عبدالوهاب الفايز
وزير الخارجية الأمريكي، على صفحته بتويتر يوم 1 يونيو الماضي، غرد قائلا إن الشهر المخصص للاحتفالات بالمثليين الجنسيين (المعروف باسم Pride Month، يبدأ 1 يونيو/ حزيران) يُعد مصدر فخر لأمريكا، فـ»خلال شهر الفخر، تكرم الولايات المتحدة شجاعة ومرونة أفراد مجتمع المثليين في جميع أنحاء العالم». وقال أيضا: «تكون الديمقراطية أقوى عندما تكون شاملة، فاحترام حقوق الإنسان للمثليين وثنائيي الجنس والمتحولين جنسيا ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسية والمخنثين أمر أساسي لبناء ديمقراطيات قوية وصحية والحفاظ عليها».
الأمر الإيجابي هذا العام أن هذا الاحتفاء الأمريكي بالمثليين لم يمر بسلام على المهتمين بالعمل الأهلي العربي. فقد دعا البرلمان العربي التابع لجامعة الدول العربية في بيانه، 4 يونيو 2022، السفارات الأمريكية في الدول العربية إلى (احترام خصوصية وثقافة المجتمعات العربية وعدم المساس بقيمها الدينية وثوابتها المجتمعية والثقافية)، وأكد على أن الدول العربية (تحترم خصوصية وثقافة المجتمعات الأخرى ولا تتدخل فيها)، وبالتالي على الدول الأخرى ضرورة التعامل بالمثل مع الدول العربية، باحترام ثقافة وخصوصية القيم المجتمعية في الدول العربية، ومضيفا أن احترام هذه الخصوصية تمثل حقا أساسيًا من حقوق الإنسان التي يجب الالتزام بها في كل وقت وفي كل مكان. ونوه البيان إلى أن التدخل بشؤون الدول الأخرى يعد (سلوكا مرفوضا يتناقض مع القواعد والأعراف المعمول بها في العلاقات الدبلوماسية بين الدول، والقائمة على احترام القيم الدينية والمجتمعية للدول وعدم الإساءة إليها أو التعدي عليها).
وقد حظي ذلك البيان باهتمام وإشادة قيادات المجتمع الأهلي والمدني والنخب الفكرية في العالم العربي. فهذا الموقف من البرلمان العربي يؤكد أهمية دوره، في ظل التحولات الكبيرة المتسارعة التي يمر بها العالم، وتحمل بطياتها تهديدات للأمن القومي العربي. ويمثل حرصه على أن يكون (أداة للحوار والقرار وقوة دفع شعبية لمنظومة العمل العربي وشريكاً فاعلاً في رسم السياسة العربية المشتركة خدمة للمصالح العليا للأمة العربية)، كما ينص على ذلك نظامه الأساسي.
هذا الغرب المتحمس لحقوق الشواذ جنسيا، والذي يعيش حاله انقلاب كبرى في المفاهيم، يحتاج المواجهة وعدم التساهل. فقبل ثلاثة عقود كان الشواذ سلوكًا مجرمًا، ويصنف ضمن الأمراض النفسية. والمؤسف في حق الإنسانية أن إحدى المحافل التي اخترقتها ونجحت فيها الجمعيات الداعمة والمتبنية للشواذ هي الأمم المتحدة. ففي مثل هذه الأيام ينشط المسؤولون فيها للدعوة إلى الاهتمام بالقوانين التي تميز ضد الشواذ ويدعون إلى المساواة وإلغاء مثل هذه القوانين. أيضا نجحوا في اختراق منظمة الصحة العالمية التي أعلنت في17 مايو/ أيار عام 1990 عن حذف المثلية الجنسية من قائمة الأمراض النفسية، وأضافت إلى المحذوفات ما يعرف بـ(العبور الجنسيي) حيث حذفته المنظمة من قائمة الأمراض في عام 2018.
في المجتمعات العربية، المؤلم تحرك بعض المدعومين من مؤسسات المجتمع المدني الغربية، وممن يسمون أنفسهم نشطاء الحقوق المدنية ليطالبوا بأمور أساسية مثل إلغاء تجريم المثلية الجنسية وسن قوانين تحمي الشواذ بكل تفرعاته، وبإجازة برامج التثقيف بالشواذ الجنسي وما يرتبط به من قضايا الهويات الجندرية بالمدارس وبالمؤسسات الحكومية. والأخطر يرون ضرورة ابعاد الدين والثقافة عن قضاياهم، لكونها قضايا كونية تدعمها قوانين حقوق الإنسان المقرة عالميا!
هذه الجهود الغربية المركزة، الحكومية والمدنية، تتطلب من جامعة الدول العربية ومنظماتنا الإقليمية ضرورة تنسيق جهود الحكومات الأعضاء وتحريك المجتمع الأهلي في الدول العربية لمواجهة هذه الجهود. ويمكن التحرك على مجالات مثل:
أولا، إنشاء مجلس داخل الجامعة يتخصص في محاربة الشذوذ الجنسي وينسق الجهود العربية الأهلية والحكومية.
ثانيا، تحريك الجامعات ومراكز الدراسات في الدول العربية لإجراء الدراسات والأبحاث حول اثر الحركات التحررية المنفلتة على مكونات المجتمعات العربية بالذات الأسرة، فبداية التفكك للمجتمعات يبدأ من تفكك الأسرة وضياع أدوارها الحاضنة والراعية الضرورية لمتطلبات التنشئة الاجتماعية والنفسية. نشر الحركات المتحررة للشواذ جرى التمهيد لها في أمريكا وأوروبا في مراكز الدراسات داخل الجامعات الراعية والمشجعة للتيارات الليبرالية المتطرفة عبر الدراسات التي يتم التلاعب في مداخلاتها ويتم إخراج نتائجها طبقًا للأجندات الخفية.
ثالثًا، وضع الضوابط والشروط لـ(لشركات العالمية) العاملة في الدول العربية التي تنص على أهمية عدم تدخلها بالدعوة لتغيير قوانين العمل والتجارة التي ينادي بها الداعمون للشواذ، وإدخالها ضمن قرارات القمم العربية.
رابعا، حث الحكومات العربية على تبني إنشاء (جمعيات أهلية وجمعيات علمية) في جميع الدول العربية مختصة بتكريس القيم والأخلاقيات والأعراف النابعة من خصوصية المجتمعات العربية وعقائدها المستقرة.
خامسا، تنسيق جهود وبرامج مؤسسات وجمعيات المجتمع المدني والأهلي مع جهود المؤسسات المشابهة في العالم الإسلامي. وأيضا تنسيق الجهود مع الجمعيات العاملة في أمريكا وأوروبا وفي روسيا وشرق آسيا، فهذه الكتلة تتخذ حكوماتها ومجتمعاتها المحلية مواقف متشددة ضد تيارات التحرر الليبرالية الغربية المتطرفة.
سادسا، إصدار تقارير إعلاميه ترصد وسائل الإعلام ووكالات الأنباء الدولية التي تتبنى الدفاع عن حقوق الشواذ، لكي تبين للمجتمعات العربية أدوارها الخفية، ولكي تكون على وعي وإدراك لأهداف التقارير والمقالات الإعلامية التي تهاجم الحكومات العربية، وتستهدف الضغط على الحكومات الغربية لأجل تبني قضايا وحقوق الشواذ في مباحثاتها واجتماعاتها واستخدامها كورقة ضغط ومساومة على الدول العربية.
نحتاج هذا الجهد المؤسسي المنظم للبرلمانات العربية والمنظمات الأهلية لمواجهة الجهود الغربية للدفع بحقوق ومصالح المثليين. هذا الجهود سوف تكون محل دعم من الحكومات والشعوب العربية التي لن تستجيب للتحركات الهدامة لهؤلاء الشواذ. ولن نستغرب الالتفاف على جهودنا ومقاومتها والضغط عليها عبر جهود مؤسسات وجمعيات المجتمع المدني الغربية واتباعها، وعبر وسائل الإعلام الليبرالية وشركات الإنتاج السينمائي وشركات إنتاج المحتوى المرئي الموجه للأطفال. ويجب التنبه إلى أن الجهود الغربية وحتى تتحاشى الحساسية التقليدية في المجتمعات العربية تجاه المنتج الإعلامي الغربي، سوف تتوجه إلى استخدام الشركات المتحالفة معها في منظومة الإعلام والإنتاج السينمائي والدرامي وشركات الألعاب المتخصصة بالأطفال في آسيا وإفريقيا وفي الشرق الأوسط لتمرير أجنداتها.
الأهداف الكبرى تحتاج إستراتيجية واضحة وتحالفات قوية، هذا هو فن السياسة!