منصور ماجد الذيابي
قرأت مقالاً للإعلامي القدير الأستاذ عبدالرحمن الراشد نشرته صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 10 شوال 1443هـ تحدث فيه الراشد عن مسيرة التعليم والتحديات التي تواجه المسؤولين والمهتمّين بالتعليم في بلادنا, وكيف يمكن تغيير مسار التعليم التقليدي لإيجاد أفق تعليمي جديد يكون قادرًا على مواكبة مشروع الرؤية السعودية الطموحة 2030 وبالتالي تحديث وتطوير مخرجات التعليم الجامعي من خلال تجربة الانتقال إلى التركيز على العلوم الدقيقة في الولايات المتحدة الأمريكية كما ذكر رئيس التحرير السابق لصحيفة الشرق الأوسط, موضحًا في مقاله «الحاجة إلى اختصار خمسين سنة للّحاق بالعالم, والشروع في تخريج أجيال متخصصة في العلوم والتقنية المتقدّمة».
قدّم الأستاذ عبدالرحمن الراشد آراءه حول التعليم وطالب الجهات المعنية برسم برنامج تعليمي للعشرين سنة القادمة, يسمح بالخروج عن الخط التقليدي للتعليم, إضافة إلى تساؤل الكاتب حول إمكانية تكثيف برامج التعليم في المراحل المُبكّرة جدًا والتبكير بتوجيه الطلاّب نحو تخصّصات محدّدة قبل دخولهم مرحلة الثانوية العامة, مطالبًا باختصار كثير من المناهج ورميها من النّافذة حسب وصفه, ثم تغييرها بمناهج تركّز على تأهيل الطلاّب لتخصصات علمية في مجال التقنية والهندسة والذكاء الاصطناعي وعلوم الفضاء وتقنية الاتصالات المتقدّمة.
وكنت قد شاهدت مقابلة تلفزيونية أجرتها قناة الإخبارية السعودية مع المستشار التربوي الأستاذ عبد اللطيف الحمّادي استعرض فيها جهود وزارة التعليم الرامية إلى إحداث نقلة نوعية في مسيرة التعليم حيث سلّط الأستاذ الحمّادي الضوء على الموضوعات التي تم مناقشتها على هامش مؤتمر التعليم الدولي بالرياض، موضحًا خلال حديثه تطور التعليم وما يعزز هذا التطور مثل إنشاء منصة مدرستي الإلكترونية, والتغيير في المناهج الدراسية, والذكاء الاصطناعي, ونظام المسارات في الثانوية العامة, إضافة إلى وصفه نتائج تصنيف شنغهاي للجامعات السعودية, واختيار القيادات وغير ذلك من الإجراءات والخطط التعليمية التي تهدف إلى إيجاد نقلة نوعية في جودة التعليم لمواكبة الرؤية السعودية 2030 بما ينعكس على جودة الخدمات التي تقدّمها وزارة التعليم بغية الحصول على مخرجات علمية مؤهلة ومتمكنة من المعرفة بشكل عام.
كان مقال الأستاذ عبدالرحمن الراشد غنيًا بالمعلومات والأفكار لكنه أراد أن يختصر التعليم في المجال التّقني والتطبيقي على حساب مجالات المعرفة المتعددة التي لا تقل أهمية عن المسارات العلمية والتطبيقية، مشيرًا إلى التخلّي عن إرث متراكم عبر سنوات طويلة مضت. وفي تقديري أن هذا الإرث ليس عبئًا يتطلّب الخلاص منه ورميه من النافذة بقدر ما يشكّل القاعدة التي يرتكز عليها التعليم بمفهومه العربي العام باعتبار هذا الإرث المتجذّر بثقافتنا والمتأصّل بهويتنا العربية الإسلامية هو المرجع الذي استفادت منه واعتمدت عليه الحضارة الغربية بداية عصر النهضة الأوروبية في علوم كثيرة مثل الفلك والرياضيات وغيرها من العلوم والاكتشافات التي توصل إليها علماء مسلمون.
نعلم بأن المعنيين بالتعليم يسعون دائمًا إلى مواكبة التّقدم العالمي مع المحافظة على هذا الإرث المتمثّل في تعليم الناشئين أصول التربية الاسلامية وغرس المفاهيم الثقافية والقيم الوطنية. فتطوير التعليم لا يعني التّخلي عن الموروث التعليمي ولا سيما ما يتعلق منه بالقيم الإسلامية والثقافة العربية الأصيلة.
وكان الأستاذ عبداللطيف الحمّادي قدّم صورة مشرقة للتعليم من خلال حديثه عن الجهود التي بذلتها وزارة التعليم وكذلك القرارات التي أدّت إلى رفع معدّل جودة التعليم كإنشاء المنصة التعليمية الإلكترونية لأجل ردم الفجوة التي فرضتها جائحة كورونا عام 2020 وذلك ليبقى الطلاب على اتصال مستمر بالمدرسة عن بعد, إضافة إلى نظام المسارات والفصول الثلاثة.
واذ أقدّم الشكر لهما على إثراء المشهد التعليمي بالآراء والاقتراحات والمعلومات المفيدة للقارئ والمشاهد, فإنني أود أن أقول من خلال تجربتي - كأحد طلاّب التعليم العام في المملكة العربية السعودية وأحد طلاّب الدراسات العليا في المملكة المتّحدة سابقًا - إنّ التعليم في بلادنا لا يقل كفاءة وجودة عن التعليم في دول غربية إن لم يتفوّق على التعليم في كثيرٍ من المؤسسات التعليمية في الدّول المتقدّمة, ولا يزال يحظى التعليم في بلادنا بعناية ورعاية ولاة الأمر, ويقدّم لأبنائنا وبناتنا كل ما من شأنه تحقيق مستويات أفضل في التحصيل المعرفي وبالتالي تحسين جودة المخرجات من التعليم الجامعي بما يساعد على تأهيلهم لسوق العمل لخدمة وطنهم ومجتمعهم بكفاءة عالية.
وكنت قد ذكرت في مقال سابق بعنوان «العلاقة بين البيت والمدرسة» أوضحت فيه أهمية أن يتم إنشاء ورش مهنية لتعليم مبادئ العلوم التطبيقية والتقنية ليوم واحد في الأسبوع على الأقل, وذلك لأجل اكتشاف المواهب وتحفيز القدرات الكامنة لدى الطلاّب لدفعهم باتجاه الابتكار والاختراع والإبداع. وبتفعيل مثل هذه النشاطات في المدارس والمعاهد, وتحفيز المعلّمين والمعلّمات بمنحهم امتيازات خاصة لتمكينهم من أداء الدور التعليمي والتربوي بكفاءة أعلى, فسوف نعزّز حينئذ قدرات أبنائنا وبناتنا لمواكبة برامج تنمية العنصر البشري, وأيضًا مسايرة خطط التنمية الطموحة والبقاء في صف الدّول المتقدّمة مع المحافظة على الأسس والثّوابت الراسخة للهوية العربية الخاصة بنا.
يقول أحمد شوقي:
قُم لِلمُعَلِّمِ وَفِّهِ التَبجيلا
كادَ المُعَلِّمُ أَن يَكونَ رَسولا
أَعَلِمتَ أَشرَفَ أَو أَجَلَّ مِنَ الَّذي
يَبني وَيُنشِئُ أَنفُساً وَعُقولا
سُبحانَكَ اللَهُمَّ خَيرَ مُعَلِِّمٍ
عَلَّمتَ بِالقَلَمِ القُرونَ الأولى
أَخرَجتَ هَذا العَقلَ مِن ظُلُماتِه
وَهَدَيتَهُ النورَ المُبينَ سَبيلا