ناهد أنور التادفي
كما يطير غبار النار في يوم عاصف، فجعنا بالخبر الأليم، وأعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة وفاة فقيدها الراحل صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، لقد اختاره صاحب الأمانات، ليكون في فردوسه الأعلى، رفيقًا للأخيار بإذن الله تعالى، مع العليين والأتقياء والصالحين.
نستسلم لإرادة الله سبحانه، قانعين بحكمته المرسلة في اختياره الحكيم للقائد الكريم الفاضل الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان ليلحق بركب الذين سبقوه كرامًا أتقياء بررة.. فلا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم..
إنها غصّة ألم تكاد تخنق فسحة الروح.. وستائر من سواد تغلق فسحات المرايا..
سكنت الخيول، ولوت الورود أعناقها، وآوت الطيور إلى أعشاشها.. ولولا سعة الفضاء، ورحابة رحمة الله سبحانه، لأغلقت السماء ستائرها. وأغمضت البوادي عيونها على طيوف أحلام عبرت بومض سريع، ولم تغب.. لكنها حفرت على جدران الزمن سيرة رجل كان.. ومضى.
لكننا نقول كما قال الله في كتابه العزيز: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ} (الزمر30). صدق الله العظيم..
ولا نملك وسط هذه الغصّة الحزينة المفعمة بالألم، إلا أن نرفع أكفّنا للسماء، ونسأل الله خالق الأكوان أن يتغمد فقيدنا الغالي خليفة بن زايد آل نهيان برحمته الواسعة، وأن يغدق عليه من فضائل نعمه، وأن يجعل مرتبته في أعلى عليين، مع الشهداء والأولياء والصديقين، إنه سميع بصير، وبنا وبالأمة خبير. فلا حول ولا قوة إلا بالله، {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}..
وهكذا يعبر الزمن، فيتراءى أمام نواظرنا شريطٌ من الذكريات التي ما غادرتنا وما غادرناها.. خليفة.. قائد بالمعنى والقيمة، فِعالهُ كبيرة، وحضوره كبير على كل الساحات، الوطنية والإقليمية والإسلامية والعربية والعالمية والإنسانية.
عملَ فأنجز، وأعطى فأجزى، وكانت كفّاه أطهر من الندى، وللخير والعطاء أسرع من خيول البرّ.
خليفة.. كان القائد الحكيم الحصيف البار المخلص لوطنه ولأمته وللإنسانية جمعاء.
وكان الإداري المحنك، والربان الماهر الذي استطاع أن ينجو مع إخوانه الكرام بسفينة الوطن والأمة من رياح الأعاصير، ومن قسوة الأنواء، ويصل بها وبنا إلى شواطئ الأمان.
كان رجل المواقف الصعبة، الهادئ في وقت القلق، الحكيم في زمن الغضب، الراشد القادر على اتخاذ القرارات الصائبة، والوصول إلى نتائج إيجابية شهد له بها العالم قاطبة.
كان المؤمن الذي سار على خطى شريعة الخالق..
الإسلام دستوره، والقرآن الكريم عطر حياته.
بني وعمّر، وأشاد وكبّر، وأقام ورفع..
فاستحق رضا الله، وحب الشعوب، ونحن في هذه اللحظات العصيبة التي تلفّنا بوشائج الذهول، نرضى بحكم الله، فهو الحكيم ولا راد لقضائه، لكننا في الوقت نفسه ونحن نعتصر قلوبنا حزنًا وألمًا، نخضع لحكمة الله، ولنا العزاء كلُّ العزاء بالأسرة الحاكمة الكريمة وفي مقدمتهم سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان - حفظه الله-، وأعانه وسدَّد خطاه، وألهمه وآله الصبر والسلوان.
الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان فارسٌ ما توانى عن الفروسية يومًا، عايشناه فكان الصلب العود، الوفي الأمين، المسلم العربي، وفي هذا المقام الحزين أقدم العزاء إلى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وإلى شيوخنا الكرام وبطاناتهم من رجالات القيادة الرشيدة الذين كانوا بطانة السلف الصالح، وإلى الشعب الإماراتي الأصيل وكل من يعيش على ثرى الإمارات الطاهر.
ولا بد أن يشرق صباح جديد، يبشّر بيوم جديد، تسطع الشمس من جديد وتفرش أشعتها على مساحة الوطن, وتستمر الحياة، لنقول: رحم الله الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، ولم يبكه الوطن وحده، بل جميع العيون تدمع، وكل القلوب تصدع، وإننا على فراقك يا خليفة الخير لمحزونون، لكننا الصابرون على قضاء الله سبحانه، وإِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ.
** **
عضو اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات - دبي