خالد بن حمد المالك
ربما تكون نتائج الانتخابات النيابية اللبنانية المسمار الأخير في نعش لبنان، ويصبح هذا البلد الجميل كما العراق تابعًا ومسيرًا من طهران، بزيادة أكبر عمَّا يعانيه الآن من تسلّط إيراني ونفوذه الذي أخذ يتنامى بقيادة حزب الله وحركة أمل وبدعم من حزب الرئيس عون التيار الوطني الحر.
* *
أقول (ربما) لأن المؤشرات تشير إلى هيمنة حزب الله وحلفائه على أصوات الناخبين في غياب الصوت السني المؤثِّر، وعدم وجود تنسيق بين بقية الأحزاب الأخرى المعارضة للتدخل الإيراني في شؤون لبنان الداخلية، وعدم القبول بسياسة حزب الله في تبني السياسة الإيرانية لما تشكِّله من أطماع ومد لنفوذها على حساب مصلحة لبنان.
* *
لم يبق سوى يومين على الاقتراع لانتخاب أعضاء مجلس النواب، وأهمية هذا المجلس أنه من خلاله يتم انتخاب رئيس البلاد، وتمرير الموافقة على تسمية رئيس الوزراء، ومن ثم تشكيل المجلس، فإذا سلَّمنا بأن أكثرية الأعضاء هم من حزب الله وحلفائه، أدركنا خطورة الوضع فيما لو جاءت النتائج بحسب ما يتوقّعه المراقبون بأكثرية لمن يدينون بالولاء والتبعية لإيران.
* *
لبنان خلال فترة رئاسة ميشيل عون، مر بأوضاع أمنية واقتصادية وسياسية غاية في السوء، وواجه من الأزمات ما لم يشهدها في تاريخه، وكان العبث بمصالحه سيد الموقف، ولم تستطع حتى التدخلات الأجنبية، وخاصة التدخل الفرنسي، وتحديدًا تدخل الرئيس الفرنسي ماكرون إنقاذ ما يمكن إنقاذه رغم زياراته المكوكية للبنان لهذا الغرض.
* *
إن مشكلة لبنان أنها بدأت منذ تم جرُّه إلى التبعية لإيران، وقد تزيد تبعيته إذا ما كانت النتائج بحسب التحليلات والقراءات المسبقة للانتخابات، مع أن لبنان بوضعه الحالي يحتاج إلى معجزة لانتشاله من بؤر الفساد، والتآمر، والفوضى، والبطالة، والوضع الاقتصادي المتردي، حتى وإن كانت الأغلبية والغلبة لحزب الله وحلفائه، كونه في حالة إفلاس، مع عدم وجود أي بادرة حقيقية لإنقاذه مما هو فيه.
* *
لقد اختار اللبنانيون - بعضهم على الأقل - التخلي عن محيطهم العربي، والقبول بعلاقات يشوبها الخيانة مع إيران، فكانت النتائج كما نراها الآن، أن لبنان أصبح دولة فاشلة بالمعايير الاقتصادية والسياسية والأمنية، ما يعني أن هذه الانتخابات إذا ما سارت لصالح حزب الله فلن تكون معول إصلاح لما أفسدته السياسة على مدى عقود مضت.
* *
وإذا كان لبنان في حالة معاناة بهذا المستوى منذ زمن، وأنه يعاني ويحتاج إلى إنعاش، كونه يحتضر الآن، فإن هذا الإنعاش سيظل غائبًا ما بقي لبنان يغرِّد خارج السرب العربي، ويعادي داعميه من العرب، ويقبل بأن تكون إيران هي الآمر والناهي، وصاحبة القرار النافذ في كل شأن من شؤونه.
* *
لهذا فإن توجه اللبنانيين إلى صناديق الاقتراع، وبكثافة عالية، وحجب أصواتهم عن كل من تآمر عليهم، أو أفسد حقهم في الاستقلال، ومنحها لمن لم تشبه شائبة أو صورة من صور الفساد، وإعطاءها لمن ظل محافظًا على قوميته العربية، رافضًا أن تكون إيران وصية عليه، إذا فعل اللبنانيون ذلك، يمكن أن يتعافى لبنان، ويجد الدعم الكبير من أشقائه العرب - الخليجيين تحديدًا - وما عدا ذلك، فإن وضعه سيكون من سيئ إلى أسوأ.
* *
ما نتمناه -وهذا حق لبنان علينا - أن نراه وقد تجاوز أزمته، بانتخابات حرة، وأصوات تذهب لمن يحمي لبنان ويدافع عنه بإخلاص، لا أن تذهب لهؤلاء الذين دمروا لبنان، وعاثوا فيه فسادًا، وحولوه إلى جزءٍ من الدولة الإيرانية، بالتبعية، والاستسلام لما تمليه عليه من خلال حزب الله وحركة أمل.
* *
لبنان الآن أمام مسؤولية تاريخية لإنقاذه بأصوات الشرفاء من اللبنانيين، وهذه فرصة قد لا تتكرر لإيقاف نزيف لبنان حتى لا يصل إلى مرحلة لا يكون هناك ما هو متاح لاستعادة وحدته وسلامة أراضيه، ومنع هذا السلاح المنفلت الذي تهدد به بعض الأحزاب كل صوت حر يعارض جرَّ البلاد إلى المجهول.