د.سعيد بن عطية آل عالي
عاشت الجزيرة العربية قبل العهد السعودي الراهن عقوداً بل قروناً من الفوضى، قبائل تتناحر، جهل يعمّ أبناء وبنات الجزيرة، خوف من الآخر.
ومن الرياض، من قلب نجد، برقت بوارق الأمل والنصر عندما نادى المنادي بأن (الحكم لله ثمّ لابن سعود) وذلك يوم الخامس من شهر شوال عام 1319هـ.
انطلق الملك المؤسِّس عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود - يرحمه الله رحمه الأبرار - يدعو إلى عبادة الله وحده ويوحِّد القبائل ويقيم العدل. وظلَّ الملك عبد العزيز - يرحمه الله - يجاهد في سبيل توحيد المملكة قرابة اثنتين وثلاثين سنة، ويوفِّر الأمن ويضع أسس التنمية والعمران ولا سيما نشر التعليم في أرجاء البلاد.
وإذا اعتبرنا توحيد المملكة العربية السعودية معجزةً حقََّّقها الملك عبد العزيز فإنه أسَّس ملحمة التعليم في بلاده، فقد جعل مجلسه مجلس علم في الصباح والمساء، وجعل من (التعليم) ركناً أساسياً في سياسته العامة منذ التأسيس. ففي عام 1330 أصدر الملك نظام الهجر لفرض توطين البدو وتعليمهم، وقد كان أول اجتماع عقده مع العلماء عام 1343هـ ونظم التعليم في المسجد الحرام، ثم أصدر أمره - يرحمه الله - في الثالث من رمضان المبارك عام 1344هـ بإنشاء مديرية المعارف، وأوكل إليها مهمة فتح المدارس وتيسير سبل طلب العلم في أنحاء البلاد، «مع فرض الدقة والاعتناء بأصول الدين» وكانت هذه انطلاقة تاريخية. وتقرَّر ابتعاث عدد من الشباب للدراسة الجامعية في مصر في مختلف التخصُّصات في عام 1346هـ، وثلاثة شبان للتدرُّب على أعمال اللاسلكي في بريطانيا. وفي عام 1354هـ ابتعث عشرة شبان من الحجاز لدراسة الطيران في إيطاليا.
وتعاوناً من الملك - يرحمه الله - مع الأهالي ومع الطلاب فقد أنشأ مدرسة تحضير البعثات بمكة المكرمة.. وغادر أول فوج من الخريجين ميناء جدّة البحري إلى مصر للالتحاق بالجامعات وودَّعهم على الميناء مدير المدرسة السيد أحمد العربي بقصيدة جاء فيها:
إنما يُنهِضُ البلاد بنوها
وبهم تستعيد كل فخار
وبنوها لا ينهضون بغير العلم
والعلمُ أثمُنُ الأزهار
فلقد مهَّد السبيَلَ إلى النهضة
(عبد العزيز) فخر نزار
وفي عام 1366هـ افُتتحت مدرسة دار التوحيد لإعداد طلاب في مجال القضاء ولتكون نواة لكلية الشريعة. وفي عام 1369هـ وبناءً على توجيهات الملك - يرحمه الله - تمَّ افتتاح كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بمكة المكرمة، وهي أول مؤسسة تعليمية جامعية بالبلاد، بل إنها من أوائل الكليات الشرعية على المستوى العربي والإسلامي، وكانت هذه الكلية نواة لجامعة أم القرى. وفي عام 1373هـ افتُتحت كلية مماثلة بالرياض، وكانت نواةً لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
وفي أول عهده أصدر الملك سعود بن عبد العزيز - يرحمه الله رحمةً واسعة - أمراً بتأسيس وزارة المعارف وذلك في عام 1373هـ، وأوكل أمرها إلى أخيه صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن عبد العزيز (الملك فهد فيما بعد يرحمه الله رحمةً واسعة)، كما تبرَّع الملك سعود - يرحمه الله - بقصوره السبعة في حي الرويس بجدَّة لوزارة المعارف وفتحت بها مدارس في جميع المراحل.
وفي عام 1377هـ عقد بالرياض المؤتمر الأول للتعليم برئاسة سمو وزير المعارف ولمدّّة عشر أيام لوضع خطة النهوض بالتعليم والتَّوسع فيه. وفي نفس العام افتُتحت جامعة الملك سعود بالرياض، حيث ضمَّت كلِِّّيات وتخصصات جديدة، ثمَّ صدرت التوجيهات بتشكيل اللجنة العليا لسياسة التعليم.
وفي عام 1381هـ أصدر الملك سعود - يرحمه الله - أمره بإنشاء الرئاسة العامة لتعليم البنات، وتمَّ افتتاح الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. وتُقدِّم الجامعة منحاً دراسية لأبناء الدول الإسلامية وأبناء الأقليات الإسلامية في مختلف دول العالم.
وفي عام 1383هـ وبأمر من الملك فيصل - يرحمه الله - تم إنشاء كلية البترول (جامعة الملك فهد للبترول والمعادن حالياً) بمدينة الظهران، وهي جامعة رائدة في العلوم والتقنية، وتأتي في المرتبة السادسة عالميا في تحقيق براءات الاختراع بحسب تصنيف (مكتب الولايات المتحدة لبراءات الاختراع). كما أنَّ الملك فيصل - يرحمه الله - أمر بإنشاء كلية الطب وكلية الزراعة بجامعة الملك سعود بالرياض. واهتمَّ الملك فيصل - يرحمه الله - بابتعاث الشباب إلى الخارج للدراسات العليا. كما أمر بإنشاء المدارس الزراعية والتجارية.
أمَّا عهد الملك خالد - يرحمه الله - فقد شهد طفرةً تعليمية تمثََّّلت في إنشاء وزارة التعليم العالي في 8 شوال 1395هـ، كما تمَّ افتتاح جامعة الملك فيصل بالأحساء وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض وجامعة أم القرى بمكة المكرمة، وسمح للطالبات بالانضمام للدراسة بالجامعة إلى جانب الكليات التابعة للرئاسة العامة لتعليم البنات. وأمر - يرحمه الله - بإنشاء المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني في عام 1400هـ.
وجاء خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز - يرحمه الله - وفي ذهنه الدفع بتطوير التعليم الذي أرسى ركائزه الأساسية عندما كان وزيراً للمعارف، لقد رأى في التعليم الدافع الأساس لتنمية البلاد ونقلها إلى مصاف الدول المتقدمة. وقام - يرحمه الله - بتوسيع البعثات التعليمية للشباب والشابات في مختلف التخصصات حتى بلغ عددهم عشرات الآلاف يسعون لنيل أعلى الشهادات والدرجات العلمية من أرقى الجامعات في أوروبا وأمريكا وغيرها من البلدان.
كما تمَّ تأسيس جامعة الملك خالد في أبها عام 1419هـ وجامعة القصيم في عام 2004م، وفي عام 1986م تحوَّل اسم جامعة البترول والمعادن إلى جامعة الملك فهد للبترول والمعادن تقديراً لإنجازات الملك فهد - يرحمه الله - في مجال التعليم والدراسات العليا والبحث العلمي.
أمَّا عام 1429هـ وفي عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز - يرحمه الله رحمةً واسعة - فقد افُتتحت سبع عشرة جامعة حتى أصبح بالمملكة 34 جامعة منها جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن، ويدرس بها حاليًاً أكثر من ثلاثين ألف طالبة، وبها 34 كلية تقدم أحدث التخصُّصات وتهتم بالدراسات العليا وشؤون البحث العلمي، وجامعة الملك سعود للعلوم الصحية. وفي عام 1434هـ افُتُتحت جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) وهي أول جامعة خُصصت للدراسات العليا والبحث العلمي، وبلغ عدد البعثات الخارجية في عهده - يرحمه الله - مائة وخمسين ألف طالب وطالبة، وذلك لغرض نقل التقنيات والعلوم الحديثة إلى داخل المملكة.
2030 رؤية المملكة
أمَّا عهد الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله وأيَّده بالنصر والعزّ والتمكين - فقد شهد توحيد جميع مسارات التعليم العام والجامعي باسم وزارة التعليم عام 1436هـ. ويبلغ عدد المدارس ثلاثين ألف مدرسة وثمان وثلاثين جامعة يدرس بها سبعة ملايين طالب وطالبة ويعمل بها مليون معلم وإداري. ثمَّ جاءت المبادرة العملاقة التي ترسِّخ الحاضر وترسم وتضع أسُس التنفيذ لمستقبل مشرق للمملكة يهدف إلى تخريج جيل واعٍ ومثقَّف واقتصاد فعَّال يجدِّد المسارات الاقتصادية وينوِّعها ويعتني بالاستثمارات تحت (مبادرة المملكة 2030)، وتعدُّ أكبر وأوسع مبادرة عالمية وخطتها الاستراتيجية تُعنَى بالتعليم والثقافة. وهذه الرؤية بدأنا مع بداياتها نشهد إنجازاتها، حيث احتضنت الشباب والشابات وقلَّدتهم أخطر المسؤوليات في أخطر المواقع التعليمية والتنموية والاستثمارية، بل إنَّ المبادرة جسَّدت ثقة قائد نهضتنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان آل سعود حفظهما الله وسدَّدهما بالثبات والنصر والتوفيق وجزاهما الله خير ما يجزي قادةً ساروا بالأمة إلى مجالات الرقي والتقدُّم.
أعلنت الرؤية سياساتها الاستراتيجية وخاصةً في مجالات البحث العلمي والتعليم من خلال تطوير إعداد وتدريب المعلمين وتحسين بيئة التعليم لتحفيز الإبداع والابتكار، وتطوير المناهج وطرق التدريس، وإعداد الطلاب للمساهمة في تحقيق متطلبات التنمية الوطنية. وتمَّ الاهتمام بهذه المبادئ خلال فترة برنامج التحوّل الوطني ممَّا جعل أبناءنا يحرزون اثنتين وعشرين جائزة في المعرض العالمي للعلوم والهندسة (أيسف) والُمقَام في مدينة أتلانتا بأمريكا خلال الفترة من 7 إلى 12 من شهر مايو الجاري.. وقد شارك في هذا المعرض العالمي (35) طالباً وطالبة من بلادنا العزيزة من إحدى عشرة إدارة تعليم باسم المنتخب السعودي للعلوم والهندسة، وتنافسوا مع (1700) طالب وطالبة جاؤوا إلى المعرض من جميع القارات ومن 85 دولة.. وقد حَصَد الطالب عبد الله الغامدي من تعليم الشرقية جائزتين في مجال الطاقة، أحدهما جائزة أفضل مشروع للشباب على مستوى العالم، والطالبة نادية العيثان من تعليم الأحساء جائزة المركز الأول في مجال الكيمياء، والطالبة تهاني عادل من تعليم الشرقية في مجال علم المواد، ويأتي بقية الفائزين والفائزات من مناطق الرياض وجدّة وغيرها من المناطق.. والجوائز شملت مجالات علمية وهندسية متخصِّصة.
قامت مؤسسة موهبة ووزارة التعليم بجهود مشكورة لرعاية الموهوبين وتشجيعهم بالتعاون مع جهات بالمملكة شاركت في جهود الإعداد لهذا الإنجاز التاريخي مثل شركة أرامكو وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن وشركة سابك وغيرهم.