غالب الذيابي
أيها القارئ الكريم متى رمقت عيناك عنوان مقالتي فلا تذهب بعيداً فكلمة (جنسية) كما تعلم رعاك الله هي خبر فوارق ومعنى الجملتين مجتمعه هو: أوجه الاختلاف بين الجنسين الذكر والأنثى.
ولقد تعمقت في قراءة أوجه الاختلاف في قصائد الجنسين لرصد الفوارق بينهما فوجدت ضالة الشعراء مفاتن النساء. ووجدت ضالة النساء معادن الرجال فلا يكاد شاعر إلا وتكون أبياته أو قصيدته تنطق صراحة بوصف حواء من قمة الرأس إلى أخمص القدم. أي أن أخيلتهم وانعكاس رؤاهم وأعني الشعراء بالتأكيد تركز على المظهر ولا تقيم وزناً للمخبر!!
وما من قصيدة وجد أو أبيات هُيام إلا وصفت ذلك الوجه الحسن والعين الفاتنة والابتسامة الساحرة!! وهذا عكس خيال المرأة الشاعرة تماماً. فملكتها الشعرية تحجم عن التطرق للمظهر ويمتدح خيالها الدقيق مناقب الخليل كالكرم. الشجاعة. السماحة. الدين.. اللين. إلخ.
فهل كانت المرأة على قدر أفضل من الرجل في الذهاب إلى أصالة المعدن دون الانشغال ببريق زائل؟ نعم هي على درجة أفضل من الرجل وكلا الجنسين يعتقد بصواب أخيلته وأفكاره وعباراته الشاعرية انطلاقاً من فطرته التي جبل عليها. وقديماً حدثت قصة نستطيع من خلالها أن نميز بين المخبر والمظهر حيث يروى أن لصاً يعرف بـ(المعيدي) أُلقي القبض عليه ذات مرة وقدم للملك فلما رأى هيئته احتقره وعبس من خلقته، وقال له: أأنت المعيدي قال نعم. قال الملك جملته المشهورة: (أن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه)! فصار هذا مثلاً يُضرب. وحدث ذات مرة أن دخل الشاعر الشهير كُثير عزة على عبد الملك بن مروان، وكان كُثير قصير القامة نحيل الجسم، فسأله عبد الملك بن مروان: أأنت كثير عزة، قال: نعم. قال: أن تسمع بالمعيدى خير من أن تراه!!
قال: يا أمير المؤمنين، كلّ عند محله رحب الفناء شامخ البناء عالي السناء ثم أنشأ قصيدته المشهورة:
ترى الرجل النحيف فتزدريه
وفي أثوابه أسد هصورُ
ويعجبكَ الطريرُ إذا تراهُ
ويخلفُ ظنكَ الرجلُ الطريرُ
وبالرجوع إلى سياق المقال فقد ورد في القرآن وعد للرجل المسلم أن جائزته في الجنة هي ضالته في الدنيا ونقطة ضعفه (الجمال) لكنه جمال ما رأته عينه ولا سمعته أذنه ولا خطر على قلبه فقال سبحانه واصفاً حسان الآخرة (الحور العين).
{حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}.
وقال تبارك وتعالى في وصفهن - أي الحور العين. {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا عُرُبًا أَتْرَابًا لأصْحَابِ الْيَمِينِ}.
بينما لم يرد في القرآن للمؤمنات من النساء وعد بغلمان وهذا يعزز فرضية أن الأنثى لا تهتم بالظاهر من الشيء . وقد أجازت السنة السمحاء تحقيق طلب النظرة الشرعية للذكر والأنثى فأقبل الذكر على هذا الشرط وانصرفت عنه الأنثى مكتفية بسبر أغواره عاملة على اكتشاف عمقه.
سبحان من خلقنا من تراب فجعلنا معادن مختلفة على أشكال وألوان منها الرخيص ومنها النفيس.
فما بالنا نحن الرجال نتعامى هذا النمط من أسلوب الحياة الفريد.
هل هي غريزة حفت بالشهوات؟ أظنها كذلك، وإلا لما كان الجمال نقطة ضعفنا الأبدية والتي لا نستطيع الخلاص منها حتى في الجنة، والجمال هو ظاهر الأنثى وليس جوهرها.
قال المتنبي:
وما الفضة البيضاء والتبر واحد
نفوعان للمكدي وبينهما صرف
وقال عبد الله القباني السهلي وهو من شعراء القرن الحادي عشر:
وما الناس إلا من تراب معادن
وما طاب من تلك المعادن طاب
وعمى الرأي ما ينفع به الطب والدوا
مدى العمر مادام التراب تراب
ما أحوجنا معشر الرجال اليوم إلى انتزاع هذا الفارق الأنثوي العجيب، انتزاعه (في الدنيا فقط) لعله يكون الوصفة السحرية لكثير من معضلاتنا ومنغصات حياتنا.