سهام القحطاني
«أن تكون المرأة شاعرة فهذا أهون على الفحولة من أن يكون مُنظّرة وناقدة وصاحبة رأي وفكر ونظرية»- عبدالله الغذامي.
أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة من خلال جائزة الشيخ زايد للكتاب منح لقب شخصية العام الثقافية في دورتها السادسة عشرة للناقد الدكتور الأستاذ عبدالله الغذامي شخصية العام الثقافية؛ «تكريماً لمسيرته الطويلة من العطاء والتي أنجز من خلالها الكثير من الدراسات والمشروعات البحثية المهمة التي أثرت الحراك الثقافي إقليمياً وعربياً، ومنحت الهيئة العلمية للجائزة ومجلس أمنائها الدكتور الغذامي جائزة شخصية العام الثقافية نظير جهوده المتميزة في ميدان النقد الثقافي ودراسات المرأة والشعر والفكر النقدي».
وبعيداً عن العام وقريباً من الخاص يعتبر الدكتور عبدالله الغذامي «شخصية فكرية جدلية»، بل هو «أيقونة ثقافية جدلية»؛ ولعل هذه العلامة الثقافية التي طبعت شخصيته الفكرية منذ قيادته للحداثة ثم تمرده عليها وإعادة تدوير المفهوم الفكري للصحوة الذي له ما له وعليه ما عليه هي التي تجعله دوماً في دائرة الضوء التي لا تخفت ولا ينطفئ بريقها، ومصدر تأثير وأثر وإلهام للكثير في مجال النقد.
فلماذا يختلف الغذامي عن غيره؟ هذا الاختلاف الذي صنع منه علامة ثقافية رائجة محلياً وخليجياً وعربياً.
ويمكن أن نستنتج عدة أسباب للجاذبية الثقافية التي تحيط دوماً بالشخصية الفكرية للغذامي منها:
* الحيوية الفكرية؛ فالغذامي يتميز بالحركة الفكرية الحيوية؛ فالأفكار عنده دوماً تنمو في نطاق المراجعة وليس في إطار العبودية، وقد استطاع الغذامي أن يحمي فكره من مأزق العبودية الفكرية التي وقع في فخها الكثير من جيله بحجة الأصالة، فقذف بهم الحال في الزوايا المظلة.
* الذكاء الثقافي والمعرفي؛ القدرة بلا ذكاء لا يمكن أن تصنع لك مجداً، وقلّ من يستطيع الجمع بين القدرة والذكاء ولذا فالشخصيات المميزة غالباً مؤطرة بالنادر، وقد استطاع الغذامي أن يجمع بينهما فيما أخفق جيله فيما نجح فيه الغذامي، والذكاء الثقافي مبني على «القراءة الصحيحة» للواقع وحركته؛ لقد تنازل الغذامي عن الحداثة عندما أدرك أن واقعها الافتراضي لا يمكن أن يتوافق مع الواقع الحقيقي في خواصه وليس في عمومه، ولا ننسى أن الفضيلة الكبرى للذكاء الثقافي التي يتحلَّى به الغذامي كانت حصانة له من قيود التعنت والتعصّب، وأن يبتعد عن قفص النسقية الذي ظل محارباً لهيمنها وظلها ولذا لم يكن الغذامي يوماً أسيراً لرأي وفكر يستدرجه للتوثين والعبودية.
ليس كل من يملك معرفة يستطيع أن يصبح مفكراً أو عالماً، وهنا الفرق بين من تستعبده المعرفة فيتورط في تقديسها فيقع سجيناً بين قضبانها ومن يستعبد المعرفة ليعيد تفكيكها وتركيبها وتدويرها لخلق معرفة جديدة.
إن «ممارسة خلق المعرفة» هي التي تصنع من مالك المعرفة مفكراً وعالماً، وهذا ما تعلمناه من الغذامي؛ أن المعرفة يجب أن لا تأسرنا في سجونها وهي ليست سلسلة من المعلومات ننقلها هنا وهناك، بل هي كيف نعيد توظيف قراءة تلك السلسلة متحررين من أفكار حراسها القدامى لتجديد خرائطنا الثقافية نحو الإضافة لا التكرار، وهذه قدرة وذكاء معرفيان راقيان عند الغذامي فأنت دوماً تقرأ له مألوفات لكن بخرائط ثقافية جديدة تُدهشك وتضيف نافذة مختلفة لرؤية العالم.
* الشجاعة الثقافية؛ كان الخوف من التغير سبباً في خروج الكثير من المثقفين من دائرة الضوء والتأثير والأثر، وهذه الشجاعة هي التي خلقت «الديناميكية الثقافية» التي تُميز الغذامي بها عن جيله الذي ارتضى لذاته وأفكاره أن تكون «حديث الذكريات» يُكرّرها هنا وهناك، لم يخجل الغذامي دوماً من «بوح مراجعات مدونته الفكرية» ونقدها وتحريرها من تعصب يقينها، وهو ما ساعده على تجديد خطابه الثقافي ومواكبة النموذج النهضوي.
غالباً ما تقترن الشجاعة بالتمرّد، والغذامي يملك شخصية ثقافية متمردة هي التي صنعت جاذبيته الثقافية والفكرية.
* النموذج النهضوي؛ كان الغذامي أول صوت واضح النبرة مسانداً للمرأة السعودية والعربية سواء في كينونتها الإنسانية أو الثقافية، عندما كانت الأصوات المساندة لها تهمس في حياء وخجل بجوار الجدار الباردة، ولا شك أن تلك المساندة كان لها أكبر الدعم للمرأة بحيث فتحت المجال لأصوات واضحة أخرى حتى تصدعت الجدار الباردة ليبرز صوت المرأة المشرق.
* لقد عرف الغذامي دوماً مفاتيح اللعبة الثقافية بينه وبين الجمهور التي تجعله بكل جدارة واستحقاق مصدراً للتأثير والأثر.
* قد يختلف البعض على المدونة الفكرية للغذامي، لكن بلا شك يتفق الجميع على أنه أيقونة فكرية لن تتكرر وعقل معرفي نهضوي وتاريخ ثقافي مستقل في ذاته وعلامة معرفية في تاريخ الفكر السعودي والخليجي والعربي، نفخر كسعوديين أنه من هذا الوطن العظيم.