م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1- كيف ينطلق المفكر العربي بالتفكير وهو مثقل بتبعات الوصاية التي ترى أن المس بالثقافة، أو مساءلة التاريخ، أو تطوير التقاليد، أو تغيير العادات، أو الحديث عن المعتقد، أو نقاش الأيديولوجيا يعد هدماً للهوية لا يقوم به سوى الأعداء والمندسون؟
2- حينما يرزح المفكر العربي في عصرنا الحديث تحت وطأة الهوية وأنها مهددة، وأن لغتنا مهددة، وأن ديننا مهدد، وأن شخصيتنا مهددة، وأن كل شيء حولنا مهدد.. وأن الأمم من حولنا تتكأكأ علينا كما تتكأكأ الأكلة على قصعتها.. فإن ذلك اعتراف بدرجة الهوان التي وصلنا إليها نحن العرب.. لكن هل نحن محقون في درجة الذعر التي وصلنا إليها؟ أم هي حالة استُخْدمت من فئات لأغراض سياسية أو فكرية أو مقاومة للتغيير؟ فأشاعوا ذلك الخوف من أن الهوية العربية تحت التهديد، وأن المصلحة تقتضي مكافحة كل من يتصدى للأسئلة التي تمس ثوابت الهوية، مما وأد أي مشروع معرفي لأي مفكر عربي في مهده.
3- حينما يسيطر هاجس المؤامرة على الهوية العربية في ذهن المفكر العربي، هنا تتوقف رغبة التقدم من أجل المعرفة وينتقل إلى حالة التوقف للدفاع.. ويتجه حينها للبحث عن الفجوات الدفاعية لسَدّها ولو بِلَيّ عنق الحقيقة.. ولا تصبح غايته البحث عن الحقيقة والإتيان بالإجابات عن الأسئلة الكبرى.. بل تصبح غايته كيف يتصدى للأعداء والتعامل مع القضية من باب مقاومة الأعداء حتى بالإيهام والإبهام.. ولا يعد الوضوح هو الهدف الذي يبحث عنه أو الوسيلة التي يلجأ إليها.
4- حينما يتجه المفكر العربي إلى تسخير ما لديه من معرفة وما يمتلكه من أدوات تحليلية إلى تقوية دفاعات الأمة تجاه من يريد اختراق هويتها.. يصبح المفكر العربي حينئذ قارئاً لا يفكر بل يجتر المقولات والمفاهيم والأفكار التي وردته من أسلافه.. مما جعل الحالة المعرفية في العالم العربي حالة ساكنة متوقفة ليس من أهدافها التقدم للأمام بل الثبات خشية التراجع للخلف.. وجعلت المفكر يسخر كل جهوده لإعادة إنتاج ما أنتجه أسلافه من قبله، وتأكيد صحة ما أتوا به ومقاومته للزمن، من باب أنه لا يصلح زماننا إلا بما صلح به زمان أسلافنا.
5- حينما يتربى المفكر العربي منذ صغره في بيئة خائفة وَجِلة متوجسة من الآخر.. سواء كان ذلك الآخر داخلياً مثل رجال السلطة أو حماة الدين أو حراس التقاليد.. أو كان خارجياً في صورة أعداء يجب أن نكون دائماً على أهبة الاستعداد لمواجهة اعتداءاتهم.. فهو يكبر بروح خائفة وبالتالي غير محايدة، تطغى عليها غريزة البقاء لا فطرة الترقي.. والشعور بأن بقاءنا مهدد لا شك أنه سوف يطغى على الرغبة في الرقي والتقدم.. هذا الشعور هو الذي يشكل عقل المفكر العربي منذ صغره للأسف.. فكيف يفكر الخائف، وكيف يتعلم المهدد، وكيف ينمو الوعي العربي لدى شخص يعيش وسط مجتمع يحذره بشكل متواصل من تربص الأعداء.. ويردعه إذا هو حاد عن طريق مواجهة المخالفين لهم أو المختلفين معهم.
6- حينما تكون المشكلة الكبرى التي يواجهها المفكر هي تلك الروح الجمعية للناس التي ترفض أن تُمَس مُسَلّماتها.. وهي عنيفة في ردة فعلها.. ويمكن أن يستخدمها الرافضون لأي اتجاه فكري لا يتفق مع توجهاتهم في التأليب على المخالف.. وربما يؤدي ذلك إلى الأذية الشخصية وقد تتجاوز الأذية لأفراد عائلته.. المشكلة الأخرى أن بعض الحكومات وبداعي حفظ السّلم العام تضع تشريعات تحافظ على السائد والمعتاد من عادات وتقاليد وأعراف.. وهنا يقع المفكر بين مطرقة المجتمع وسندان الحكومة.
7- أيضاً واجه المفكر العربي تحدياً ثقافياً متغلغلاً في الوجدان العربي، يقوم على النظرة الدونية للذات، وأنه مهدد في ثقافته ودينه وعاداته وتقاليده، مقابل النظرة المُكَبرة للآخر الذي هو حتماً مصدر للتهديد.. وهذا التحدي الفكري يتم ترسيخه من قبل فئات تستفيد من تلك النظرة.. ويستخدمونها لتخويف المجتمع للهيمنة عليه.. ولم تقتصر تلك النظرة الدونية للذات تجاه الآخر بل تجاوزته أيضاً للسلف القديم.. وأن مفكر اليوم أقصر قامة وأقل معرفة وقدرة من أن يأتي بما لم تأت به الأوائل.
8- مما سبق نستخلص أننا نحن العرب في ورطة كبيرة.. فلا حضارة قامت بلا فكر.. ولا نهضة نشأت بلا مفكرين.. ولا حراك مجتمع يتقدم بلا روح جمعية تدفع نحو التقدم.. فما العمل.