م. خالد إبراهيم الحجي
مع ازدياد كثافة السكان في المدن، وزيادة القلق بشأن التأثيرات الناتجة من تغيُّر المناخ، يقوم المخططون، والمسؤولون الحكوميون، بإلقاء نظرة جديدة على الحدائق العامة والمتنزهات، وقدرتها على المساعدة في معالجة قضايا البنية التحتية الحضرية، والصحة العامة. وبالتالي، المبادرة إلى توظيفها كأدوات قوية وفعالة لتحقيق جودة الحياة في المدن، وعلى وجه الخصوص جودة الهواء التي تُعدُّ مصدر قلق صحي، بسبب آثاره الضارة وما يترتب عليها من الأعراض غير السارة، والقضايا الصحية طويلة المدى. وكيف يمكن أن يوفّر وجود الحدائق العامة في المدن فوائد صحية هائلة، عندما يكون تأثير الهواء والماء في المنطقة إيجابياً. وتفيد الدراسة من قبل NRPA›s «الجمعية الوطنية الأمريكية للاستجمام والمتنزهات»، أنّ فدانًا واحدًا من الأشجار يمتصّ ثاني أكسيد الكربون الناتج عن قيادة السّيارة لمسافة 11000 كيلومتر.. الحدائق العامة لا تعمل فقط كمُنقّي للبيئة، بل تجعل المجتمعات المدنية الرّاقية تهتم بالبيئة من حولها، كما توفّر مأوى للطيور، وبيئة مناسبة للحياة النباتية والفطرية، مما يُبْرز أهمية الحدائق العامة من الناحية البيئية.. والأهم من ذلك، الناحية الصحية، إذ إنّ وجود غابة من الأشجار في المناطق الحضرية توفّر الظلّ الذي يحتاجه الإنسان في البيئة الصحراوية، مما يقلل من مخاطر الأمراض المرتبطة بالحرارة.. ومما لا شك فيه، من الناحية الاجتماعية والترفيهية، تُشكل الحدائق العامة بيئة اجتماعية، يلتقي فيها الأقارب والأصدقاء والجيران والسياح من مختلف الجنسيات تحت مظلَّة خضراء مستدامة، تمنحهم الأجواء الهنيئة للتفاعل مع بعضهم البعض، والمريحة للشعور العام.. ومن هذا المنطلق، وبناءً على ما سبق، أطلق خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - «مشروع حديقة الملك سلمان» يوم الثلاثاء 19 مارس 2019، بمبادرة من صاحب السمو الملكي محمد بن سلمان، ولي العهد، رئيس مجلس إدارة مؤسسة حديقة الملك سلمان، لتصبح أكبر حدائق العالم بمساحة تتجاوز 16 كيلومتراً مربعاً، وزراعة أكثر من مليون شجرة لابتداع المناخ البيئي الملائم، وذلك بتطبيق أعلى معايير الهندسة البيئية والزراعية، وتهيئة التربة المهنْدسة، واستخدام قطرات المياه بطريقة مدروسة ومحسوبة لاستدامة الحياة النباتية، وتكوين المشهد الزراعي المُظلَّل بهجين متنوع وعريض من الأشجار المحلية، والأنواع الالمية التي ستشكل في مجموعها غابة متناسقة لحديقة الملك سلمان.. تخيَّل أن يكون في قلب الرياض غابة خضراء، مليئة بأكثر من مليون شجرة.. للوهلة الأولى، قد يبدو الأمر مستحيلاً، لأن التّحدي الأول هو أنّ الرياض مدينة تقع في صحراء شبه استوائية، حيث لا يعيش فيها سوى النباتات الأكثر جلَداً وتحمُّلاً للظروف المناخية القاسية. والتّحدي الآخر، كيف يمكن تحويل الأرض المخصصة للحديقة، وهي عبارة عن مطار الرياض الصّحراوي المنبسط، إلى غابة مزدهرة؟ بادئ ذي بدء، سيعمل مشروع حديقة الملك سلمان على إعادة تأهيل التربة بشكل كامل، عن طريق خلخلة وتكسير طبقات حَجَر الجير المُصمت، المانع لنفاذ المياه، وحقنه بالمواد اللاصقة الضرورية التي توفر المواد المغذية للأشجار، و تحتفظ بالمياه. وبالتالي، ستعمل الكائنات الحية الدقيقة، المضافة إلى التربة، على جعلها عميقة ومتجددة، تحافظ على صحة الأشجار عبر الأجيال القادمة.. وبلا شك، تُعتبر المياه ضرورية ونفيسة، وسيتم معالجتها لتكون ذات جودة عالية، ودرجة حموضة منخفضة، واستخدامها في ري المزروعات بالطريقة الأمثل بواسطة أنظمة التنقيط المتطورة التي يتم التحكم بها، عن بعد، بالوسائل الرقمية الذكية لتوجيه كلّ قطرة ماء، مُباشرةً وبشكل مقصود، إلى الجذور المنشودة، لتقليل عملية التبخر الطبيعية.
ثانياً: سيتم تحويل أرض المطار إلى مناظر طبيعية مصممة بطريقة علمية مُبدعة في شكل وديان عميقة، ممتدة إلى المحيط الخارجي للحديقة، وتحيط بهذه الوديان الواسعة الرقع المزروعة، والمساحات الخضراء، والاستراحات التي تغطيها الأشجار من جميع الجوانب، توفر ملاذاً دائماً من الشمس والرياح.. وسيرى العالم أنه من الممكن زراعة غابة في الصحراء..
الخلاصة:
حديقة الملك سلمان تفوق أفضل طموحاتنا، وتلبي احتياجاتنا الراهنة والأجيال القادمة.