سلمان بن محمد العُمري
تحقيقًا لأهداف الرؤية 2030 في زيادة القدرة التنافسية للمملكة العربية السعودية وتصنيفات جامعاتها، وإيمانًا بأهمية البحث العلمي والتطوير التقني فقد صدر قرار مجلس الوزراء برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله- القاضي باستحداث بند باسم (البحث العلمي) ضمن ميزانية وزارة التعليم للعام المالي (1443-1444هـ) يخصص الصرف منه لـ(برنامج التمويل المؤسسي لدعم البحث العلمي والتطوير بالجامعات السعودية).
والجامعات السعودية لديها العديد من مراكز البحوث المختلفة ولكن نتاجها مجتمعيًا ما زال دون المأمول، ولدينا رؤية شاملة 2030، ومن المفترض أن تؤدي الجامعات دورًا أساسيًا متقدمًا في هذا المجال، ذلك أن الجامعات هي التي تهيئ المختصين والفنيين الذين ينفذون هذه الخطط وينهضون بأعبائها وقبل ذلك هي أحد أهم الجهات التي تقدم دراسات استشرافية للمستقبل وتُسهم في رسم الخطط.
وللأسف معظم الجامعات منعزلة عن المجتمع وتعيش في (برج عاجي) أو(خشبي) لا يتصل بالحياة من حوله ولا يشارك فيه، ولقد آن الأوان أن يُعاد النظر في عمل جامعاتنا وصلتها بالمجتمع وتكييفها بحيث تصبح قادرة على النهوض بمسؤولياتها.
إن الجامعات في معظم دول العالم هي مركز الإشعاع الحضاري وفي كل مجتمع هي قطب الرحى في عملية التنمية فهي تضم صفوة مختارة من العلماء والباحثين والأكاديميين، وللأسف فإن جامعاتنا اقتصر دورها على تخريج الموظفين، وأصبح حالها كالمدارس الثانوية وليس بينهما فارق سوى في زيادة عدد سنوات الدراسة، وهناك نمو كمي سريع في التعليم العالي لا يوافقه النمو الكيفي اللازم.
والظاهرة الحميدة التي يُستفاد منها إن جميع جامعاتنا تعتمد على ميزانية الدولة في شؤونها، وإن كان هناك خطط مستقبلية للاستقلال المالي والاعتماد الذاتي عما قريب وفق خطط 2030، ومع ما تكفلت به الدولة من ميزانيات الجامعات بالكامل إلا أنه لم يتم الاستفادة من الدعم الكبير لها، ولم يتم الاستفادة مما تضمه الجامعات من شريحة كبيرة تتسم بالوعي والنخبوية وهي فئة يقع عليها وعلى الجامعات مسؤولية وأعباء كبيرة في المساهمة الفعّالة في تطوير وخدمة المجتمع، ولذا فيجب على الجامعات أولاً أن تهيئ كل الأمور التي تساعدها على أداء مهامها البحثية والأكاديمية على حد سواء بأن تقوم بإصلاح هياكلها التنظيمية، والعمل على البعد عن أسلوب التلقين والتعليم التقليدي واستخدام طريق المناقشة والحوار لخلق الطالب المفكر والمبدع، وليس الببغاء.
إن أساتذة الجامعات ثروة عالية ولدينا ولله الحمد كفاءات سعودية تلقت تعليمها في أرقى الجامعات العالمية، كما أن لدينا مجموعة كبيرة من الأساتذة المتعاقدين من مختلف دول العالم، ومن الأهمية بمكان الاستفادة منها وتشجيعها على أن تكون منتجة، والعمل على استنهاضها وألا تكون عطاءاتهم متدنية، ولا تصبح بحوثهم مقتصرة على البحوث المطلوبة للترقية العلمية، وعلى الجامعات توظيف ما لديها من قدرات لكي تؤدي دورها بكفاءة وتكون منتجة ومنسجمة مع التقدم العلمي في مجال العلم والمعرفة وتوظيفها بما يخدم المجتمع، وليس التعليم وحده هو الوظيفة الأساسية للجامعات بل عليها واجبات أخرى ولها وظائف أساسية متعددة في تلبية حاجة المجتمع وحل مشاكله ورسم مستقبله، وأن تُسهم في دفع عجلة الحياة في المجتمع، وحتى لا تصبح الجامعات مجرد كتاتيب ومدارس فلا بد أن تضطلع بمسؤولياتها ولا يقتصر دورها على التعليم التقليدي.
إن كثرة الجامعات والتوسع في اختصاصها من الأمور الإيجابية التي يجب تفعيلها بشكل أوسع من مفهوم التعليم فقط، ومراكز البحوث ومعاهدها في جامعاتنا ما زالت محدودة الطاقة والعمل والإنتاج وقاصرة على توليد المعرفة، مما يتطلب دراسة الواقع ووضع الحلول المناسبة، ويجب أن يكون هناك عمادات للبحث العلمي «فاعلة» لتقديم البحوث المفيدة للمجتمع وتبني الدراسات التي يتقدم بها أعضاء هيئة التدريس بالجامعات وغيرهم، والتفاعل مع عمادة خدمة المجتمع وألا يقتصر دورها الأخير مع التعليم والتدريب فقط.
إن مما يحز في النفس أن الجامعات لدينا أصبحت تتنافس فيما بينها على تحقيق أرقام ورتب عالية بعضها (مضروب) على حساب الجودة الفعلية، ودونما أن نرى أثرًا مجتمعيًا لهذه القفزات المزعومة، والأمر الآخر أنه لا يوجد مع الأسف تعاون فعّال فيما بين الجامعات سوى في مجال يسير يتعلق بالمشاركة في مناقشة الرسائل العلمية، ولا يكاد يتعداه، والمفترض أن يكون العمل تكامليًا، وأن يشكلوا في مراكز البحوث العلمية منظومة متكاملة، ويكون هناك تنسيق شامل وتعاون كبير، ومما لا شك فيه أن جامعات العالم كلها تحكمها ظروف وعوامل تتفق مع بعضها وتختلف في بعض منها، ولكن إمكانات الجامعات البشرية والمادية لدينا في الوقت الحاضر مؤهلة للقيام بما هو مطلوب منها من واجبات تجاه المجتمع، ونقول بكل أسف إن الجامعات ما زالت مقتصرة في أداء أهدافها الواجبة والمطلوبة للمجتمع، وهذا الضعف يسري حتى على مستوى التعليم والدليل نوعيات الخريجين الذين يفشلون في اختبارات التخصصات العلمية والقياس، ولن أتحدث عن الظاهرة العامة في ضعف المستوى العام للتعليم الجامعي فليس هذا مجال الحديث الآن.
إن العالم يتطور من حولنا ويواكب المستجدات العلمية والعملية والأزمات، ونحن لا نزال نسير في ركب تعليم تقليدي، ولست أشك في أن رجال التعليم الجامعي ومسؤوليه يعرفون كل ما ذكر، ولكن من يعلق الجرس ويتحرك، ويجب أن يشعر القائمون على شؤون الجامعات الروح الجديدة (رؤية 2030) التي تسير في توجهات حكومتنا الرشيدة ويجب أن تدفع بالجامعات لتحمل مسؤولياتها الوطنية والمجتمعية؛ فالجامعات من أهم المؤسسات العلمية والعملية التي يعول عليها الشيء الكثير، ولذا فلابد من الارتقاء بمستوياتها ومسؤولياتها؛ فالمفترض أن تكون الإشعاع الفكري والاجتماعي والحضاري.
وما يُقال عن الجامعات الحكومية يسري على الجامعات الأهلية إن لم تكن الأخيرة، أضعف بكثير ودون المستويات المأمولة وحالها في هذا الباب أسوأ من الجامعات الحكومية لا تعليمًا ولا عناية بالبحث العلمي تنقل المعرفة وتوليدها مقتصر بها على التدريس، وليس هناك مجال للبحوث والدراسات، وعلى القطاع الخاص أن يُسهم مع الدولة، وكذلك المؤسسات غير الربحية والأفراد والمؤسسات الوقفية والشركات في دعم البحوث العلمية ومنح الهبات والدعم وخصوصًا للإنتاج التقني والزراعي والصناعي والطبي والبحوث العلمية بوجه عام.