أ.د.عثمان بن صالح العامر
هاتفني أحد طلاب الدراسات العليا الأعزاء، وفي ثنايا المكالمة سألته عن بحثه الذي يعكف عليه لنيل درجة الماجستير، فقال معتذراً ومبيناً السبب الحقيقي لتأخره في التسليم: (… توفي والدي- رحمه الله -مثل ما أنت عارف قبل أشهر- ومنذ وفاته وحتى اليوم وأنا في مشاكل الميراث وتوزيعه بين الورثة، وسبحان الله مع أننا أشقاء والوالد -رحمه الله- ترك خلفه خيراً كثيراً، إلا أن القسم بين الإخوة والأخوات فيها صعوبة، قلت له مطمئناً: الحمد لله أنه -رحمه الله- لم يخلف ديوناً والتزامات مالية توجب عليكم تبرئة ذمته وهو في قبره، -والحمد لله- أنكم أشقاء، والحمد لله أنه ورث خيراً يكفي الجميع، وأن له حقوقاً مالية عند الناس وليس العكس. حينها تذكرت تغريدة جميلة، عمرها يناهز السنتين للصديق العزيز الأستاذ الدكتور حسن بن فهد الهويمل -شفاه الله وعافاه-، نصها: (مررت بباب صديق توفاه الله من عشر سنوات فوجدته مجافى، وهشيم الشجر يسد الفتحة، والقطط تسرح وتمرح فيه.
كان في حياته مشرعاً لذوي الحاجات، وكنا نسمر فيه، ونجد جميل القول، وشهي الطعام، وعبق البخور، وبشاشة الوجه. سألت قريبه: ما الخبر؟، فقال: خلاف الورثة، وتدخل القاضي فجمد كل شيء، وكل ذهب لشأنه).
وختم أبا أحمد تغريدته بما عنونته هذا المقال (رتبوا أموركم !!).
هذه الصورة التي حكاها الأديب الفذ في تغريدته الواردة المؤرخة في 16/ أغسطس/ 2020م ليست حالة فريدة فكل منا يعرف مثل هذه الحالة أو شبيهة بها وقريبة منها، وشخصيا أمرُّ يوميا بمزرعة مهجورة ذات مساحة شاسعة في موقع استراتيجي وسط مدينة (حائل)، ومع أنني أعتقد حاجة الورثة للمال أو على الأقل بعضهم، ولاحتمالية تعقد الأمور أكثر في حال مات أحد الورثة وخلف وراءه بنين وبنات، إلا أن الاختلاف بينهم وقف حجر عثرة في التصرف في هذه المزرعة وتخطيطها ومن ثم بيعها، وعلى ذلك قس. وربما وصل الأمر بالإخوة أن يجلسوا متخاصمين في مجلس القضاء، وقد يقع بعضهم تحت تأثير الزوجة والذرية أو حتى الأقارب والأصدقاء.
ختمت حواري مع الطالب حيال معاناته التي أفاض في الحديث عن طرف منها (ولذلك الواحد منا يأخذ من مثل ما أنت تعاني منه اليوم درساً وعبرة، فيرتب أوراقه خاصة المالي منها، يبين ماله وما عليه، وإن استطاع أن يوزع ما يقبل التوزيع وهو حي بين أولاده فذلك أفضل بكثير من أن ينتظروا وفاته خاصة إذا كانوا كباراً يحسنون التصرف المالي، أو أنهم محتاجين للمال، وقد كبر وصار عاجزاً عن إدارة ممتلكاته وثروته النقدية والعينية حتى ولو قلت. فالموت لا يستأذن أحداً، وقد يأتي على أحد بلا مقدمات ومنذرات، دمتم بخير، وأطال الله أعمارنا وأعماركم على الطاعة، وإلى لقاء، والسلام.