د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
ما زال الحزن يسكن أعماق شيخنا الذي عرفناه جَلِدَاً وعَلِمْنَاه لا تضعضعه الرزايا؛ ولكنها نورة ابنته وقرّة عينه؛ يقول معالي الشيخ عبدالله العلي النعيم (من هي نورة؟ هي نور العين وثمرة الفؤاد والحبيبة المحبوبة ... ابنتي وقرة عيني التي وافاها الأجل في الثامن من المحرم من عام 1443 .... إلخ)، فمنذ غيّب الموت الدكتورة نورة النعيم والشيخ يشاطر التاريخ الثلم وينعي حماه! فلقد ارتوى شيخنا بمشاعر حنين أبديّ؛ فكتب واستكتب لعل التأبين يرْقي ويرتقُ وجدانه؛ فانسكبتْ أقوى عبارات الفقد التي شربها شيخنا حتى النفس الأخير، وكلما قلب الشيخُ صفحات الدكتورة نورة ازدان وجدانه من جرعات النتائج العاقلة؛ ووجد أنها -رحمها الله - العنوان الأحب إلى قلبه؛ فكانت نورة كتاباً عملاقاً سطرته أستاذة أكاديمية ملأى بالعلم؛ زاخرة بالذكاء الفطري المتجلي؛ تعبقُ أردانها بمكارم الأخلاق في كل شؤونها، وكل من دوّنوا عن الدكتورة نورة في الكتاب الذي انبثق باسقاً عن مسيرتها -رحمها الله - (الدكتورة نورة النعيم رمز الأخلاق والإحسان والعلم والعمل) كانوا يتهافتون على ضوء نارها؛ ليعانقوا الحديث الصادق الصدوق، ويسطروا ملاحم الوفاء عن سيدة وطن لن تغيب شمس ذكراها! وعندما ضم سيرة الراحلة (كتاب) نشرته جائزة الشيخ عبدالله العلي النعيم لخدمة تاريخ الجزيرة العربية وآدابها؛ وأعدت الكتاب للنشر جمعية التاريخ والآثار وهيئة تحريرها؛ أصبح ذلك الكتاب سفراً جديراً قيِّماً فيه صيد مجزٍ من سيرة الفقيدة في سرد رصين، ومواقف ناطقة بالفضل والفضيلة؛ والعمل الوطني المتين، والمواقف الأكاديمية الداعمة للعلم، فلقد توشحتْ الفقيدة التاريخ في عمومه، والتاريخ الوطني خاصة فالتصقا بكيانها فنقشت على برودهما عشقاً أزلياً رافقها منذ تفتق ذهنها يافعاً حتى توفاها الله! ولقد ارتسمتْ في الكتاب وثائق شهود عدول ممن عرف وجايل وعمل مع الدكتورة نورة -رحمها الله -، يتصدرهم والدها معالي الشيخ النعيم الذي أنطق وراءها -رحمها الله - كنوز الإنسانية المكتنزة بعبارات متراصة أمسك بزمامها حتى لا تتفلتْ من قلم شيخنا كمدا! وشواهد أخرى في الكتاب من محبي الدكتورة نورة وممن نهلوا من علمها الغزير؛ وممن كانت لهم معها مواقف باذخة؛ وهم حزمة رائعة من أفراد أسرتها، وزملاء العمل في جامعة الملك سعود؛ وطالباتها في المسارات الأكاديمية، وكان لأعضاء الجمعيتين التاريخيتين السعودية والخليجية وفر من حديث عن الدكتورة نورة -غفر الله لها وأسكنها الفردوس- ولقد حظيتُ بنسخة من الكتاب ذي الثقة والوثائق إهداء مشكوراً من شيخنا معالي الشيخ عبدالله النعيم، والكتاب على اختلاف ضروب التناول فيه قصة خالدة، وصدق متناهٍ من كل من عرف الدكتورة نورة النعيم أسبغ الله عليها شآبيب رحمته، ومع كل عبارات التأبين والتقريظ عن الراحلة كان الكتاب مباشراً رصيناً لا يحتاج إلى استعارات ومجازات، فقد أطلقتْ الفقيدة العنان لإشادات الناس ومحبتهم وجعل ذلك كله من الدكتورة نورة شعاعاً يلمع في فضاءات عائلتها الصغيرة والممتدة ومحيطها الأكاديمي ثم دفقات ملأى في الوطن الكبير! وأحسبُ الكتاب قصيدة خلود تتوهج عباراتها فنقتبس منها أناقة الحديث والصبر على العمل..
رحم الله ابنة الوطن الباسقة الدكتورة نورة النعيم، وأبارك للكتاب الفحوى والمحتوى ففيه موجز مجزٍ عن سيرة الراحلة، أولها عزيمة وقوة، وأوسطها معرفة بتميز وعطاء غزير، وختامها حب لا ينتهي؛ وأجزم أن صناعة الكتاب عن الراحلة لن يفيها حقها إلا لماماً؛ فمثل تلك النفس الزكية وإن وافاها الأجل فإنها لا تغيب!