يستقي كتاب ثقافة جماهيرية تأليف فيليب كولانجيون (صدر عن دار نشر PUF الفرنسية) مادته من الاهتمام القديم بالقضايا المرتبطة بالمكوِّن الثقافي وانعدام المساواة الاجتماعية والعلاقة بين الطبقات. على هذا النحو يسعى المؤلف الى تبني طرح تحليلي لمفهوم الطبقة الاجتماعية بحيث يُمكن تفسير هذه القضايا على نحو منفتح أو بصورة عرضية من منطلق الحياة الجماعية التي يتم هيكلتها وفقا لمختلف مبادئ التوافق والاختلاف التي ترتبط، من بين أمور متعددة، بالجنس أو الأصل العرقي أو الجيل، ولأنه لا يمكن اختزال هذه القضايا فإن الطبقات الاجتماعية لا تزال في قلب الديناميكيات المعاصرة لانعدام المساواة وضمن سياق يبدو أنه أقل وضوحًا مقارنة بما كان عليه تداخل هذا السياق في الماضي مع ثقافات طبقية موحدة ومتماسكة.
ولأن هناك انعدام وضوح للفواصل الرمزية بين الطبقات الاجتماعية، ولأن هذا الأمر لا يتطلب تقليص انعدام المساواة الى مجرد حالة من الاضطراب العشوائي الناتج عن التنافس بين الأفراد، فإن هذه الإشكالية تعود الى سلسلة من العوامل التي تتعلق بشكل خاص بالتحولات في أنماط الإنتاج وتداول الثروات والخدمات الثقافية ونشر التعليم.
يشتمل الكتاب على مقدمة وأربعة أجزاء، أما مقدمة الكتاب فتمهد لمفهوم الثقافة كهوية وكمورد من الموارد الجوهرية التي تعمل على طمس الحدود الثقافية والسياسية بين الطبقات.
يؤكد المؤلف في هذه المقدمة على التحولات الكبيرة الحاصلة في اقتصاد الموارد الثقافية ورأس المال الثقافي في القرن الحادي والعشرين، كما أنه يطرح علامة استفهام حول ظاهرة المجتمع الطبقي بدون ثقافات طبقية.
يستعرض المؤلف في الجزء الأول من هذا الكتاب إشكالية الثقافة وانعدام المساواة، ولهذا فإنه يضع إجابة لسؤال يدور حول الوصول غير المتساوي للثقافة، وكذا التعامل غير المتساوي مع مختلف أنواع الموارد أو الممتلكات الثقافية، كما أنه يوضح العلاقة التي تربط بين الثقافة من ناحية والتقسيم الطبقي للمجتمع والعلاقات الطبقية من ناحية أخرى، بالإضافة الى الرابط بين هذا التقسيم الطبقي ومدى إمكانية الوصول إلى الموارد الثقافية.
يتناول المؤلف مفهوم البنية الفوقية الثقافية مع مختلف الطبقات المجتمعية وتأثير الاستخدامات المتدنية لرأس المال الثقافي على المجتمع.
أما عن الجزء الثاني من هذا الكتاب فيتحدث عن التوسع في مجال التعليم والانتشار الثقافي ومردود ذلك من الناحية الاجتماعية، كما أنه يشير الى وجود فجوة ثقافية في مناطق المحيط الأطلسي نتيجة للفوارق الكبيرة بين المدارس العامة والمدارس الطبقية، يتناول مؤلف الكتاب في هذا الجزء اشكالية التوسع التعليمي وانعدام المساواة الناتج عن سوء استخدام الموارد التعليمية والثقافية وجمود المفاهيم الاجتماعية الثقافية وتنامي إصدار الشهادات وإضعاف الجانب الثقافي للمدرسة والاستثمار في مجال التعليم والنمو وعدد من القضايا الأخرى مثل العوائد الاجتماعية والتمويل العام والمدرسة الرأسمالية والتعليم من أجل اقتناص الفرص الوظيفية.
الجزء الثالث من هذا الكتاب يتناول ثقافة النخبة العالِمة والثقافة الشعبية، كما أنه يتناول بالشرح الذائقة الانتقائية التي ستصبح العلامة الثقافية الرئيسية للنّخب المعاصرة والتي تتمثل في وجود علاقة بين الانفتاح الثقافي والتباعد الاجتماعي لمختلف القوائم التراثية الثقافية، يضاف الى ذلك الآليات الانتقائية لتزايد السمات الثقافية على الرغم من تراجع التميز العلمي. في هذا الجزء يستعرض المؤلف الطابع الاجتماعي التعددي والانتقائي على الأشكال الناشئة لرأس المال الثقافي الناتج عن التعددية الثقافية، كما أنه يتناول الرهانات السياسات الثقافية وإعادة تشكيل الهياكل الاجتماعية التي تستند الى الذائقة الانتقائية ورأس المال المتعدد الثقافات ورأس المال الثقافي المتغير الذي لا يمكن الوصول إليه بشكل غير متساو.
يستعرض المؤلف في الجزء الرابع من هذا الكتاب إشكالية الانفتاح الثقافي والسياسي والقيم العالمية ومظاهر الانفتاح على العالم التي أصبحت لا تقتصر على تطور الأذواق والتعبير عنها من خلال الممارسات الثقافية، ولكنها أصبحت جزءا لا يتجزأ من إعادة تشكيل الوعاء الثقافي الذي سيؤثر بدوره على منظومة القيم الأخلاقية والسياسية. يذكر المؤلف أن الصفات المشتركة لإعادة تشكيل هذا الوعاء الثقافي تنحصر في إخفاء العلاقة بين الأبعاد المجتمعية للتنوع الطبقي والمواقف السياسية. تشير هذه العلاقة بشكل أساسي الى وجود مفاهيم ثانوية تربط بين الثقافة بشكل عام والنوازع الطبقية التي يتوارى من خلالها آراء وسلوك البشر في المجالات المختلفة.
** **
أيمن منير - أكاديمي مصري
@2781Ayman