جاء في ترجمتها لدى الأستاذ فهد بن منيع الرشيد أنها: رقية الصالحي المعروفة بأم السعد إحدى شاعرات الرس، وقد عُرفت بغزارة الشعر وبراعة التصوير، حيث كانت شاعرة مجيدة ومشهورة بقصائد الحرب والحكمة والنصيحة ووصف الدنيا، والدعوة إلى الزهد والعبادة، وكانت ولادتها بالرس عام 1245هـ، ولما كبر سنها انتقلت إلى بلدة الشنانة، وكانت قد تزوجت برجلٍ يُدعى سعد بن إبراهيم الطاسان، واكتسبت لقب (أم السعد) نسبةً إلى بيت زوجها.
ووالد رقية هو عبدالله الصالحي الذي كان شاعراً كذلك، وكان صاحب مزرعة في قرية الشنانة، وله قصائد كثيرة لم تُعرف بأكملها نظراً لقدمه حسب ما كتبه فهد الرشيد.
وحسب ورقة كتبها الأستاذ عبدالله بن عبدالرحمن الخميس عن عبدالله الصالحي وابنته رقية وذلك بتاريخ 22 / 6 / 1426هـ، وفيها أورد مجموعة من قصائد الأب وابنته، وذكر استقرارهم فترة من الزمن ببلدة الشنانة، ومما ورد فيها حول قصائد عبدالله الصالحي قوله بقصيدةٍ عُرف منها ثمانية أبيات من الشعر، وفيها عن حكمة اجتماع القلوب والرأي والمشورة، ومنها:
تِجَمَّعو يَاهَلَ القلُوب المُوالِيفْ
سِيروا ورَا القَرَّاي سبعة أُصْفُوفِ
نَبِي نعقد الرأي والشُّوْر ونْشُوفْ
ونْحَارِب الخَفْرات ياهَلَ الشُّفوفِي
وكانت رقية عاشت في قرية (الرويضة) المجاورة للرس من الشمال الغربي، وكان يقطنها سكان كثيرون منذ القدم بدليل أن فيها ثلاث مقابر مُسوَّرة، كما أن فيها جامعا يُصلى فيه الجمعة، وقد كان إمام هذا المسجد هو سعد الطاسان زوج رقية الصالحي، وكان يُعلِّم فيه أبناء أهالي مزارع الرويضة، وكان لأم السعد خمس بنات وولدان عبدالله وإبراهيم، وإبراهيم هو الذي قُتل عام 1322هـ في (موقعة الجندلية) قرب الرس على يد ابن رشيد قبل (وقعة الشنانة) بحوالي شهر، وتُعدُّ أم السعد أم ومربية لشهيد بإذن الله، وذلك ببطولة ابنها إبراهيم الذي استشهد مدافعاً عن بلده وماله، وقد دوَّن تاريخ الرس هذه البطولة والرمزية والشجاعة لهذا الابن ولوالده ووالدته رحمهم لله جميعاً.
وكانت رقية أم السعد تقرأ وتكتب، وهي بهذه المعلومات عن عائلتها وزوجها وأولادها تُعدُّ الزوجة الصالحة الداعمة لزوجها، وهي الأم المربية لأولادها على الشجاعة، وتُعدُّ رقية من الأصوات الإعلامية والتوعوية من خلال شعرِها الذي كان يتناقله الركبان بين الأوطان آنذاك، فقد كان الشعر وسيلة من وسائل توصيل الرسائل والأصوات والتوجيه والإرشاد، والشعر من الأدوات القوية الفاعلة في حالات السِّلم والحرب على حدٍّ سواء.
وحسب الأستاذ عبدالله العقيل أن انتقال جد عائلة سعد بن عبدالرحمن الطاسان وابنه إبراهيم وأحفاده إلى الرس كان في حدود عام 1250هـ، وصاروا من وجهائها وعقدوا مع أمراء الرس آنذاك من ذرية أبا الحصين المحفوظي العجمي حلف لزم ودم. [عبدالله العقيل أعلام الرس: ج1 / ص138]
ومن الوثائق القديمة التي تدل على وجود أملاك الطاسان بالرس وأطرافها وثيقة بيع سعد بن إبراهيم الطاسان على محمد بن قرناس بيت ابن عبيد بالرس بخط الكاتب سليمان بن علي بن مقبل وله كذلك شهادة في نفس العام، وعائلة الطاسان من العائلات التي اشتهرت في الوظائف العسكرية بالدولة فيما بعد ذلك، وكانوا قد استقروا بالرس وأطرافها وأصبحوا من سكانها المعروفين ومن وجهائها المشهورين فيما بعد ذلك.
كما أن أسرة الطاسان من الأسر التي لها أملاك بالشنانة، حيث أن إبراهيم بن سعد بن عبدالرحمن الملقب «طاسان» (1227 - 1300هـ) والد زوج الشاعرة رقية كان قد اشترى أرض الغيلانية من عبدالله بن شارخ وكيلاً عن أخيه فهد في عام 1269هـ، وأرض الغيلانية هذه جنوب مرقب الشنانة، وذلك بوثيقة كتبها الشيخ محمد بن قرناس.
* ومن قصائد الشاعرة رقية السعد في المساندة والفزعات -كما يقال- أنها كتبت قصيدة على لسان رجل يُدعى محمد الفانوش حيث أرسلها إلى أمير الجوف آنذاك عساف الحسين يطلب فيها أن يرسل إليه عباءة تقيه برد الشتاء القارس، إضافةً إلى الثوب الذي كان قد أعطاه! ومما قالت:
يَاعمْ يا عسَّاف قَطْ أنت ناسين
واشفيت يا الله لا تكف الشفاتِي
يابو حسين الثوب ما هُوب مِدَفِّين
ما يَدفِّي إلا الثوب فَوْقُه عَباةِ
صلاةْ ربّي عد ما تطلع الغين
عد الجراد وعَدْ بَذْرَ النِّباتِ
على نَبيٍّ بَيَّن الحق تَبْيِين
فَرضْ رمضان وفَرضْ وقتَ الصلاةِ
* ومن قصائدها كذلك ما قالته عن أمير الرس آنذاك حسين العساف، وفيها ورد البيت التالي:
سِرْ ومَلْفَاك حَامِي وطنَّا
أبو منصور من القَدِرْ عارف
* ولها أبيات شعرية في وصف الدنيا بقصيدةٍ مدونة 15 بيتاً، وفيها قالت:
يوم اِستِتَم الزرع وأقبلْ حصادُه
ذَوىَ الوَرَق والحَبْ جاهُ الصفار
وقد ختمت أبياتها الشعرية عن الدنيا وحقيقتها بقولها:
ألَا ياليت الموتْ هو تَالي حِسابُه
ما عُقُبْ تَلْ الروح ذَنْبٍ صارِ
* ولها قصائد كثيرة وطويلة أحياناً عن النصح والحكمة والدعوة إلى العمل الصالح كما في البيت التالي:
أقول لُهْ يا نفس كُفِّى عن الخَنَا
تَرى كِلْ شَيٍ يومَ الحسابْ يِبِيْنِ
ومن أقوالها في هذه القصيدة السابقة:
أَقَعْ رحمةٍ من والي العرش والسماء
يِحِسْن لي الخاتمة وحفظَ الدينِ
* ومما قالت في هذه القصيدة بشيءٍ حول مشهد يوم القيامة:
إِلى دَعى الداعي نِفَضْنا ترابنا
مشَيْنا الأرض الطاهرة حَافِيْن
واللِّي كِسَا العريان ثوب يُظِلُّه
ترى ذاك يا المغرور يوم الدِّينْ
واللي سقى العطشان يوم شِرْبُه
تِبِلْ كَبْدُه يوم هُمْ ظَامين
يومٍ شديد الحر يَرْشَح به العرق
والأنبياء على الرْكَبْ جَاثِين
* وللشاعرة شعرٌ متخصص بالنصائح، ومما تم تدوينه قولها:
تراك مرَّارٍ تقضي شطُونِك
تَراك مِثْل الفَيْ والفَيْ زوالِ
لا بِدُّهم على الخَشَب يَنْقلُونِك
ومن السِّعة تنزل بصندوقَ الأعمالِ
* ومن قصائدها المملوءة بالإيمان واليقين ودعاء رب العالمين أن يعطيها لتعطي المحتاج وذلك بقولها:
ألا يَالله إنك تَمْلأ يِدَيْ
وأَبا أعطي المِحتِري مما عَطيْت
* ولها قصيدة جميلة عن وصف أنواع النساء ومعادنهن الشيطانية أو الريحانية، وقد عَدَّدت أنواع النساء حسب رؤيتها في ذلك الزمان! ومما قالت عن هذا:
وُمِنْهِنْ حَيِّةِ السِّهْلِة خَفيِّةْ
وسُمَّهْ من جُوانِبْهَا يُغُورِ
ومِنْهِنْ نُطفْهٍ حَلالٍ أدميِّهْ
تِجَدَّد مثل فُوْحَات البُخورِ
قِصِيْرة رِجْلٍ وإن وُمْرَتْ هَديِّهْ
وعَلى ما صَارت الدنيا شُكورِ
* ولها قصيدة في عتاب ابنتها حينما أغضبتها، ومنها قولها:
حَوْليْن أرضَعْتِك ورَبي بي أَخْبَر
واليوم تِعطيني لسان سِنيني
أَشمْ رِيحك رِيحْ مِسْكٍ وعَنْبَرْ
واللون كِنِّك حِصِّة ٍعند عيني
* ومن قصائدها ما قالته عن ناقةٍ تحن كل الليل على ولدها المذبوح، وفي القصيدة برزت العاطفة الفطرية تجاه تلك الناقة:
البارحة (مَلْحَاء) تَرْزم وَرَا السُّورِ
مِمَّا جرى لها عَافَتْ النَّوم عَيْني
وختمتها بقولها:
اللِّي سَعى بِالخير هَذَاك مَدْيُور
واللِّي سَعى بالشَّرْ يَرجع يِبِيْنِي
* ومما قالته من قصائد في الحظ والتفاؤل والدعاء لمن وطاه الفقر، وهي كناية عن الفقر المدقع:
يالله يا عَالِمْ الأمر
يا عَالِمْ السِّر والنِّية
إنْ تَرحمَ اللِّي وُطَاه الفَقر
دَايمٍ وعيونُه شِقَاويِّة
* ولها أبيات عن حنينها إلى مسقط رأسها الرس وذلك حينما كانت في المدينة النبوية، وهي بحوالي أحد عشر بيتاً من الشعر، ومن أبياتها حول هذا الحنين، قولها:
لَيتِنَا ما عَقْبْنَا وُطنَّا
لو جِسَمْنا العَشَا بالمغارِف
* ومن قصائدها في حنينها إلى ابنتها خديجة التي تزوجت من شخص يُقال له السكيني وذهبت معه للمدينة النبوية وذلك بعد وقعة المليداء سنة 1308هـ، فقالت عنها قصيدة منها:
عزَّ الله إني تَوْ ما فَكرَّت وأصْحيت
وافْكَرتْ في فَرقَاها السامعاتِ
يا مَالشُّوْف أمي وقُربَها تِمنيت
واليوم جاها زيادة من بناتيِ
أقْفيتْ أَهِلْ الدمع لَين إنِّي أزريت
واظنْ دمِّي يفوعَ النباتِ
وهكذا فلها في كل ميدان كلمة وحكمة ورسالة وموعظة -رحمها الله-، وما ورد عن هذه الشاعرة يُعدُّ من تخليد ذكراها ومن الاستثارة وشحذ الهمم المشروعة لبنات اليوم وبنات الأجيال أن يستفدن من تلك القدوات الصالحة في التربية والبناء والعطاء وصناعة الرسالة والمشروع والهدف الذي يتحقق به النجاح الدنيوي والفلاح الأخروي.
ومن إلماحات هذه الترجمة يتأكد للقارئ أكثر بأن بلدة الشنانة ومزارعها كانت ملتقىً كبيراً لوجود العائلات المتعددة والأسر المتنوعة التي اجتمعت وتعاونت فيما بينها على ظروف الحياة وتحدياتها، وذلك فيما قبل عام 1200ه حين تأسست البلدة وما بعد هذا التاريخ حين توسعت الشنانة واستُهدفت عسكرياً بالحملات الأجنبية عليها وعلى غيرها، وكانت هذه الشاعرة قد أصيبت بالشلل في الخمس السنوات الأخيرة من عمرها، وتوفيت عام 1355ه رحمها الله.
ومن أراد الاستزادة عن هذا الصوت النسائي المفيد فيمكنه مراجعة كتاب (شعراء من الرس) للأستاذ فهد المنيع الرشيد، ج1-2 / ص327-338، وكذلك نشرة تعريفية عنها وعن والدها والتي كان تقديمها إلى مقدمي برنامج الخيمة الشعبية بالرس، والنشرة من إعداد الأستاذ عبدالله بن عبدالرحمن الخميس، وكانت محفوظةً في أرشيف الأستاذ سليمان بن عبدالله الرشيد.
** **
- باحث في الدراسات التاريخية ودراسات العمل الخيري والقطاع الثالث
info@the3rdsector.org