د.حماد الثقفي
القفزة السياحية المُسجلة أخيراً في المملكة ليس كل ما في أجندة الرؤية الطموحة التي أطلقها الأمير محمد بن سلمان لرفد المالية العامة للدولة بإيرادات مُتنوِّعة بعيداً عن الذهب الأسود وتقلباته المتذبذبة، ليجعل المملكة وأسواقها الاقتصادية في توازن بتنوع مصادر الاقتصاد وتطوير قطاعاته المُختلفة خاصة السياحية التي كانت لا شيء، ووُضعت لها إستراتيجيات قبل أزمة كورونا، ولله الحمد سارت خُطاها بطريقة مُتسارعة الخُطى وفي نجاح أبهر العالم، ليجعل الُمستهدف ليس تنمية تقليدية للقطاع، بل إحداث تحول كامل يضمن أن تكون السياحة على أرض المملكة صناعة مُنافسة، وبعوائد مُستدامة للدولة، وفقاً لبرنامج طموح، وإمكانات غير مُعتادة للتنفيذ ضمن خارطة طريق أوسع لتحقيق هدف جذب 100 مليون زائر سنوياً إلى المملكة بحلول 2030، بما يتجاوز معدّلات نمو السياحة العالمية.
ولعل ما يعزِّز التفاؤل بمستقبل البرنامج السياحي الذي بدأت السعودية تنفيذه بطموح وخطى مدروسة لإنعاش السياحة الداخلية واجتذاب أعداد أكبر من السياح الأجانب، تلك المشاريع العملاقة كنيوم ومبادراتها الخلاَّقة عالمياً وليس محلياً فقط كالمبادرة الخضراء وصفر كربون، كانت سبباً في النهضة السياحية، وإطلاق وزارة السياحة السعودية برنامج «رواد السياحة» (3 برامج) خلال الدورة 116 لاجتماع المجلس التنفيذي لمنظمة السياحة العالمية في جدة، الذي يهدف إلى تنمية قدرات 100 ألف شاب وشابة سعوديين وتزويدهم بالمهارات الرئيسية في مجال الضيافة والسياحة والسفر ورعايتها ودعمها، وتوفير الخبرات العالمية الواسعة عبر ترسيخ ثقافة المهنية ومساعدة المهنيين حديثي العهد على توسيع معارفهم ومؤهلاتهم اللازمة للدخول في المجال أمام قادة المستقبل وتهيئتهم للعمل في قطاع السياحة المزدهر في المملكة، فيما تتضمن الإستراتيجية إتاحة مليون وظيفة جديدة بحلول 2030 .
إذاً، لا بد من الاستثمار في الشباب السعودي وتهيئة أيد عاملة ماهرة وطموحة ببرامج عالية التخصص ستساهم برفد المستفيدين بالمهارات والمؤهلات اللازمة للدخول إلى سوق العمل بثقة لدعم قطاع السياحة سر التوازن الاقتصادي على الصعيدين الإقليمي والعالمي، لذا وُفقت المملكة، عندما أولت اهتماماً بالغاً بالاستثمار المتنوع كونه المحرك الرئيس للنمو الاقتصادي، وكان إطلاق الإستراتيجية الوطنية للاستثمار في أكتوبر من العام 2021 أحد الجهود المؤكدة على ذلك، وتُشكّل خارطة طريق للوصول إلى مستهدفات الاستثمار التي تُركّز على رفع الاستثمارات بشقيها؛ المحلي والأجنبي، ليكون إجمالي حجم الاستثمار المباشر بحلول عام 2030 نحو 12.4 تريليون ريال. ليصل تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر لنفس العام في الناتج المحلي الإجمالي نحو 388 مليار ريال وبنسبة مساهمة 5.7 %، وفق ركائز الإستراتيجية الوطنية للاستثمار الأربع وهم: (الفرص الاستثمارية، وفئات المستثمرين لتطوير تجربة المستثمر، وركيزة التمويل؛ لتنوع خياراته، وأخيراً ركيزة تطوير البيئة الاستثمارية، لجعلها جاذبة وتنافسية للمستثمرين المحلين والأجانب. ولهذا يظهر برنامج (رواد السياحة) عزم المملكة وقيادتها على رفد الشباب من الجنسين بالأدوات التي يحتاجونها لتحقيق النجاح، حيث زادت نسبة جاذبية العمل في القطاع السياحي لدى الشباب والشابات إلى أكثر من 75 %.