من المؤكد أن وجهات النظر تختلف من شخص إلى آخر وإن كان ذلك تجاه نفس الأمور التي تحدث في ذات الظروف وبنفس المعطيات، وقد يصبح الحدث «مشكلة» لدى شخص بينما يراه الآخرون حدثاً عابراً أو أمراً لا طائل من النقاش فيه.
تتبادر إلى أذهاننا الكثير من التساؤلات في علاقاتنا - من أي نوع - حينما نواجه موقفاً يضعنا في مواجهة مع أنفسنا ومع الطرف الآخر، ماذا يحتمل هذا الموقف من الصحة أو الخطأ؟ هل هناك وجهات نظر صحيحة وأخرى خاطئة في الأساس؟ وهل من المحتمل أن يكون كلانا على صواب؟
يعود اختلاف وجهات النظر إلى أسباب عديدة كاختلاف خلفياتنا الاجتماعية، نشأتنا، القيم والمعتقدات التي شكلتها خبراتنا وتجاربنا المختلفة، بل حتى رغباتنا أحياناً! كما أن تباين عقولنا وتراوح المستويات الفكرية ومحركات المشاعر لدى كل منّا تلعب دوراً أساسياً في هذا الاختلاف.
بالتالي، من الطبيعي جداً أن نختلف، ولكن لماذا يكون من الصعب إيجاد طريقة مناسبة للحوار بحيث لا يشعر أحد الأطراف بالإهانة؟ فمعظم الأحيان تتحول الحوارات إلى محاولات مستميتة لإثبات صحة أو خطأ أمر معين، وعندها يصبح النقاش صراعاً لا يحتمل التفاوض أو الوصول إلى قناعة بأن لي ولك حق الاختلاف.
إن اختلاف الرأي يؤثر في العلاقات واستمراريتها بشكلٍ ما، بل حتى على الشعور الذي يحمله شخص ما للآخر، فمهما ادعينا بأن «اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية» فإنه في الكثير من الأحيان يفسد الود ومعه العلاقات، خاصةً في حال تحول هذا الاختلاف إلى خلاف متكرر دون إيجاد مساحة للاتفاق أو الاقتناع بأننا غير مجبرين على الاتفاق أصلاً.
ومن هنا نكتشف بأن المشكلة لا تكمن في الاختلاف ذاته بل في طريقة التعامل معه وإيجاد الحلول المناسبة لتخفيف حدة النقاشات، وهو ما يتطلب درجة عالية من الوعي والإدراك وحسن الاستماع، كما أن عدم تحييد وجهة النظر الخاصة هو ما يجعلنا نبدو غير متعاطفين أو مبالين بما يحاول الطرف الآخر إيصاله.
طبيعة البشر هي الحكم على الأمور وتفسيرها بما يرونه مناسباً، لذلك فإن الأساس في الحد من الخلافات هو استيعاب مدى تفاوت طريقة تفكيرنا وأهمية الأمور لدى كل منّا بناءً على ما نحمله من مشاعر وتجارب سابقة.
قد تكون الحياة أسهل وأفضل إذا ما خلت من اختلافاتنا، لكنها حتماً ستفقد معنى أن تُبنى المجتمعات على التنوع وأن تتحلّى العلاقات بقيمها السامية كالتفاهم والمراعاة واللين، فمن باب أولى محاولة تحسين التواصل ومعالجة الخلافات بشيء من الحكمة والتفهم وعدم استغلالها لإثبات وجهة نظر أو الاستخفاف برأي الآخر.