خطت الرواية السعودية خطوات مهمة لتكون في طليعة الأعمال الروائية على المستوى الإقليمي والعالمي، إلا أن كثافة الأعمال الروائية قد أثرت في نوعية هذا المنتج الأدبي، ولمناقشة هذا الموضوع تستضيف الثقافية الناقد الدكتور: فهد بن إبراهيم البكر، أستاذ الأدب والنقد المشارك بجامعة حائل للحديث عن هذا الموضوع فإلى نص الحوار:
س: كيف تنظر إلى النتاج الروائي؟
ج: من الناحية الكمية فهو ما زال يتدفق بغزارة، وما زالت أنواعه، وألوانه، وأجناسه تتوافد، وفي هذا ما يعلي من قيمة الأدب عموماً، والأدب الروائي بوجه خاص.
وأما من ناحية الجودة الفنية، فالحق يقال إن قيمة المنتج الروائي ما زالت لم تنضج بعد، على الرغم من تفوق بعض النماذج وتحقيقها غايات بعيدة من الإبداع، لكنني أظن أن القادم سيكون أجمل وأفضل.
س: ما هي الذروة التي وصلها النتاج الروائي في المملكة في نظرك؟
ج: يمكن أن أربط ذروة النتاج الروائي في المملكة ببعض المحددات، لعل من أهمها: الوفرة والكثرة في الإبداع الروائي، فعندما تقارن الرواية السعودية بمثيلاتها العربية ستجد أرقاماً تستحق التقدير، وقد أحصى بعضهم عدد الروايات السعودية في سنوات خلت، فأوصلها إلى ما يربو على 500 رواية، وأعتقد أننا اليوم اجتزنا هذا الرقم بمراحل؛ فهذه الغزارة هي شكل من أشكال الذروة.
كذلك التأثر بالتقانات الحديثة، ووسائلها المتنوعة، ومثل ذلك أيضاً دخول المرأة السعودية إلى عالم الرواية، كل ذلك قد أضفى على النتاج الروائي في المملكة مسحة جمالية، وطابعاً اجتماعياً، وفنياً مميزاً، وهذا في نظري يضيف إلى قيمة الرواية السعودية، مما يجعلها أكثر نضوجاً وتوهجاً.
س: متى تصل الرواية إلى مرحلة الشعرية؟
ج: كلما جعلت من غير الأدب أدباً، وكلما تغذت بالسرد، ورويت بالوصف، وتسلحت بالحوار، وبانت فيها وجهات النظر، واستعانت بالزمن، وانفتح فضاؤها على كل جميل.
س: اذكر لنا عشرة روايات لفتت نظرك مؤخرًا؟
ج: ليليات رمادة، لواسيني الأعرج، بريد الليل، لهدى بركات، دفاتر الوراق، لجلال برجس، حراس الحزن، لأمير تاج السر، موت صغير، لمحمد حسن علوان، مسرى الغرانيق في مدن العقيق، لأميمة الخميس، أحجية العزبة، لأثير النشمي، زهور فان غوخ، لمقبول العلوي، سيرة حمى، لخالد اليوسف، خرائط التيه، لبثينة العيسى، عقدة الحدّار، لخليف الغالب.
س: هناك من يربط الإبداع في الرواية بالهبوط الأخلاقي كيف تنظر إلى ذلك؟
ج: هذه قضية شائكة جداً منذ القديم، وقد انقسم النقاد والمتذوقون حيالها إلى فريقين:
الأول - يرى أن الإبداع همه الإبداع بصرف النظر عن قيمته الأخلاقية، أو مضامينه وما تحويه من غايات وأهداف، وهذا التصور يقود إلى إشكالات عدة.
الثاني - يقرن الإبداع بالسمو، فيجعل الإبداع في الشكل مكملاً للإبداع في المضمون، وهذا الفريق هو الذي يرتقي بالأدب دوماً إلى الفضيلة؛ فليس الأدب إلا تعبير عن الإنسان والحياة بصورة مشرقة، وغاية نبيلة.
من هنا فكثير يلتبس عليه الأمر بأن الرواية كلما هبطت أخلاقياً ارتقت فنياً، وهذا غير صحيح، فمن يتأمل الروايات المتميزة التي كتبها روائيون متألقون سيتفاجئ بأن هناك عدداً غير يسير من الروايات المتوهجة فنياً وأخلاقياً، ولو ضربت لك أمثلة لطال المقام، بل إنك لتعجب حين ترى بعض الروايات الغربية ذات مضمون هادف، وقيم سامية، وقد اعتلت وارتقت، ونال بعضها الجوائز، لم تكن هابطة من الناحية الأخلاقية.
ولا يعني ذلك أيضاً أن تكون الروايات ذات صبغة وعظية، أو طابع ديني، وإنما تكون إبداعاً هادفاً، وليس إبداعاً هادماً.
س: دخلت إلى الفضاء الروائي روايات أحدثت شيئًا من الضجيج ثم خبتت مثل رواية بنات الرياض؟ كيف تفسرون ذلك؟
ج: ربما يكون السر في ذلك عائدا إلى تغيّر ظروف الناس، وتبدل أحوالهم، وتطور أساليب الحياة، وتجدد وسائلها، ولا سيما إذا كانت أحداث الرواية تناقش هموماً من الواقع المعيش، فمثلاً (بنات الرياض) كانت في وقتها تنطلق من بيئة افتراضية مناسبة لذلك الزمن (الإيميلات - الماسنجر...) بصرف النظر عن محتواها الفني أو المضاميني، وهذا شبيه بالروايات التي تنطلق اليوم من (جائحة كورونا)، أعتقد سوف يأتي زمن تصبح فيه غير متناغمة مع ظروف العصر المتجددة، فتصير تلك الروايات ضرباً من الذكريات.
س: بين الدراسات الأكاديمية والجنس الروائي روابط وثيقة، حيث حظيت هذه الروايات بدراسات أكاديمية خاصة، ما مدى تأثير ذلك على الأجناس الأدبية الأخرى؟
ج: قد يكون في ذلك تأثير في الأجناس الأدبية، بحيث يتوهج بعضها، ويخفت ضوء بعضها الآخر، وبخاصة في الآونة الأخيرة، حيث رأينا بعض الأجناس الأدبية تتسيد المشهد الأكاديمي في الدراسات، والرسائل، والأطاريح العلمية، وهذا ملحوظ كثيراً مع الشعر، والقصة، والرواية، والسيرة الذاتية، غير أنه يجب الاعتراف بأن بعض الأجناس الأدبية ظلت مهضمومة لم تنل حظها الوافر من الاهتمام بعد، كالرسائل الأدبية، وأدب الرحلة، والمقامات، والتوقيعات، والوصايا، والمقالات، والمسرحيات، ونحوها.
س: من وجهة نظركم ما المتطلبات الواجب توافرها فيمن يكتب الرواية؟
ج: يمكن أن اختصرها وأحصرها في متطلب واحد وهو: أن يقرأ كثيراً لكبار الروائيين الغربيين، والعرب على حد سواء.
س: الروايات التي يكتبها النقاد لها طبيعة خاصة كيف تصفها؟
ج: قد يغضب عليّ النقاد ولا سيما أنني محسوب عليهم: هي روايات في أكثرها مملة، ويكون حضور الكاتب فيها عادة ً أشبه بالمتطفل، وإن كانت بعض الروايات الأكاديمية (التي كتبها أكاديميون) تستحق الإشادة.
س: هل هناك تأثر للروايات السعودية بالروايات العربية أو الأجنبية؟
ج: الإجابة عن هذا السؤال تحتاج بسطاً؛ فإذا كان المقصود تأثر الرواية بالثقافات فهذا كثير ومما يطول سرده، أما إن كان المقصود تأثر المتن أو النسق الروائي بما يقابله لدى العرب أو الأجانب، فأظن أن هناك تأثرا، ولكنه قليل، وربما أكثر منه ما كان على سبيل التناص غير المقصود.
س: ما هي الرواية السعودية الأولى؟
ج: رواية (التوأمان) لعبد القدوس الأنصاري عام 1930م.
س: متى ستختفي الرواية؟
ج: إذا اختفت مكونات السرد وجمالياته من هذه الحياة.
س: ما هو سبب كثافة الإنتاج الروائي في المملكة؟
ج: التنامي الحضاري المتسارع.
س: ما هو مستقبل الرواية في المملكة؟
ج: مستقبل مشرق ومزهر على الصعيدين: الإبداعي، والنقدي، وأعتقد أن الرواية السعودية اليوم صارت تقدم نفسها بامتياز على قريناتها العربية، وربما تتصدر المشهد العربي، فالرواية السعودية استطاعت أن تثبت ذاتها، وتفرض احترامها، وليس أدل على ذلك من فوز السعوديين بالجوائز، وترجمة بعض الروايات السعودية إلى لغات أخرى، إضافة إلى عقد المؤتمرات، والندوات، والملتقيات التي تناقش هموم الرواية، وقد تفردت الرواية السعودية ببعض المميزات التي جعلتها وستجعلها متقدمة، ولعل أوضح مثال على ذلك أيضاً: الرواية الرسائلية الإلكترونية ونماذجها السعودية التي جعلتها رائدة في هذا الباب.