عبدالوهاب الفايز
مساء الأربعاء الماضي، وفي أمسية تميزت بالعرفان والوفاء.. وتميزت بالحضور، أقام النادي الأدبي بالرياض بالتعاون مع هيئة الصحفيين السعوديين ندوة وفاء تخليداً لذكرى الشيخ الأديب عبدالله بن إدريس رحمه الله، بعنوان (الشيخ عبدالله بن إدريس: الذكرى والذاكرة)، تحدث فيها الأستاذ محمد رضا نصر الله، والدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماجد الماجد، والأستاذ عبد الله بن سامي الدريس وأدارتها الدكتورة زكية العتيبي.
الأستاذ محمد رضا نصرالله توسع في الحديث عن جوانب عديدة في حياة الشيخ ابن إدريس، وذكر مواقف تكشف الجانب الجميل في شخصية الراحل الكبير بالذات جانب (الوسطية والاعتدال)، ومما ذكره جهوده لاستقطاب الأدباء والشعراء من جميع مناطق المملكة، إذ جعل منبر النادي الوطني الأدبي متاحًا أمام النخبة الثقافية والفكرية، في السعودية وفي العالم العربي.
وتحدث حول موقفه النبيل من الشاعر الوطني الكبير عبدالله الجشي رحمه الله، واحتفائه به، ويراه نموذجًا للروح الراقية المتسامحة التي هي سمة وديدن الكبار، رجال الدولة. ولعل هذا الجانب المهم الذي وقف عنده الأستاذ محمد رضا نصر الله، أي الوسطية في حياة وفكره، يلقى الاهتمام لأجل تدوينه، فهذا الموروث الجميل يكاد يتشارك فيه العديد من الرواد في بلادنا، وهو ثمرة (الروح الوطنية الجامعة) التي كرسها في مشروع الدولة المؤسس الملك عبدالعزيز رحمه الله.
أيضا سعد الحضور بمعرفة مسيرة حياة الشيخ ابن إدريس، وهي حياة يصعب إدراك الكثير من جوانبها في ندوة أو بضعة ندوات. ابن إدريس من الجيل العصامي التي تضم حياتهم، بكل ملامحها، الكثير الذي يدوِّن ويعكس تاريخ بلادنا ورحلتها الشاقة لبناء الإنسان والمكان في العقود الماضية. لقد لمسنا جانبا من تاريخنا في مسار النشأة والتكوين للشيخ ابن إدريس، ففي مسيرته نقف عند تاريخ الصحافة السعودية، فقد كان رحمه الله رئيسًا للتحرير الذي أحدث نقلة نوعية في محتوى الصحافة المتخصصة، فقد جعل من (مجلة الدعوة) مطبوعة تنافس في الشأن المحلي وليس الديني والدعوي. أيضا ابن إدريس يقف بين الشعراء المتميزين في إنتاجه الشعري والأدبي.
لقد تعرفنا على بعض ملامح عمله الحافل بالإنجازات في نادي الرياض الأدبي الذي جعل منه مؤسسة أدبية وثقافية قدمت العديد من المبادرات. أيضا تناول المشاركون مسيرته كناقد أدبي، وأيضا كمؤلف وكاتب، وكموظف حكومي. أيضا لم ينس المشاركون الإشارة إلى مواقفه الوطنية والإنسانية، وعلاقاته الأسرية وأسلوبه في تربية الأبناء والأحفاد. وأيضًا إسهامه في خدمة التعليم والدعوة الإسلامية خارج المملكة، ومساهماته في الندوات والمؤتمرات المحلية والخارجية.
ابن إدريس مؤسسة ثقافية أعطت الكثير للأدب والشعر والإعلام والدعوة في بلادنا. الذي نتمنى تحقيقه وفاءً وتقديرًا له، هو العمل على إيجاد (مؤسسة ثقافية تحمل اسمه). هذا المشروع لن يكون حلما بعيد المنال. يمكن أن يكون باكورة مشاريع وطنية عديدة لتكريم الرواد عبر إنشاء كيانات اعتبارية تلتقي مع مستهدفات برامج (رؤية المملكة 2030). وهنا يمكن تكريمه عبر بناء مؤسسة ثقافية تحتوي مكتبة عامة، وصالونا أدبيا (كما كان مجلسه كل جمعة)، ومكتبة تجمع إنتاجه الفكري والأدبي.
رواد الفكر والثقافة والإعلام في مجتمعنا أفضل وسيلة لتكريمهم يحققها تأسيس (مكتبات الأحياء) السكنية بأسمائهم. وأفضل آلية لإنجاح هذا المشروع وتحقق استدامة الأثر تتم عبر (تأسيس شركات وقفية) غير ربحية تتملك هذه المكتبات. هذا النموذج يحقق الاستدامة المالية، ويحقق الفرصة للأبناء وللعائلة وللأصدقاء وللتلاميذ المساهمة في هذا المشروع، ويتيح للحكومة تنمية قطاع الثقافة عبر تعظيم جهود الأهالي وتفعيل مبادرات التطوع. أيضا هذا يحقق أهدافا غير مباشرة وهي احتواء المكتبات الخاصة واستقطابها خصوصا المكتبات التي توفر نوادر الكتب والمخطوطات.
وزارة الثقافة لديها مبادرة سبق أن أعلنتها قبل عامين وهي تطوير المكتبات العامة. مشروع مكتبات الرواد مسار عملي لتنفيذ هذه المبادرة بالآلية التي تضمن الخروج بـ(نماذج عمل) جديدة لمشاريع الاستثمار الاجتماعي الذي تتجه عليه وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، وتعمل الآن على بناء إستراتيجية وطنية لإنجاح هذا التوجه النوعي لتمكين العمل الخيري. وزارة الثقافة، وعبر صندوق دعم الثقافة، لديها آلية الدعم والمساندة لتقديم التمويل الذي يساعد على قيام شركات الاستثمار الاجتماعي. أيضا يلتقي مع مرتكزات إستراتيجية هيئة المكتبات بالذات الركيزة الأولى التي تسعى إلى (تنمية قطاع المكتبات وذلك من خلال التخطيط وتطوير المعايير والأنظمة والدراسات والإحصاءات والتمويل والاستثمار وتنمية الكوادر).
كذلك يلتقي مع الركيزة الثانية وهي: (تعزيز المشاركة المجتمعية، لزيادة مستوى الوعي المعلوماتي في المملكة عبر تسهيل الوصول إلى خدمات المكتبات، والقيام بأنشطة التوعية والترويج لزيادة اهتمام المجتمع بخدمات المكتبات). كذلك هذا المقترح يلتقي مع مبادرة هيئة المكتبات لتمكين القطاع الثالث عبر مبادرة هدفها بناء نماذج أعمال للشراكات بين القطاعين العام والخاص، ومبادرة تحفيز الابتكار في قطاع المكتبات، ومبادرة استقطاب الرعايات والامتيازات، ومبادرة تصميم وبناء خطط لتوليد الإيرادات المستدامة، ومبادرة نماذج الهبات والأوقاف.
كما تلاحظون، المشروع يلبي ويخدم العديد من المبادرات الثقافية ويلبي تطلعات برنامج (جودة الحياة وأنسنة المدن)، والأهم: يطلق المشاريع والمبادرات لتكريم الرواد الذين ساهموا في بناء بلادنا، فهؤلاء يستحقون الوفاء والعرفان، وهذا واجبنا الذي نتمنى أن نسعى إليه جميعا، ولعل أبناء الشيخ وتلاميذه وكل محبيه يبادرون لإتمام هذا المشروع.