د.سالم الكتبي
لا أدري لماذا يعتري الجانب الإيراني الغضب لمجرد أن تتحدث دول مجلس التعاون عن مصالحها ومتطلبات الأمن والاستقرار الإقليمي؟ ومن يقرأ الموقف الأخير المتضمن في البيان الصادر في ختام أعمال اجتماع الدورة الـ152 للمجلس الوزاري لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، بمدينة الرياض، يدرك مدى تنامي حساسية النظام الإيراني تجاه دول الجوار، تدعو إيران للالتزام بالمبادئ المبنية على ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي التي تنظم العلاقات بين الدول، بما في ذلك مبادئ حُسن الجوار، واحترام سيادة الدول، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وحل الخلافات بالطرق السلمية، وعدم استخدام القوة أو التهديد بها، ونبذ الإرهاب والطائفية. والمفارقة أن هذه الحساسية تتفاقم رغم كل ادعاءات النظام الإيراني عن أهمية الحوار في تسوية التوترات الإقليمية والتفاهم بين دول الجوار!
المؤكد أن من حق دول مجلس التعاون أن تشعر بالقلق إزاء سلوكيات إيران ومواقفها، لاسيما في ظل استمرارية هذه السلوكيات والمواقف وتصاعدها منذ عام 1979 وحتى الآن، ناهيك عن حرص النظام في طهران على التمدد والتغول وإشعال الأزمات ومحاولة إيقاع دول الجوار في إشكاليات وتوريطها في أزمات تشغلها عن مواصلة عملية التنمية، التي تمثل سبباً من أسباب سلوك هذا النظام الذي يجد نفسه في حالة مقارنة «شعبية « دائمة مع التطور التنموي الحاصل في دول الجوار.
لماذا تغضب طهران من مطالبة دول مجلس التعاون بالتعاطي الجدي مع التحدي الذي تمثله إيران لدول المنطقة، ليس فقط بملفها النووي ولكن أيضاً بتسليح الميليشيات والتهديد بالصواريخ، أليس هذا حقيقياً؟ ألا تمثل الصواريخ والمسيرّات الإيرانية تهديداً للجميع في منطقتنا أم أننا مدعوون لتصديق مزاعم تطويرها في مخابئ الحوثي الجبلية؟ الواقع يقول إن دول «التعاون» لم تطالب ـ مثلاً ـ بتصعيد أو موقف دولي ضد إيران، بل تطالب بالتهدئة والتعاون والالتزام بالقوانين الدولية، وتدعو كذلك لإشراكها في أي مفاوضات تتعلق بالملف الإيراني، باعتباره شأنا إقليميا كما هو حال الملف الكوري الشمالي الذي تشارك في محادثاته السداسية دول الجوار المعنية (كوريا الجنوبية واليابان فضلاً عن ثلاث من القوى الكبرى المعنية هي الصين وروسيا والولايات المتحدة).
يقول وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان «يجب أن يكون حوارنا وتواصلنا مع إيران مبنياً على موقف خليجي موحد ندعوها من خلاله، للتهدئة، والتعاون، والالتزام بمبادئ الشرعية الدولية، وحسن الجوار حتى نصبح قادرين على العمل سوياً لتحقيق خططنا التنموية ضمن بيئة إقليمية مستقرة حاضنة للشراكات وداعمة لبرامج التنوع الاقتصادي». وذلك إلى جانب ضرورة أن «تشمل مفاوضات الملف النووي الإيراني، وأي مفاوضات مستقبلية مع إيران، معالجة سلوكها المزعزع لاستقرار المنطقة، ورعايتها للإرهاب والميليشيات الطائفية، وبرنامجها الصاروخي، وسلامة الملاحة الدولية والمنشآت النفطية، وضرورة مشاركة دول المجلس في تلك المفاوضات وجميع المباحثات والاجتماعات الإقليمية والدولية المتعلقة بهذا الشأن»، وهذه في مجملها أمور تعبر عن متطلبات وضمانات حقيقية للأمن والاستقرار الإقليمي، سواء كان ذلك متماشياً مع رغبة طهران أم لا، فهذا هو الواقع وهذه هي متطلباته.
اللافت في الأمر كله أن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده يقول إن «إصدار مثل هذه التصريحات النمطية يتعارض مع مبادئ حسن الجوار وليس له وظيفة خاصة سوى خلق أزمات إقليمية ويأتي لإجهاض المساعي والتحركات الدبلوماسية للجمهورية الإسلامية مع دول الجوار بما فيها بعض الدول الصديقة والشريكة في مجلس التعاون»، وكأن ما تفعله إيران في اليمن وغيرها من دول المنطقة العربية، وكأن تحريضها على شن هجمات إرهابية بالصواريخ التي ترسلها لجماعة «الحوثي» الإرهابية يقع ضمن مبادئ «حسن الجوار»، وكأن العمل الدبلوماسي والتعبير عن المطالب بلغة متحضرة خارج نطاق هذه المبادئ!.
يبدو المتحدث الإيراني كمن يضع العربة قبل الحصان وهو يتحدث عن تسليح الجيوش الخليجية متجاهلاً أن بلاده هي السبب الرئيسي والأوحد في هذا التوجه الذي لا يرغب فيه أحد لو أن الجار الإيراني كان يتصرف كدولة طبيعية، فهو يتحدث عن العرض، متناسياً المرض، ومتجاهلاً السبب في الإنفاق العسكري الخليجي الذي لا يستهدف بالتأكيد حماية مكتسبات شعوب دول المجلس من تهديد وهمي أو قادم من الفضاء الخارجي! حتى أنه في الأحيان التي تتغافل فيها دول المجلس عن هذا التهديد الخطر يحرص النظام الإيراني على التذكير بخطره سواء من خلال وكلائه وعملائه أو من خلال إثارة التوتر والزج بدول المجلس في أي تصعيد كلامي مع الولايات المتحدة أو غيرها!
تصريحات زاده تضمنت أحد مظاهر الصلف والاستكبار الإيراني، فهو يقول إن «الاتفاق النووي واضح في تحديد الدول الملتزمة به»، وهذا صحيح ظاهرياً، ولكن من قال أن هناك التزاما بالاتفاق من دولته أساساً؟ ثم من قال إن هذا الاتفاق لا يزال في حالة تسمح بالحديث عنه من الأساس، فدول مجلس التعاون تتحدث عن أي «مفاوضات مستقبلية» وليس عن اتفاق بات في حالة موت «سريري» سواء بانتهاكه من الجانب الإيراني أو الانسحاب منه أمريكياً! مظهر آخر من مظاهر الصلف يكمن في الحديث عن الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى»، فالمتحدث الإيراني يزعم أنها «جزءا لا يتجزأ وأبديا» من الأراضي الإيرانية، ويرفض «أي مطالب» بهذه الجزر، مشيرا إلى أن «تكرار هذه المواقف التدخلية مرفوض تماما وبأي شكل من الأشكال، ولن يكون له أي تأثير على الحقائق القانونية والتاريخية القائمة»، وهذه اللغة المرفوضة والعنجهية السافرة في الرد على مطلب مشروع يتعلق بسيادة دولة جارة على جزء محتل من أراضيها يفضح نوايا نظام لا يكف عن ترديد كلام خاو من الجدية حول حسن النوايا والحوار مع دول الجوار من دون أن يدرك ولو لوهلة أنه لا يمكن الحديث عن مثل هذه الأمور في ظل مثل هذه العدوانية والاستخفاف بالقانون والمبادئ.
الخلاصة أن الخروج من معضلة التوتر المزمن في منطقة الخليج العربي يبدأ وينتهي عند تغيير سلوك النظام الإيراني، فهو المسبب الرئيسي للتوترات والأزمات، وهو أيضاً من يستطيع نزع فتيلها، بتغيير سلوكه والكف عن التدخلات التوسعية وإثارة القلاقل ونشر الفوضى.