خالد أحمد عثمان
في أعقاب التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا فرضت الولايات المتحدة وبريطانيا ودول الاتحاد الأوربي عقوبات اقتصادية عديدة ضد روسيا وكان من بينها إخراج روسيا من النظام العالمي للمبادلات والتحويلات المصرفية المعروف اختصاراً بكلمة (سويفت SWIFT) وهذه الكلمة هي اختصار لعبارة (جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك The Society for Worldwide Interbank Financial Telecommunications).
وأقدم للقارئ الكريم أبرز المعلومات المتعلقة بهذا النظام والمستخرجة من مواقع متعددة في شبكة الإنترنت وهي كما يلي:
1 - تأسست جمعية (سويفت) في عام 1973 ويقع مركزها في العاصمة البلجيكية بروكسل. ويرتبط بشبكة (سويفت) نحو (11) ألف بنك ومؤسسة مالية في أكثر من 200 دولة. وشبكة (سويفت) مملوكة الآن من قبل (2000) بنك ومؤسسة مالية ويشرف عليها البنك المركزي البلجيكي بالتعاون مع البنوك المركزية الكبرى في جميع أنحاء العالم بما في ذلك بنك الاحتياطي الاتحادي الأمريكي وبنك إنجلترا.
2 - شبكة (سويفت) هي نظام مراسلة فوري يساعد في تسهيل انجاز الصفقات التجارية وجعل التجارة الدولية آمنة من خلال إخبار المستخدمين بموعد إرسال المدفوعات وتسلمها، ويرسل هذا النظام أكثر من 40 مليون رسالة يومية، إذ يتم تداول تريليونات الدولارات بين الشركات والحكومات. ومن فوائد هذا النظام أن يضمن عدم نكران معاملة التبادل المالي بمعنى أنه لا أحد من المتعاملين يستطيع نفي وجود صفقة قد تمت فسويفت بمثابة إجراء توثيقي لمجموع المعاملات المنجزة مهما كان المبلغ.
3 - في عام 2020 استحوذت روسيا على نحو 1.5 في المائة من المبادلات المالية عبر سويفت، وإخراج روسيا من هذا النظام يجعل من المستحيل للبنوك والمؤسسات المالية إرسال الأموال إلى داخل روسيا أو منها إلى خارجها، كما أن من نتائجه تعذّر تنفيذ الحوالات المالية بين الأفراد الروس في الخارج وأقاربهم في الداخل أو العكس، فالحظر لا يقتصر على الحوالات التجارية فحسب، بل يشمل التحويلات بين الأفراد. لذلك وصف بعض الخبراء هذا الإجراء العقابي بأنه «قنبلة نووية» ضربت الاقتصاد الروسي.
4 - أدى منع روسيا من الاستفادة من خدمات (سويفت) إلى استبعاد سبعة بنوك روسية رئيسية من هذا النظام ولكن استثنى أكبر بنك في روسيا وهو (سبيربنك) وكذلك بنك (غاز بروم بنك) لأنهما يمثلان القناتين الرئيسيتين لدفع ثمن شراء النفط والغاز من روسيا، حيث ما زلت دول الاتحاد الأوربي تعتمد اعتماداً كبيراً على وارادات النفط والغاز الروسي.
4 - في عام 2006 كشفت الولايات المتحدة الأمريكية أنها بمساعدة (سويفت) تجسست بشكل غير قانوني على التعاملات المالية الدولية بهدف تعقب الأشخاص المشتبه في صلتهم بعمليات غسيل الأموال في إطار مكافحة هذه العمليات منذ هجمات 11/سبتمبر 2001. وزوّدت (سويفت) سراً على مدار سنوات وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بمعلومات عن ملايين الصفقات. ورغم الجدل الذي أحدثه هذا التعاون الوثيق بين (سويفت) والمخابرات الأمريكية إلا أن (سويفت) بقيت الأداة الأكبر والأكثر كفاءة لتحويل الأموال بين الدول.
5 - ليست روسيا هي الدولة الأولى التي يتم استبعادها من نظام (سويفت)، ففي عام 2012 تم إخراج إيران من هذا النظام بعد أن فرضت عليها عقوبات بسبب برنامجها النووي وأدى ذلك إلى خسارة إيران نحو نصف عائدات تصدير النفط وتضرر ما يقرب من 30 % من حركة تجارتها الخارجية.
6 - في عام 2015 أطلق البنك المركزي الصيني نظاماً خاصاً بتسوية المدفوعات أطلق عليه اسم (سيبس CIPS) كجزء من جهود الصين لزيادة استخدام عملتها الوطنية (اليوان) في المعاملات الدولية مما يقلِّل اعتماد الصين على الدولار الأمريكي، ووفقاً لشبكة (سيبس) فإن حوالي (1280) مؤسسة مالية في (103) دولة مرتبطة بهذه الشبكة بما في ذلك 30 مصرفاً من اليابان و 23 مصرفاً من روسيا و 32 مصرفاً من دول إفريقيا تتلقى اليوان في إطار مبادرة الحزام الصينية.
وبالمقارنة مع نظام (سويفت) الذي يضم نحو (11) ألف عضو فإن نطاق (سيبس) صغير جداً، وفيما ينقل (سويفت) أكثر من 40 مليون رسالة يومياً مما يسهل التجارة بمقدار 5 تريليونات دولار في اليوم يتم التعامل مع (15000) رسالة بواسطة (سيبس) يومياً. كما أن البنك المركزي الروسي أطلق نظام الرسائل الخاص به المسمى نظام الرسائل المالية (أس.بي.أف.أس) في عام 2014 بعدما هددت الولايات المتحدة بطرد روسيا من (سويفت) عقب احتلالها شبه جزيرة القرم. ويقال إن النظام الروسي يضم حوالي (400) مؤسسة مالية معظمها محلية ولا يستخدم هذا النظام سوى حوالي عشرة بنوك أجنبية من دول مثل الصين وكوبا وروسيا البيضاء وطاجيكستان وكازاخستان.
وبعد إقصاء البنوك الروسية من (سويفت) اقترحت وسائل الإعلام الصينية أن يعمل نظام (سيبس) الصيني مع النظام الروسي لمواجهة قيود الغرب على الرغم من حقيقة أن (سيبس) لديه حالياً مشروع مشترك مع (سويفت).
ويتضح مما سبق أن نظام (سويفت) ما زال هو النظام المهيمن وأن بدائله الحالية لا تستطيع منافسته أو مزاحمته.
ويرى بعض الخبراء أن استخدام (سويفت) كسلاح قد يؤدي في المستقبل إلى تأكل النظام المالي العالمي الذي يهيمن عليه الدولار الأمريكي، وقد يدعم بدائل (سويفت) التي تطورها الصين وروسيا.
وبعد هذا الاستعراض الموجز لتاريخ نظام (سويفت) ودوره، أود التعليق بما يلي :
أولاً: إن (سويفت) شركة تعاونية محدودة المسؤولية وذات أغراض دولية، تأسست بموجب القانون البلجيكي وبالتالي فهي لا تخضع للقانون الدولي العام وإنما تخضع للقانون البلجيكي وكذلك لقوانين الاتحاد الأوربي ذات الصلة بنشاطها بحكم أن بلجيكا عضواً في هذا الاتحاد.
ثانياً: إن شبكة (سويفت) هي أشبه بشبكة بريد إلكتروني من نوع خاص تؤدي خدمة عامة لجميع بنوك العالم المشتركة فيها. وهي بهذه المثابة ينبغي أن تعمل بشكل محايد بعيداً عن التجاذبات السياسية الدولية، لكن الواقع ليس كذلك فسويفت تخضع لتوجهات السياسة الخارجية للدول الرئيسية المسيطرة عليها وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.
ثالثاً: إن معاقبة أي دولة بإخراجها من نظام سويفت من دون قرار يجيز ذلك من مجلس الأمن الدولي أو حكم من محكمة العدل الدولية يعد انحرافاً بهذا النظام عن الأهداف التي نشأ من أجلها وهي تسهيل وتيسير المبادلات والتحويلات المالية عبر الدول، كما أن هذا الإجراء يتعارض مع مبادئ التجارة الحرة.
وإذا كان يمكن من الناحية القانونية تبرير استبعاد إيران من شبكة (سويفت) على أساس إجبار إيران على تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة ببرنامجها النووي، والتي فرضت على إيران عقوبات عديدة حتى تتمثل لهذه القرارات، إلا أن استبعاد روسيا من هذه الشبكة ليس له سند قانوني ولا يمكن تسويغ هذه الاستبعاد لمجرد تدخلها العسكري في أوكرانيا، صحيح إن القانون الدولي العام يحرم استخدام القوة المسلحة في العلاقات الدولية إلا في حالة الدفاع عن النفس، ولا يجيز التدخل العسكري واحتلال أراضي الغير بالقوة، إلا أنه توجد سوابق دولية لغزو دول دولاً أخرى ولم يتم استبعادها من هذه الشبكة مثل الغزو الأمريكي للعراق واحتلاله وتدميره ثم تسليمه لعملاء إيران والاحتلال الإسرائيلي لأراض عربية منذ عام 1967 ورفضها الانسحاب منها، بل وإنكارها الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني التي أقرتها قرارات الأمم المتحدة، ومع ذلك لم تستبعد لا أمريكا ولا إسرائيل من هذه الشبكة.
رابعاً: كما تم تنظيم خدمات البريد بين دول العالم بموجب اتفاقية دولية أبرمت في 9/أكتوبر 1874 في برن بسويسرا، وأصبحت سارية المفعول اعتباراً من 01/يوليو 1875 ثم أدخلت عليها بعد ذلك عدة تعديلات، وقد نشأت بموجب هذه الاتفاقية منظمة دولية باسم (اتحاد البريد العالمي) وقد وضع دستور لهذا الاتحاد تم التوقيع عليه في10/يوليو 1964 وبات ساري المفعول اعتباراً من أول يناير 1966 إلى أجل غير مسمى وقد نصت المادة الأولى من هذا الدستور على أن «هدف الاتحاد ضمان تنظيم الخدمات البريدية واستكمالها والعمل على تنمية التعاون الدولي في هذا المضمار». كذلك ينبغي أن تنظم خدمات التحويلات والمبادلات المصرفية عبر الدول بموجب اتفاقية دولية متعددة الأطراف، تحت مظلة الأمم المتحدة أو منظمة التجارة العالمية، تنشأ بموجبها هيئة أو منظمة دولية تتولى الإشراف على هذا المرفق الدولي وأن تحدد الاتفاقية أجهزة هذه المنظمة واختصاصاتها وكيفية اتخاذ قراراتها وأحكام اكتساب العضوية وتعليقها وفقدها وغير ذلك من الأمور والمسائل ذات الصلة بعمل المنظمات الدولية. وكما أن الاتفاقية الدولية المنظمة لخدمات البريد تقوم على مبدأ رئيسي هو حرية عبور البريد، كذلك فان الاتفاقية المطلوبة لتنظيم مراسلات للتحويلات والمبادلات المصرفية ينبغي أن تقوم على أساس مبدأ حرية عبور هذه المراسلات دون عوائق. وأن منع العبور يكون في حالات استثنائية محددة على سبيل الحصر.
** **
- محام وكاتب سعودي