د.سماح ضاوي العصيمي
تسبح أفغانستان على بحر المعادن التقليدية كالذهب والنحاس الذي تمتلك من الأخير ثاني أكبر منجم في العالم، وتتربع على عرش من احتياط الليثيوم أكثر المعادن ندرة وطلبًا في الطاقة الجديدة والتحولات الهجينة لكثير من الصناعات العالمية التي وسم بها قرن الحادي والعشرين، فالليثيوم المدفون ببطن أرض الأفغان الذي سال لعاب خبراء التعدين منذ الثمانينيات الميلادية والمناورات الشرسة بين الشرق والغرب في الاستحواذ على هذا الكنز التريليوني عن طريق الرغبات القوية للشركات الروسية والصينية والأمريكية والهندية في التنقيب والاستقرار الاستثماري لها، إلا أنه ذلك يصطدم بالعادة مع الانفلات الأمني ومخاطر التسليح العشوائي انعدام تنظيمه وتقنينه، ومع الانتشار الشرس للتنقيب النشط الذي يقود سيره ميليشيات حربية متناحرة تصب أرباحه في جيوب قادة الحرب وأمراء قنواتهم النزاعية المختلفة.
ولعل التطورات الأخيرة من تمكين طالبان كحكومة رسمية معترف بها لدى أمريكا وترشيحهم للقيادة الرسمية وتأهيلهم بدعم دولي أملا بتحويل منطقة الأفغان إلى دولة أفغانية بمؤسسات رسمية وبنية تحتية معتبرة.
فقد تكون أفغانستان من أثرى الدول في عقود قليلة قادمة إن أحسنت استثمارقطاع التعدين والثروة القابعة تحت أرضها، مع ضرورة تقديمها ضمانات أمنية للشركات المقيمة لعمليات التنقيب بعقود نظامية بينها وبين الحكومة الرسمية، وضرورة أن تكون حكومة أفغانية فاعلة داخليًا في النهوض بالشعب الأفغاني والتعامل في الوقت ذاته من منطلق استراتيجية مركزية عالمية مهمة في مجال بطاريات المركبات الهجينة والهواتف والحواسيب المحمولة و الروبوتات والآلات الإلكترونية المتقدمة؛ ما يحقق أماني ومتطلبات مؤتمرات المناخ والبيئة النظيفة البديلة، وهو العرف القيادي لدول العالم المتطلعة.
ومما لا شك فيه أن حكومة طالبان بالتوجه الديني المتطرف والقانون المتشدد، والنظرة القاصرة أمام مهمة تنموية بهذا الثقل، ومع انعدام استقلالية التصرف الوطني في الثروة الوطنية وعدم الوعي بالثقافة الدولية الاقتصادية التي من شأنها النهوض بدولة أفغانية يتمتع أفرادها بالحقوق والواجبات العرفية، جميع ذلك قد يحول دون تمتع الشعب بعائدات قطاع التعدين الأفغاني الضخمة ودلالة على استمرار تشرذم الأفغان كعمالة مجانية وهامشية في أصقاع الأرض واقتصار عائدات التعدين التريليونية على الحكومة غير المؤهلة و نطاقها الضيق على كل حال.
فحكومة تحمل فكرًا ونظرة كطالبان تحتاج لسنوات طويلة في فهم العالم والانخراط الدبلوماسي الذي قد يغير من سياستها الجامدة وبث الحياة الطبيعية في عروق الفكر الطالباني خاصة فيما يتعلق بحقوق الآخر المختلف في العرق و تجاه حقوق الطفل والمرأة، وأن ترضخ للضغوط العالمية في الاستحقاق المدني لجميع أفراد الأفغان من تعليم وطبابة وممارسة الأنشطة المدنية بلا إقصاء جندري هو لديها أصل فكري، ولعل التصريح الأخير من حكومة طالبان أنها ترغب بالتواصل مع الغرب ولا تكن عداء لأي دولة وأنها حكومة فاتحة ذراعيها أمام العالم مؤشرًا يحمل بشائر الانفتاح السياسي غير أنه لن يكتمل مادام الفكر قابعا في كهوف الظلام والعنصرية الجندرية والعرقية.