حسن اليمني
أي حكومة في العالم لا تستطيع أن تميل بشكل فعلي لطرف على طرف آخر بين مستهلك وتاجر، كلاهما له الحقوق ذاته باعتبار أنه إذا كان المواطن المستهلك من أولويات اهتمام الحكومة فكذلك هو التاجر والنشاط الاقتصادي بعمومه، فكلاهما طرفي الحيوية لحركة الوطن الاقتصادية والاجتماعية.
وزارات التجارة والاقتصاد والتخطيط وهيئات الرقابة ومحاربة الفساد هم الجزء الحكومي المعني في حال ظهور الصراع بين المستهلك والتاجر، والتدخل في هذا الصراع بين مستهلك وتاجر هو لهذه الأجهزة الحكومية بمثابة صراع بين الأنف والعين، وعدم التدخل هو الآخر بالخيار الموجع ذاته، والواقع أن تضخم أسعار السلع في أسواقنا ومعاناة المستهلك من وطأتها على دخله وقوته الشرائية تحتاج إلى وقفة حيادية لتصحيح المسار.
وإذا كان حل مشكلة تصاعد الأسعار دون الالتفات إلى ثبات المداخيل الفردية غير موجود فيجب إيجاده، وخيار رفع الرواتب لمواجهة تضخم الأسعار ليس الخيار الوحيد ولا الصحيح، ذلك أن رفع الأجور سيزيد رفع الأسعار كما علمتنا التجارب السابقة وهو ديدن أسواقنا التجارية بكل أسف، لكن هذا لا يعني أن المشكلة محكمة الإغلاق ولا يمكن حلحلتها وإعادة تصحيحها، كنا نستطيع ذلك من خلال الجهاز الإعلامي مقروء ومسموع ومرئي متى انحاز لصالح المستهلك لو لا أن اعتماد وسائل الإعلام على الإشهار والإعلان يجعله يميل في مواجهة المستهلك لا الانحياز له، وإذًا لا يبقى لنا إلا وعي وثقافة الشعب في البحث عن بدايل للسلع التي ترفع أسعارها بين فترة وأخرى في السوق المحلي وتخفض أسعارها بين فترة وأخرى في السوق الخارجي، وكذلك أولئك التجار الذين يزيدون نسب صافي الربح للمستورد من نسب دخل الفرد الثابت دون أن تفرض عليهم نسب هامش ربح معقول من قبل وزارة التجارة تحت مراقبة صارمة. نسب هامش صافي الربح أيضًا يستوجب رقابة حساب التكلفة بشكل دقيق، وحساب التكلفة أيضًا يلزمنا مراجعة سعر هذه التكلفة والعمل على تخفيضها للحد المعقول، وهذا سيوصلنا إلى أس الأساس لهذه المشكلة والذي يكمن في سوق العقار، العقار هو قاعدة السوق الأساسية.
قوة الاقتصاد لأي دولة يكمن في سوق عقارها، كلما كان متناسبًا وقدرة المواطن كان الاقتصاد أقوى والعكس صحيح. إذا اعتمدنا قاعدة أن قوة غنى الفرد هي أساس قوة غنى اقتصاد الدولة، فلا يمكن للمواطن أن يكون منتجًا وهو تحت وطأة الحاجة، إذ إن سلامة حياته وأسرته وكفايتها مقدم بالتأكيد على ما عداها، ليس الإنتاج وفقط بل أمن وسلامة المجتمع والأفراد من آفات الحاجة والفقر هو من صميم صحة وسلامة الوطن، والأمر كذلك فإن ارتفاع أسعار السلع وثبات الدخل ليس المشكلة إنما هو نتيجة طبيعية حين يُصبح سعر متر التراب أضعاف راتب موظف خريج إدارة الاقتصاد.