صلاح بن عبدالعزيز الحسن
الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه.
قال تعالى: وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ (21) سورة الرعد.
يقول الإمام السعدي - رحمه الله -: «وهذا عامٌّ في كلِّ ما أمر الله تعالى بوَصْله؛ من الإيمان به سبحانه وبرسوله - صلى الله عليه وسلم - ومحبَّتِه تعالى ومحبَّة رسوله، والانقياد لعبادته وحده لا شريك له، ولطاعة رسولِه - صلى الله عليه وسلم - ويَصِلُونَ آباءهم وأمَّهاتهم ببرِّهم بالقول والفعل وعدم عقوقهم، ويصِلون الأقاربَ والأرحام بالإحسان إليهم قولًا وفعلًا، ويصِلون ما بينهم وبين الأزواج والأصحاب بأداء حقهم كاملًا موفوراً من الحقوق الدينية والدنيوية، اتباعاً للتوجيه الإلهي طاعة وخشيةً من يوم الحساب.
صِلةُ الرَّحمِ من أفضلِ الطَّاعاتِ الَّتي يَتقرَّبُ بها العَبدُ إلى ربِّه، وقد أمر اللهُ بها، وحذَّرَ مِن قَطْعِها وجَعَلَ قَطْعَها مُوجِبًا لِلعذابِ، ووصْلَها مُوجِبًا لِلمَثوبةِ. روي عن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من أحب أن يُبسَط له في رزقه ويُنسأ له في أثره فليصل رحمه». وجاء في شرح الحَديث أنَّ صِلةَ الرحمِ مَحبَّةٌ في الأهل»، أي: إنَّها مَظِنَّةٌ للحُبِّ وسَببٌ للودِّ بين الأقاربِ، «مَثراةٌ في المالِ»، أي: سببٌ لكثرِةِ المالِ، «منسأةٌ في الأثَرِ»، أي: سببٌ لتأخيرِ الأجَلِ ومُوجِبٌ لزِيادةِ العُمرِ، بِالبركةِ فيه، والتَّوفيقِ لِلطَّاعاتِ، وعِمارةِ أوقاتِه بما يَنفعُه في الآخِرةِ، وصِيانتِه عن الضَّياعِ في غيرِ ذلك.
وفيه: دَلالةٌ على أنَّ الصِّلةَ تتعلَّقُ بذوي الأرحامِ كلِّها لا بالوالدَينِ فقط.. ونحن نعيش صلة أرحامنا ديانة وتقرباً وطاعةً لله ثم اتباعاً لسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وما اختطه لنا رجالٌ طابقت أفعالهم صدق نواياهم.. (رحم الله منهم من رحل وأطال بعمر من بقي على الخير).
وإذ نحمد الله - جل جلالهُ - على عميم نعمه وعظيم آلائه أن عادت اللقاءات الأسرية والعائلية بعد ما شهدته الفترة الماضية من تباعد اللقاءات وتعذُر انعقادها وما صاحبها من تأثيراتً اجتماعيةً ونفسية واقتصادية على جميع المستويات، لتثبت أن وحدة العائلة في توادها وتواصلها وتراحمها في أحلك الظروف وأقسى العقبات هي الملاذ الآمن والحصن المكين بعد الله، وما بذلته القطاعات العامة والخاصة للتصدي لجائحة كورونا بقيادات مخلصة وعطاءات ممتدة وجهود ظاهرة جلية حافظت على النسق العام والاستقرار والعودة للاندماج الطبيعي السهل للحياة، وعلى الرغم من قسوة التجربة بقيت النوايا متلهفةً لعودة الحياة إلى ما نحن فيه من أمن واستقرار وسكينة ولله الحمد والمنة.
وها نحن نُعيد استكمال مسيرة التواد والتراحم ونؤكد جمال الطيف العائلي الجميل المترابط، ليظهر صفاء النفوس ونقاء السرائر ولهفة الشوق والإصرار على استمرار اللقاءات وظلال الوصل ونفحات الرحم تعطر مجتمعنا الودود ونرى ثمرات الغراس المبارك الجميل لآبائنا وأجدادنا، هذا ما آمنا به وعشناه ورأينا نتائجه الإيجابية لتعزيز العلاقات في مجتمع (العمل وعلى مستوى ، الأرحام / الأصدقاء، وأكاد أجزم أن هذا ينسحب على أغلب أبناء وبنات المجتمعات الحيوية المتفاعلة، وسنوَّرث هذا الإرث العظيم (صلة الرحم) والحب والتواد والتراحم لفلذات أكبادنا، هذا الجيل الحيوي المتألق الذي نعول عليه كبار آمالنا لتحقيق أقصى معالي الطموح الوثاب.. ونوصيهم بالمثابرة والجد والاجتهاد واستحضار نية إخلاص العمل لله والصبر ثم الصبر ثم الصبر ليعتلوا منارات العز والسؤدد بين أقرانهم ، ملهمين لهم في علياء المجد ، ليحققوا نجاحات ومنجزات علمية وعملية واجتماعية، لتستمر في إثبات ذاتها في ميادين الفخر والاعتزاز.
عن عبد اللَّه بنِ مَسْعُودٍ قَالَ: نَامَ رسولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عَلَى حَصيرٍ، فَقَامَ وَقَدْ أَثَّرَ في جَنْبِهِ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ الله، لوِ اتَّخَذْنَا لكَ وِطَاءً، فقال: مَا لي وَللدُّنْيَا؟ مَا أَنَا في الدُّنْيَا إلا كَرَاكِبٍ استظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا. رواه الترمذي. وهذا التَّشبيهُ مِن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يُصوِّرُ حياةَ المسلِمِ في الدُّنيا كعابرِ السَّبيلِ الَّذي يُريدُ أن يَبلُغَ آخِرتَه بأمانٍ وفي غيرِ تَباطُؤٍ مِنه؛ لِيتنَعَّمَ بما في الدُّنيا على ما له في الآخرةِ.
وضابط القول في هذا الاستشهاد هو المبادرة بعمل الخير والجد قبل فوات الأوان، ومن باب أولى أن يكون في صلة الرحم والتواد والترابط، ونحن في زمن أحوج ما نكون لذلك بمزيد من البذل والجهد للحفاظ عليها (صلة الرحم) بمد جسور الوصل والود والتآلف لتعزيز لُحمة الأسرة وتنميتها التي هي نواة لمجتمعنا الأصيل، في كنف حياة آمنه مستقرة وعيش رغيد تشكل فيه الأسرة لبِنةً راسخةَ الأُسس متينة البنيان ممتدة العطاء في صرح الشموخ العتيد المملكة العربية السعودية، تحت لواء التوحيد (لا إله إلا الله محمد رسول الله) بقيادة الزعيم الفذ خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد الأمين عرَّاب رؤية الريادة القيادية (يحفظهم الله)،
نسأل الله العلي القدير أن ينصر جنودنا المرابطين، ويديم علينا نعمه الظاهرة والباطنة ويرزقنا شكرها ويعيد علينا مناسبات الخير أبد الدهر والجميع يرفل في ثوب المنعة والعز والصلاح.. إنه ولي ذلك والقادر عليه..
وصلى الله على سيد الأولين والآخرين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.