عبده الأسمري
الكلمة تلك الأداة التي تشدو بها الأحاديث وتتجلى منها الأحداث لتصنع «الخطاب» وتكمل «الجواب» وتحصد «الصواب» ففيها تسمو «الخطابات» وعليها تعول «الإجابات» لتبقى وجهاً للمعارف وواجهة للمشارف التي تبرز «الثقافة» وتؤكد «الحصافة» وتؤصل «المعرفة»
عندما تتجه الكلمة إلى مصاف «القول الحسن» فإنها تعد وسيلة أولى لنثر عبير «الفرح» ونشر تقدير «التعامل» فتصل لأن تكون غاية لفض النزاع وهوية لوقف الخلاف. لذا ظلت «سراً» يحيك «الحكماء» خيوطه لإنتاج أجمل «الحديث» فيكون «جهراً» يجنيه «النبلاء» ممن يستمعون إلى الكلم فينصتون للمعنى وممن يمعنون في العلم فيحصدون الهدف..
مرت عقود على رحيل العديد من المثقفين والعلماء والساسة إلا أن هنالك كلمات بقت خالدة وراءهم وظفوا من خلالها تجارب الحياة في خدمة مارب العيش محولين الكلمة إلى «اختصار» لقصص كثيرة وروايات متعددة وحكايات متجددة حيث وردت عباراتهم بين الأزمنة لتستقر على بوابات «الضياء» وتقف أمام منصات «الاحتفاء» لأنها كانت في متن «الابداع» نطقاً و»الامتاع وصفاً حتى تحولت إلى «منابع» للنصح و»ينابيع» للتوجيه..
كم جاءت «كلمة» لترمم «فجوة «الخلافات وكم تواردت عبارة لردم «هوة» التعقيدات حيث استوطنت قلوباً استوحت من الكلمات «سلوكيات» لم تظهر وانتهلت من العبارات «تصرفات» لم تحدث.. فحلت على «جدب» الشعور لتمطر صيباً نافعاً من «التسامح» وتبنى صرحاً شافعاً من «التصالح»..
قد تختصر «الكلمات» العديد من الخطط وتنتصر للكثير من الخطوات شريطة أن تكون «نابعة» من القلب واقتنع بها العقل ونطقها اللسان ثم تلتها مسالك إنسانية توظفها الجوارح حتى تحظى بالصدق وتستديم بالوفاء وتستقيم بالصفاء وصولاً إلى تحول الكلمة إلى «بشرى» تزرع اليقين وتحقق الهدف..
كم هي الكلمات التي جاءت كالبلسم الشافي فكفكت دموع الحائرين ولملمت شتات المكلومين في هيئة «بشائر» وهوية «بصائر» أضاءت عتمة «الظروف» وبددت غمة «العوائق»..
الكلمة الطيبة دليل كاف يعكس «داخل» البشر وينال «الإنسان» عليها الحسنات ويصل بها إلى درجات عالية من «الرقي» ويجد المتلقين في حديثه «السمو» و»اللين» و»القيم» لذا فإن أصحاب الأحاديث الراقية هم من يصنعون للحياة وجوه متنوعة من الآمال ويضعون للعمر أوجه منوعة من الأمنيات لأنهم «انقياء» الحديث و»أوفياء» التعامل..
تعمل الكلمة على امتصاص صدمات الآخرين وإيقاف هجمات الغير من خلال اتخاذها كأسلوب يجفف منابع «الغضب» ويوقف هجمات «الفوضى» ويردع موجات «العشوائية» فأمامها تسقط حيل المتسرعين وتفشل خطط المتهورين..
بين الكلمة والفعل ارتباط يجعل الإنسان بين شخصية وفية وتقية وأخرى محتالة ومخادعة لذا فإن ارتباط الحديث مع الحدث مجال يعكس الفرق بين الوهم والواقع.. فللكلام أبعاد تتزامن مع الأفعال وللسلوك ضريبة تدفع من «ثمن» القول فالواجب أن يكون الكلام نابع من العمق مقترناً بصفات تتنامى مع الزمن لتعكس «نقاء» الإنسان وتعلى شأنه وتبرز «معدنه».
وعلى النقيض فإن الكلمة قد تتجه لتكون في مسار «الخبث» فتأتي بالسوء على صاحبها فكم من كلمات «جرحت» قلوباً آمنة وكم من أخرى أدمت نفوساً مطمئنة لذا فإنها تعكس شخصية المتحدث وتوظف سلوكه وهي الواجهة الحقيقية التي يتم من خلالها «الحكم» على ذوق الإنسان في الحديث والتعامل وذائقته في الوفاء والعطاء.
يرتبط الإنسان كثيراً في فصول من حياته ومراحل من عمره مع ما يجنيه من إيجابيات وما يصدره من استجابات وما يتفوه به من إجابات لذا فإن ممارسة الكلام «الطيب» تسهم في تعديل «السمات» الشخصية وتفرق بين الإنسان الذي يملك «العقل» المتزن و«الفكر» الواعي وبين آخر هوت به كلماته إلى قعر «السوء» وقاع «الأخطاء»
على كل إنسان أن يراجع «قاموس» كلماته جيداً فهنالك العديد من الكلمات التي تحتاج إلى «تثبيت» وأخرى إلى «اجتثاث» حتى تتشكل الكلمة في «حلة» باهية «وطلة» زاهية تصنع «الرقي» الإنساني في العبارات والأحاديث وفي الانطلاق من سلوك الكلام الصادر والاحتياط أمام مسلك الحديث الوارد..
تسهم سلطة الكلمة في توظيف سلطنة المعرفة التي تظهر «معدن» الإنسان الأصيل في حديثه وتعاملاته حتى نرقى بالأحاديث في كل اتجاهاتها ونرتقي بالمنافع في شتى أبعادها..