«الثقافية» - الجوف - حاوره - محمد هليل الرويلي:
حرصت «الثقافية» على التوسع في ميدان نقاشها لقضية العامية والفصيح و»العربيزي»، لتحاور أحد المدونين ممن لهم حضور على باحة مواقع التواصل الاجتماعي، لتغوص في أعماق هذا البحر العميق الذي يؤذن بظهور لغة هجين جديدة ربما تكون نسخة مطورة عن «العربيزي»، لتحاور الأستاذ: بسام الهويمل، المدون والمؤثر على مواقع التواصل الاجتماعي ثقافيًا؛ وربما أنّ الكوميديا السوداء - إن جاز التعبير- اللاعب الأساس في عدد من التساؤلات إنما طرحها لتبديد الحيرة, وذلك في حسابه الشخصي بموقع (تويتر) قائلًا: «عندما أنشر بعض الفيديوهات الأدبية أو التاريخية في برنامج TikTok تأتيني ردود تُعقَب على المحتوى تحمل مصطلحات لم تمر بي في «تويتر» ولا في «السناب شات» منذ دخولي قبل 12 عام, مفردات تجعلني في حيرة, أهي مسبة أم مدحة:
* دز أمها.
* الحنبلي يختّم ملف الشافعي
* كفو يا قادح
* اركض في مخي
فلم يكن حجرًا، بل أحجارًا ومن عدة زوايا ألقاها الكاتب الأستاذ (بسام بن عبدالله الهويمل) ... وبدورها (الثقافية) تواصلت تحمل هذه القضية ومحاور أخرى لتحريك المياه ومن منبعه الأول فوجدنا «على سبيل البداءة، فإلى نص الحوار:
نحن مقبلون على لهجة ستحل مكان اللغة الفصيحة أو عامّية جديدة تختص بالمثقفين، إذ بواكير النبوءات وطلاسم تشير إلى تحولات تتحدث بنفسها عن نفسها! ما يقودنا للتساؤل هل من الممكن حقًا أن تكون هذه الأبجدية المستحدثة غير مُحدَّدة القواعد وغير الرسمية التي ظهرت خلال العقود الأخيرة من القرن العشرين، «العربيزي», وهل هذا الواقع نتيجة «الدردشات» ونتيجة حتمية قدمته أيدينا وتلقفناه بهواتفنا المحمولة فأصبح (اتصالًا ثقافيًا) وتخاطبًا بشريًا, وهو بحق - اليوم - واقعنا المُسال بقوى من اللغة الناعمة؛ عبر منافذ الإنترنت وشبكاته الرقمية صاحب نطقها نطق لغتنا العربية و لهجاتها إلا أنها مشفوعة بحروف لاتينية وأرقام تشبه الشيفرة..
من شخوصها (دِز أُمّها, القادح, اركض في مخي وصد رد) العالم الموازي الذي إن لم نكن قد اكتشفناه بعد فإن أولادنا وبناتنا يرفلون ناعمين فيه, خصوصًا من كانت أعمارهم في المرحلة المتوسطة والثانوية.
س: ما هو تقييمك للمستوى اللغوي في تويتر؟ ومدى تأثير العامية عليه؟
- حينما شرعت في الدخول إلى عالم التواصل الاجتماعي عبر بوابته الكبرى (تويتر) مطلع عام 2010م، كنتُ أحمل ثقافة أخرى غير التي وجدتها هناك، لا أتهم ثقافتي المحدودة أنها كانت بائسة بقدر ما هي منكفئة على حقول محددة، ففي تويتر وجدت أكابر المثقفين والقُراء من المملكة العربية السعودية، الذين قلبوا موازين المطالعة لدى الشباب السعودي والعربي الذي كان محصور القراءة، أو كانت جلّ مطالعاته في الشأن الشرعي كما هو سائد في تلك المدة، لقد غيّروا الشكل الثقافي في ظرف عامين أو ثلاثة، وهذا شكل نادر من أشكال التغيير الذي لابد أن يُدرَس خطابه.
أخذنا ننهل مما يطرحون من أفكار و عنوانات كُنا نجهلها تمامًا، وبعد أعوام وجدنا أننا أفدنا منهم كثيرًا حتى أصبح يُشار إلينا بالبنان عند التحاكم الثقافي أو في حلبة الفكر، أو في الإرشاد إلى النافع المفيد من الكتب.
لمسنا من هؤلاء الكبار حرصهم على العربية، التي كانوا يُطَعِّمونها باللهجة البيضاء التي لو عدنا إلى القواميس لوجدنا أ ن لها في اللغة أصلًا، مع العناية بالأسلوب و محاولة تطويره لتصل الفكرة إلى القارئ غير منقوصة، ولا مملولة.
غادرت تلكَ الصفوة مُبكرًا فضاء تويتر، ثم حللنا مكانهم أو في الدرجة التي دونهم، ببضاعة ليست كالتي في حوزتهم، فتراجعَ الحس الثقافي قليلًا، أأقول قليلًا؟! بل كثيرًا للأسف.
توالت بعد ذلك العديد من برامج التواصل، بل تضاعفت مثل: السناب شات و التيك توك، وغيرها من التطبيقات التي أسهمت في تكوين هوّة بين العربية وأبناء الجيل الجديد؛ لاتسامها بالسرعة في تقديم المحتوى المتكامل القائم على الصوت، والصورة، فطبيعة هذه البرامج هي السرعة، والمحتوى المتكامل، القائم على الصوت والصورة والنص المَهيض، إلى أن أصبح النص الأدبي في عِداد المَيّتين، بعد أن أُغلِق دونه الباب وخاطب: (الذي في الأعلى ينزل إلى الأسفل).
س: هل كانت هناك رهبة من الكاميرا لدى الجيل القديم؟
- للكاميرا رهبة في نفوس الذين أعمارهم اليوم ما بين 35 - 40 عامًا، لأنهم لم يولدوا وفي أيديهم هواتف نقَّالة، لذلك كان دخولهم إلى العوالم الجديدة متأخرًا جدًا، فحل محلهم أُناس يلبسون الرداء الثقافي لأجل لفت النظر في المقام الأول، ولأجل العوائد المادية المرتفعة، و الأولى محرّمة شرعًا إن كانت لغاية الشهرة والابتذال، والثانية مباحة، وعسى أن يُغدق عليهم أضعاف ما نالوه و تمنوه.
ولكن المؤسف في هذه المرحلة التي ذكرتها آنفًا، أنها خلعت عباءة القديم و الجديد بشكل ظاهر، وليرحم الله محمد حسن هيكل وكتابه ثورة الأدب، الذي كان يحاول من خلاله صنع مقاربات بين جيلين، أحدهما يدافع عن القديم والآخر عن الحديث، والكل في غاية الرُقي الأدبي، أما الذي أتى به هؤلاء الذين يتلبّسون بالثقافة فلا يجعل الحماسة تشتعل لصُنعِ مقاربة جديدة تجبر الكسر.
بدأ هؤلاء الشباب بصناعةِ مادة مرئية مبنية على القصص والروايات المُستَلَّة من كتب الأدب والتراث، ولكن الكارثة أن اللسان الذي يتحدثون به لا ينتَسِب إلى للأدب ولا إلى التاريخ، جرّدوا المفردة من حلاوتها وقيمتها في النص المنشور، وخاضوا في لغة الشارع، وهذا الشارع ليس الذي نعرف، بل شارع آخر ليس على الخريطة اللغوية والأدبية، إنه الشارع الذي تجف فيه الحلوق وهي تهتف للأندية والمُفحّطين بسياراتهم، ولو كان هذا النص لن يخرج في مجلة، لذكرت هتافات أخرى تدورُ فوق هذا الإسفلت.
تلقّفَ الجيل الجديد الذي يُشاهد هذه الثقافة الشوارعية بشَرَه، وأخذ يتداولها ويعتمدها كمادة تثقيفية فعلًا، وأنها ليست كما وصفت آنفًا!
ونتيجة لهذا الانتشار أخذ بعضهم يلتَمس حظّه في هذا المَعمَل الذي تكوَّمَت فيه أغرب الخلطَات الكيميائية، فكان لهم الحظ خير مُعين.. سحقًا!
س: ما حكاية: «أخي .. اركب معنا»؟
- هذه قصة حدثت لي مع أخي عنونها (أخي .. اركب معنا)، وأذكر أن أخي الصغير عبدالمحسن، هو ليس صغيرًا على كل حالٍ، للتو تخرَّج في كلية الصيدلة، أنه قال لي قبل عامين، لماذا لا تصنع مثل فلان، وفلان هذا، هو النواة الأولى لهذه الكارثة الثقافية، فقلت له: أتتكلم وأنت في كامل وعيك؟ دعني أضع يدي على ناصيتك لأتأكد من عافيتك؟! قال: انظر إلى فلان كيف انتشرت مادته وذاع صيته، لماذا تتلبّسك الجدية منذ بداية حديثك في السناب شات إلى أن تنتهي منه؟
والحق أن أخي الدكتور على شيء من الصواب، وعلى خطأ كبير، كانت حصافتهُ تشير إلى أن التجديد ومحاولة البحث عن طُرِقٍ جديدة لكسب ثقة الناس وتثقيفهم أمرٌ لازم، وأن في محاولة تطوير الأسلوب لمواكبة العصر وناسهِ ضرورة لا مناص عنها، لكنني لم أفهم عنه إلا وأنا أكتب هذه الكلمات.. فهل نتغير؟
س: هل الأدب على أوّل المنحدر، وقبل الهاوية بقليل؟
- سأتحدث هنا عن قصة فنية منشورة (مطربٌ لكل العصور) ورمزية ثقل الكلمة بوصفها إرثًا و هويّة، وتاريخًا، و حضارة فقال: كتبتُ مقالاً في عام 2012م نُشِر في صحيفة سبق، أمتدحُ فيه الفنان رابح صقر، وأُثني على وعيهِ بمعرفة مزاج الجمهور، وكيفية جذبهم بالألحان والتوزيع، فحين انتهى زمن الكلمة الأصيلة، واللحن الذي بداخله عدد من الكوبليهات، شرع في التجديد فورًا، فعلَ ذلك قبل تلك الأسماء التي نراها على الشاشات، أولئك الذين ذهب بهم جهلهم كيفية طُرُق التواصل إلى خانة النسيان الأبدي.
ويفعل الفنان رابح صقر ذلك وأنا أجزم أن بينه وبين جمهوره عشرات الفوارق، يأتي في مقدمتها العمر، فهو في نهاية الخمسين من عمره، وتجد الملايين ممن يستمعون له لم يتجاوزوا الثامنة عشرة من العمر.. أيُ ذكاء هذا؟
وزاد: (أوّل المنحدر، وقبل الهاوية بقليل) والحق أن الأغنية تختلف عن الأدب وعالمه، ولكل فن طريقته وأدبياته، فالأدب والطرح الثقافي بشكل عام، لهُ سُلطان لا يستطيع الإنسان أن يتحرر منه، وله أبجديات عند قومه، من همّشها أو استهان بها فقد كتبَ على نفسه أن يكون أُضحوكة بين البشر إلى قيام الساعة، مثلما فعل شيخ العربية محمود شاكر بالأديب لويس عوض، وعلى الرغم من صفاء القصد، وبياض الطويَّة، إلا أن شاكرًا قد تجاوز كثيرًا وأخذ في التريَقة كما يقول المصريين، فأصبحت كلماته مصَدَّةً عن التعرّف إلى أدب لويس عوض.
فالكلمة لها ثقلها عند من يستشعر ذلك، والأمانة العلمية تُحتّم أن تُلقى المادة بمفردة أصيلة، وأُسلوب ماتع، وسردٍ سلس مُنسابٌ كالجدول الصافي، فاللغة: إرثٌ وهويّة، وتاريخ، وحضارة، واحترامنا للحضارة والسابقين الأولين مقدّم فوق كل هوى دُنيوي يتقافز أمامنا.
يتفق على ذلك حرَس اللغات من المتقدمين والمتأخرين، أكانوا أُدباء أم مثقفين، سواءً في عالمنا العربي أم الغربي الأجنبي، كلٌ يدافع عن لغته، ويرفض أن تنحدر إلى القاع، ومن هؤلاء المتأخرين الذين ناقشوا خطورة الإعراض عن العربية والاستغناء بالعامية واتخاذها أداة للتعبير الأدبي، الدكتورة نفّوسة زكريا سعيد، في كتابها: (تاريخ الدعوة إلى العامية وآثارها في مصر)، وهو كتاب حافل، وأصلهُ رسالة دكتوراه.
س: ما رأيك في برنامج التيك توك؟ وما مدى سريان العامية فيه؟ وما مدى حضور الأدب فيه؟
- ومستعيدًا مجريات ما حدث تحت عنوان (من سوق الثميري إلى التيك توك) قال:
تسوّرت المحراب إلى العالم الجديد الآتي من سور الصين العظيم، وأصبحتُ أحد المنتمين إلى برنامج: (التيك توك)، لم أتقبَّله في البداءة، كان ثقيلًا فوق العادة، بسبب المحتوى المنشور بداخله، فهذا البرنامج يستطيع أن يقلب شعورك في الساعة الواحدة إلى عدة حالات، فمِن الحُزن إلى الفرح، و مِن إلى السعادة إلى الكآبة، هكذا بلا مقدمات، مما جعلَني أسترجِع ما الذي قد جرى لي في يومي ليطرأ علي هذا التغيير المفاجئ!
والناس في (التيك توك) ليسوا هم الناس في برنامج تويتر، الناس في تويتر لا يفضلون الكتابة وليست محبّبة إلى نفوسهم، ولكي لا أُبالغ - هم يستثقلونها - ويقدمون عليها الضغط على أيقونة الإعجاب، أو تمرير المحتوى إلى غيرهم عن طريق أيقونة أخرى، إذن هم ليسوا أهل كتابة ولا قراءة، ولعل فكرة التطبيق وطبيعته قائمة على ذلك، فزادت من ابتعادهم.
مما لفت نظري في (التيك توك) غياب المحتوى الأدبي والثقافي معًا، ووجدت أن بعض الأصوات الشرعية الدينية قد سبقت أهل الثقافة، للتأثير في المحتوى هناك وخفض درجة التحرّر من الأخلاق والملابس.
س: هل جربت نشر المواد الأدبية في (التيك توك)؟
- نشرت بعض المواد الأدبية والتاريخية، فتفاجأت حقيقة بالأعداد التي تُشاهد المادة المنشورة، وتفاجأت أكثر بكلمات الإعجاب و الثناء الذي تصلني، ففي شهر واحد انضم إلى القناة هناك أكثر من خمسة آلاف متابع، لا أدري هل هم من التائهين مثلي الذي خرجوا إلى الدنيا في العام: 1984م وما قبله، أم هم الذين جاءوا بعد ذلك؟
لكني على أية حال أُرحب بكل من له اهتمام بالثقافة المحلية أو العربية، والعالمية أيضًا.
حين ارتفعت المشاهدات، بدأت ترِدني ردود تعلّق على ما أطرح لكنها ردود غير مفهومه أبدًا بالنسبة لي.
س: ما هي طبيعة اللغة التي يتعاطى معك عبرها الجمهور في التيك توك؟
- لغة عجيبة مثل: «يا شيخ اركُض في مخي!»،
وأذكر أنني كنت أتحدث عن أحد علماء الشافعية - رحمهم الله - فأتى أحدهم وعلَّق قائلًا: (الحنبلي يقفّل ملف الشافعي)، ولم أعد أدري ما الذي يقصد بهذه العبارة لكي، أُعقب على كلامه، فسكتّ.
وفي حديث آخر، تناولت قصة فيها ما فيها من الغرابة، لكن الذي لديه مرونة في المطالعة سيتجاوز التدقيق لاحتمالية وقوع ذلك، فشاهد أحدهم حديثي وقام بالرد، قال: (يا شيخ اركُض في مخي)! ما هذا؟ ما الذي يهذي به هذا المَار بقناتي في تيك توك، كيف أَركض بداخل المخ الذي في جمجمته، وها قد خُيِّلَ إلىَّ صورة فأر الهامستر الذي يجري في تلك العجلَة الدائرية ولا يصل إلى شيء، أيقول لي اللعين اركُض في مخي؟!
لم أفهم مراده فتجاوزته إلى حين السؤال عن معنى الركض في المخ، فذهبت إلى الرعيل الأول في تطبيق تويتر، لكي أُبيّن لهم معاناتي في فكِ رموز التعليقات هناك، فذكروا لي أن إحدى الروائيات السعوديات ذكرت ذلك في لقاء معها في إحدى القنوات الفضائية، حين سألها المُقدّم/ ما الرياضة التي تُمارسينها؟ فأجابت بالعامية: (ولا أي نوع، أنا أركض في مخي).
فطارت هذه العبارة في كل فضاءات الشباب، وتناولوها على سبيل الرد الساخر حين تُوجَّه إليهم أسئلة لا يرون أن في الجواب عنها أي جدوى.
والحقيقة أن هذه العبارة لها معنى عميق ... لكنها أخيرًا كلمة قريبة لكلام الشارع، والسوق.
ربما إنها لا تُلام في استخدامها كونها تستحسن مفردات شباب اليوم، بل الذي يُلام من يبتلع هذه العبارات والكلمات دون النظر في قيمتها ولا في معناها وسياقها، ولا يقتَنص من لقاء دامت مدته 60 دقيقة إلا هذا التعبير.
فالسياقات والنظر في أحوال المتكلم يُبيَّنان معنى العبارة المستغربة، أو ما استغلق على العقل درايته، وهذه المهارة ليست لدى الكثير ممن ينتمون إلى (التيك توك).
وفي ختام حديثه للثقافية قال الأستاذ بسام حول القضية وتداعياتها: لا ينبغي للمثقف أن يتشرَّب فكرة النزول إلى الشباب، أو الجيل الجديد، في استخدامه اللهجة العامية، فهذه خدعة قاتل لأجلها في الماضي القريب عدد لا بأس به من الأدباء في مصر وبعض نواحي الشام، فبانَت بطالتها سريعًا، بل إن الذين كتبوا بالعامية في ذلك الحين اندرسَت كتاباتهم، أو أصبحت محلَّ تندّر وانتقاص.
والذي ينبغي حقًا على المثقف أن يتقرَّب إلى الجيل الجديد بوسائلٍ أُخرى لا دخلَ للغة فيها، مثل: اختيار المفردة القريبة للعصر، فاللغة العربية تملك كمًا هائلاً من المفردات لا يُحصيها إلا الله، وقد ذكروا أن للأسد ما يقرب من خمسمئة اسم، والخيل كذلك، وعدد ما شئت من المخلوقات والأشياء، ثم فلينظر في أسلوبه وطريقة عرضه للكلام، وأن يجعَل في السَّرد شيئًا من الأحماض، بذكر الأشعار والطرائف والنُّكات، ثم إن المثقف لو نظر في القرآن الكريم، لوجد فيه القص، والموعظة، والحكم، والأمر و النهي، وهكذا، لأن الذي خلق الناس يعلم أن التنوّع من دواعي الإقبال، وكتاب رب العالمين، يُقبل عليه دائمًا ولا يُقاس مع غيره.
ولا ننسى أن طريقة إخراج المادة في قالب صُمّمَ بشكل عصري، يلفت نظر الشباب، وكذلك طول المدة، مدة المادة الأدبية المنشورة، فالناس من قديم الدهر تكره الطول وتميل إلى الاختصار، ثم إن ذلك أدعى للإقبال وانشراح الخاطر.
وعلى أيَّة حالٍ ومنعًا للإطالة، ما الذي سيستفيده القارئ أو السامع أو المشاهد للمادة الأدبية حين تكون مُصاغة بلهجة عامية؟ ما الذي سيتغير في مستوى التعبير لديه؟ وما هي القيمة التي وجدها المثقف في مفردة الشارع كي يتوقف عندها ويتناولها بيده؟
وأخيرًا.. إذا أراد المثَقف أن يرتقي بالأدب ويُحافظ عليه فليتوقف أمام السُّنن التي سطّرها لنا أكابر الفَن، فإن الأدب حين ينخفض لن يُعدَّ أدبًا، والذي لا يُريد أن يصعد إليه فليستقر في مكانه، كما أن الذي يُريد الشيء يذهب إليه، المسجد لا يأتي، ولا المدرسة تأتي، وكذلك استراحة الشباب ومكان اجتماعهم لا تأتي، بل يُذهب إليها، فلماذا يُطالب الأدب دون غيره أن يذهب إلى من لا يُريده؟