هيئة التحرير الثقافية - الجوف - محمد الرويلي:
سجلت الأندية الأدبية على مدى تاريخها خطوات مهمة وبناءة في خدمة الثقافة والأدب، سواء كان ذلك على صعيد النشر من طباعة النتاج الأدبي ونشره عبر المنصات المتاحة، سواء أكان ذلك عبر معارض الكتاب، أو المعارض الخيرية التي تشارك فيها الأندية الأدبية بنتاجها، أو على صعيد إقامة الندوات والمحاضرات وورش العمل، التي تقدمها الأندية الأدبية في مختلف مناطق المملكة.
وتباينت الرؤى والتطلعات التي تناولت الأندية الأدبية فبعضها يرى أهمية وجود هذه الأندية ودعمها، وبعضها الآخر يرى ضرورة إعادة هيكلتها لتعتمد على مواردها الذاتية، وآخرون يرون أن حقبة الأندية الأدبية انتهت ولا بد أن تعقبها مراحل أخرى «الثقافية»، كما عودتكم ستطرح هذه الرؤى والتطلعات، ونأمل بأن يجد ما نطرحه صدى لدى الجهات المعنية وعلى رأسها وزارة الثقافة التي تسجل في كل يوم خطوات مهمة وبناءة في سبيل الارتقاء بالمستوى الثقافي والفكري في هذا الوطن.
الأندية الأدبية القلب النابض للحراك الثقافي
أول الآراء التي توقفنا عندها هو حديث رئيس نادي أدبي جدة الأستاذ الدكتور عبدالله بن عويقل السلمي الذي قال: الأندية الأدبية هي القلب النابض للحراك الثقافي في أي مجتمع، هي الذاكرة الوطنية للثقافة، ولا يمكن حلها أو إلغاؤها ببساطة وتأسيس كيانات جديدة بلا روح وبلا تاريخ أو جذور أو هوية ينتمي لها المثقفون وترجلها هو مغامرة بإلغاء هذه الذاكرة وطمس الهوية العميقة والعريقة للأدب وهنا نتذكر محمد حسن عواد وعزيز ضياء وأبو مدين وابن خميس وغيرهم.
بل أرى أن على وزارة الثقافة أن تمنح هذه المؤسسات فرصتها لتنتعش في ظل المناخ الذي صنعته الرؤية، ولديها برامج عالمية كالأدب التفاعلي والترجمات وبرامج قنطرة لنقل الأدب ونظرياته لكل العالم ومشروعاتها تتوالى.
مستقبل الأندية يتمثل في أنها تملك من الخبرة والبنية التحتية ما يمكنها من أن تسد كل ثغرة، وقد سبقت كل الجهات للاهتمام بالمبدعين وترجمة كتب النقاد للغات مختلفة وأقامت ملتقيات ومؤتمرات تجاوزت الثمانين مؤتمرا وطبعت أكثر من خمسة آلاف إصدار أدبي ونقدي وإبداعي، وهلم جرا.
وأوضح السلمي: وربما يكمن التحدي أمام الأندية فيما حدده أعضاء مجلس الشورى كما نقلته صحيفة الرياض «بعدم وضوح مرجعيتها وتأرجحها لسنوات بين وزارتي الإعلام والثقافة، وما تشكوه من ضعف الدعم المقدم لها من هذه الوزارات ومن القيود البيروقراطية التي تفرضها عليها، وغياب الرؤية الثقافية الموجهة في القطاع الثقافي ككل».
لم تتغير إعانة الأندية الأدبية منذ قرابة نصف قرن
من جهة أخرى تحدث في هذا السياق للثقافية رئيس نادي أدبي الباحة الثقافي الأستاذ حسن الزهراني، الذي قال:
أما عن واقع الأندية الأدبية الحالي فهي ومنذ أكثر من عقد تقود المشهد الأدبي والثقافي بكل اقتدار، ولا يكاد يخلو أسبوعا واحدا من نشاط لافت في هذه الأندية وخلال هذه المرحلة أنجزت الأندية الأدبية مئات من المهرجانات والملتقيات والندوات بمشاركات محلية وعربية وعالمية أيضا.
وكذلك الآلاف من الأمسيات الشعرية والسردية والنقدية والفكرية والثقافية المتنوعة. وأقامت العشرات من المسابقات والجوائز التى شارك فيها المبدعون العرب إلى جانب مبدعي الوطن، كما رفدت المكتبة العربية بآلاف الكتب والمجلات الدورية المحكمة التي أصبحت من أهم المراجع للباحثين والدارسين محليا وعربيا.
وفتحت هذه الأندية أبوابها للمواهب الشابة ودعمتها بإشراكها في نشاطاتها المنبرية وتشجيع المبدعين من هذه الفئة الغالية بطباعة نتاجهم الإبداعي.
كما نوعت في نشاطاتها لترضي كافة الفئات والأطياف وعقدت شراكات مجتمعية كثيرة وخرجت بنشاطاتها خارج أسوار الأندية لتوصل صوتها إلى الجميع أقامت بجهود ذاتية مباني متميزة لها أصبحت معالم ثقافية في كل منطقة.
وأضاف الزهراني: أما عن المستقبل فقد أعددنا رؤية استراتيجية تواكب الرؤية الوطنية 2030 التي سترى النور قريبا ضمن كتاب الأندية الأدبية الذي نقوم بإعداده حاليا ولن أنسى هنا فضل الزملاء في نادي القصيم الذين وضعوا بذرة هذه الاستراتيجية
وكلنا عشم في أن تجد هذه الأندية دعما من قائد مسيرتنا خادم الحرمين الشريفين رجل الثقافة والأدب ومن مهندس رؤيتنا سمو ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان.
فالأندية الأدبية تُمنح مليونا سنويا (كإعانة مقطوعة) ولم تتغير هذه الإعانة منذ قرابة نصف قرن رغم أن هذه الإعانة لا تفي بعشر احتياج الأندية وطموحات العاملين فيها.
لماذا لا تعيد لأندية هيكلتها؟
أما الكاتب والمثقف نبيل حاتم زارع قال: المطلوب من الأندية الأدبية حاليا هو أن تعيد هيكلتها الإدارية ولا أقصد تغيير أشخاص بل إعادة تنظيم بما يتوافق مع متطلبات المرحلة الجديدة حيث لا بد من أن تبدأ بشكل جاد بكيفية الاعتماد على نفسها ذاتيا في تأمين الإيرادات المالية حتى تستطيع أن تقود السفينة الثقافية بشكل يلبي ويحقق متطلباتها وتطلعات المثقفين دون أن تعاد نغمة قلة الميزانية من عدمها فهذه أول خطوة يجب أن تقوم بها وتختار الكفاءات الإدارية التي تجيد العمل الاستثماري وتحقق عوائد مادية وتجدد لوائحها المالية والإدارية بما يتوافق مع طبيعة البرامج والأنشطة التي تود تنفيذها والتي من ضمنها طباعة الإصدارات وتوزيعها وإقامة الملتقيات الثقافية والخدمات المساندة التي تحتاج تنظيما وتضع في اعتبارها المصاريف الإدارية التشغيلية والمكآفات وبعد ذلك تبدأ بالعمل المنهجي الثقافي والأدبي الذي يتماشى مع الأهداف الأساسية لإنشاء الأندية الأدبية ومن الممكن أن تستعين ببيوت خبرة مالية أو نفس مؤسسات المجتمع المدني التي استطاعت أن تقف على قدميها واستقلت ماديا بشكل مستدام دون أن تظل معتمدة على الإعانة الحكومية التي من البديهي أن تقل أو تلغى لأن المؤسسة إذا لم تفكر جديا بوضع آلية حديثة منظمة ماليا فلن تستطيع أن تكمل مسيرتها ولربما تقل أنشطتها وتضع نفسها في حرج أمام الوسط الثقافي وتبدأ تنشغل على المبررات والاعتذارات التي لا تجدي.
اخرجوا من التقليدية والمجاملات
فيما أوضح المختص في الإعلام الثقافي الأستاذ عبدالله وافية، تقديره لجهود الأندية الأدبية بقوله: نقدر للأندية جهودها في حقبة ماضية ولكن في هذا العصر وما يشهده من تحولات معلوماتية ومعرفية يجب أن تراجع الأندية وضعها وتموضعها في المشهد الثقافي.
مع أني أميل ميلا كبيرًا لإغلاقها فحضورها باهت وندواتها ضعيفة على مستوى الأفكار المطروحة أو المشاركين أو الحضور القليل الذي يعكس عدم رغبة الجمهور بكافة مستوياته الشعبي منه والنخبوي بعدم فائدة ما يطرح وإنما هي ندوات من باب رفع العتب واللوم عن أعضاء ورؤساء هذه الأندية.
حتى على مستوى الإصدارات والمشاركة في المعارض الداخلية والخارجية للكتاب ضعيفة جدا.
إصدارات بدون خطة في الاهتمام بتوزيعها والتسويق لها لذلك تكدست مخازنها واغبرت.
لذلك عليهم المبادرة ونفض الغبار عن أفكار قديمة سادت ثم بادت وتغيير خطة الحضور وعدم الانتظار في مكاتبهم لحضور الجمهور بكافة أطيافه.
عليهم الذهاب لهم وإقامة أنشطتهم، في الأحياء والمدارس والمجمعات التجارية.
عليهم عقد شراكات أكثر مصداقية في دعم المؤلفين وإصداراتهم.
عليهم المشاركة على هامش الفعاليات التي تنعقد في المدن واستغلال مواسم الصيف والشتاء لإقامة معارض وندوات في موقع الفعاليات مثل موسم الرياض وجده وغيرهما.
عليهم الخروج من مكاتبهم لصناعة وعي واشراك المجتمع في الندوات وصناعتها والاستماع لهم مباشرة. بدلا من التقليدية في الدعوات التي تخضع دوما للمجاملات والأسماء المكررة.
اخرجوا للمجتمع واعقدوا ندواتكم في الهواء الطلق لنعرف أنكم أحياء.
المستقبل للمراكز الثقافية
أما الروائي والمثقف صلاح بن هندي، فيرى أن الأندية الأدبية: مرحلة أدت دورها مشكورة، ولا بد أن يأتي بعدها مرحلة أخرى هي مرحلة المراكز الثقافية التي يقوم عليها شباب وفتيات يتمتعون بنظرة جديدة للدور الثقافي وأهميته. لا بد من دماء جديدة تواكب تطلعات الرؤية المباركة التي يرعاها سمو ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان حفظه الله ورعاه. ولقد أثبت الشباب والفتيات أنهم قادرون على تحمل المسؤلية. وأن تكون هذه المراكز متعددة الفروع في كل منطقة وفي كل محافظة. لاسيما المناطق والمحافطات الشاسعة. لأن كثيرين يشتكون من بعد المسافة بينهم وبين مواقع الأندية الأدبية. أيضا أرى أن يكون الطرح الثقافي أكثر جدية وأكثر عمقا. وأن تدرج الثقافة الشعبية ضمن هذه المراكز بعكس ما كانت عليه الصورة أيام الأندية الأدبية.
الأندية الأدبية البقاء والتحوّل
فيما أكد القاص أحمد الجميد على أهمية مواكبة الأندية الأدبية للتحولات بقوله:
في ظل ما طرأ من تغيّراتٍ على المشهد السعودي عامة، وبعد ما يقارب نصف قرن من العمل الثقافي للأندية الأدبية، ومواكبةً للتحوّلات على عدة مستوياتٍ، ليس الثقافيّ بمنأى عنها، هل نشهد بالفعل أفول الأندية الأدبية؟!
تساؤلٌ ما فتىء المختصون والمهتمون وغيرهم يتناولونه من حينٍ لآخر وبنبرةٍ هادئةٍ ربّما، لكنه في الفترة الأخيرة قد ازداد إلحاحًا وأهميّة، لا سيما بعد صدور قرارات إنشاء مجموعة من الهيئات المتخصّصة التابعة لوزارة الثقافة دون التطرق إلى حال الأندية الأدبية مباشرة، مما جعل المسألة رهينة للتكهّنات والاستفهامات.
لقد قيل الكثير عن مستقبل الأندية الأدبية ومآلاتها، ومما لا شك فيه أن الحديث في هذه المسألة ينطوي على الكثير من الاختلافات في الرؤى، ويتسم بالتعدديّة، خاصة حين يتم تسليط الضوء على دور هذه الكيانات الثقافية وفلسفتها وفحوى وجودها، وذلك بالتحديد ما يجب التركيز عليه وإيلائه الأهميّة الكبرى والعناية به، سواءً كان ذلك على مستوى المراجعة المتوقّع حدوثها من قبل الجانب الرسميّ، أو على مستوى النقد، وتحت أيّ مسمى، المهم أن يخطو العمل الثقافيّ المؤسّسي على أرضيّة تمثّل الكيفيّة التي تضمن حضوره بفاعليةٍ وتأثيرٍ في الواقع الاجتماعي، وبالتالي إحراز الأهداف المرجوة.
إن الأندية الأدبية اليوم كما يراها البعض، أو لنقل غالبيتها على وجه الدقة، في حالة ردة فعل دائمة مرتكزة على حسٍ استهلاكي، وبدلاً من ذلك، لا بد أن يكون لها نشاطًا وزخمًا أكبر فيما يخص الشّأن الثقافيّ والإبداعيّ، كذلك في مواكبة الفعل الثقافيّ، وأن تكون أكثر قدرة على التفاعل مع العصر ومجرياته.
وعلى أهمية ما قامت به الأندية الأدبية وما تزال في خدمة المشروع الثقافيّ السعودي، والأدب السعودي، إلى جانب حركة النشر في شتى مناطق المملكة، هذا عدا الندوات والمحاضرات وإقامتها بشكل مستمرٍ ودوريّ، إلا أنها مع ما ذُكِر مطالبة بدورٍ أرحب من ذلك، وأعمق على النحو الذي تكون فيه متجذّرة في المجتمع، وشريكة له بتعزيز وتنمية كل ما من شأنه رفد الجانب الثقافيّ والإبداعيّ، ورفع مستوى الوعيّ، فضلا على الانخراط في الحالة الإبداعية بشكلٍ مباشرٍ وخلاقٍ، محكومة بالوقت عينه بروح مجتمعاتها.
أما الحديث عن إعادة صياغتها وهيكلتها، ففي النهاية، مهما اختلفتْ المسمّيات التي تندرج تحتها المؤسسات الثقافية، وتبدلتْ المرجعيّات الرسميّة أو الأهلية، فإن ذلك على ضرورته في تأطير العمل، يظل تفصيلًا مؤثرًا إلى حد ما، ما دامت المؤسسة مساهمة بعمقٍ وفاعليّة في الجانب الثقافيّ والإبداعيّ، وفق إستراتيجيّة تحقق الأثر المنشود.