوساكي بالمشاركة مع شارون ال ليشتر الذي نشر عام 2000م ومترجم إلى العربية، فيه يلخص الكاتب قصة حياته وماذا استفاد من نصائح أبيه الجامعي الفقير، وبين والد زميله مايك الرجل العصامي والذي يمثل له الأب الغني الذي قدم له نصائح ترتكز على كيفية كسب المال وادخاره واستثماره، وهي اختصارٌ لأهمية البيئة التي نعيش فيها والمحيطة بنا، سواء من الوالدين والأقارب والزملاء، وأثرها على أسلوب حياتنا ومدى طموحنا ورؤيتنا للأشياء، وجلنا لا يعيش في حياته مثل ظروف مؤلف الكتاب بوجود أب غني وأب فقير يستفيد من نصائحهما وخبرتهما وآرائهما ودعمهما، وسبب التطرق إلى هذا الموضع هو انتشار وتنوع البرامج التي تتحدث عن رجال الأعمال أو الفنانين الذين بدؤوا من الصفر أو تحته، ويتحدثون عن مسيرتهم وحياتهم وما واجهوه من صعاب وتحديات وكيف تغلبوا عليها بالمثابرة والعمل والمخاطرة، طبعًا جل هذه اللقاءات تظهر «الأب الفقير» فقط في حياتهم وأقصد بها المعوقات والتحديات والمشاكل والتجارب الفاشلة، ولا نرى حديثًا عن «الأب الغني» والذي يمثل الدعم والمساندة والمال والأبواب التي فتحت بسبب انتمائهم الأسري ووضعهم المادي والتسهيلات البنكية التي قدمت لهم بأقل الفوائد والمدارس والجامعات التي ارتادوها، ولا يعني أن الدعم هو الباب الوحيد الذي بسببه كان الثراء فقط، ولكن التركيز على أنه بسبب الجهد فقط فيه نوعٌ من التضليل للمتلقي وبيعه الوهم، ولاسيما عند مطالبتهم الآخرين بالانتفاض على عملهم وتركه والبدء في مشروعهم الخاص، وهذه مغامرة للكثيرين، لأن فشلهم يقسم ظهرهم، وليس لهم أب «غني» يحتويهم ويسندهم ويدعمهم، ويجعل من فشلهم قصةً للنجاح ودرسًا وفيه خبرة وتعلم.
لذا عزيزي الشاب، احذر من رواد الأعمال المنظرين، وحافظ على وظيفتك ولا تغامر بها، من أجل بدء العمل الحر، الآن بعد دراسة وقناعة وقدرة ورصيد يسمح لك بتحمل عقباته، فهو مليء بالعقبات والصعاب، ولا ضير من الاستماع والاستفادة من تجارب وقصص الأغنياء والناجحين في الإعلام، وأخذ العِبر منها ومحاولة تطوير نفسك، ولا تصدق أن للفشل فائدة وردية لأنه فشل ولكن النجاحات الأخرى غطت عليه وجعلته حكاية جميلة ودرسًا مستفادًا، وتذكر أن للنجاح ألف أب ومائة قصة مشوقة، ولكن الفشل والخسارة يتيمة والكل يتبرأ منها ويبتعد عنها، وفي النهاية إن الأرزاق والغنى متفاوتة أسوة بتفاوت الأشكال والألوان والطباع، وهذا لا يمنعنا من السعي إلى تحسين أوضاعنا والبحث عن الفرص واستغلالها، مع القناعة بالرضا، والشكر على النعم التي تحيط بنا، وفي حكاية «افتراضية» ختامية لهذا المقال وهي قصة فقير بدأ حياته من بيع تفاحة قدمت له كصدقة، ولكن قرر بيعها ويشتري بثمنها تفاحتين، لتبدأ رحلته في التجارة بالتفاح، ومن ثم امتلاكه محلاً لبيع التفاح، وبعد مرور سنوات من التعب والجهد، أصبح مليارديرًا بعد أن توفي والد زوجته الثري وورثوا كل أمواله، العِبرة في هذه القصة المتخيلة، أنه عند النجاح وتحقيق الثراء، تصبح حكاية المعاناة والألم والتعب مشوقة والصعوبات استوجبت شخصية فذة لتخطيها وتحملها، بل تصبح القرارات الخاطئة والخسارات الكبيرة والتي قمت بها سابقًا، مفيدة من أجل طريق النجاح، وهذا يا للأسف ما تقدمه أغلب البرامج التي تستضيف قصص النجاح سواء لرجال أعمال أو فنانين، وتضخم حجم المعاناة والتعب والسهر والعمل الذي بذلوه من أجل الوصول إلى ما وصلوا إليه من نجاح وثراء، وكلنا أمل في تسليط الضوء على حكايات وتجارب واقعية لشباب لم يحالفهم الحظ على الرغم مما بذلوه من جهد وتعب وخسروا أموالهم ولم يكن الفشل ورديًا، بل أدى بهم إلى خلف القضبان، ولنؤمن بأن النجاح ليس بالضرورة هو جمع المال فقط والاستحواذ على الشركات والبيوت والأملاك، فهناك قصصٌ ملهمة لمن وجدوا السعادة وعاشوها، بالعطاء والتطوع في العمل الخيري ومساعدة القريب والبعيد، وهذه أيضًا تحتاج إلى أن تُروى عبر الإعلام لتكون محفزًا إيجابيًا إنسانيًا للغني والفقير على حد سواء.