د.شريف بن محمد الأتربي
تشرفت بحضور الأمسية الثقافية التي نظمتها جمعية المسؤولية المجتمعية التي تترأسها فخريا؛ صاحبة السمو الملكي الأميرة حصة بنت سلمان بن عبدالعزيز -حفظها الله- وذلك مساء يوم الثلاثاء الموافق 14 يونيو 2022م داخل المكتبة الملحقة بمبنى الدكتور ناصر الرشيد، والتي كانت بعنوان: دور الجامعات في تعزيز المسؤولية المجتمعية، وكانت الدعوة الكريمة من أخي العزيز ورفيق دروب النجاح في مدارس الرياض على مدار أكثر من 25 عاما الأستاذ عبدالله المهنا الرئيس التنفيذي للجمعية، وأدار الأمسية أخي وصديقي الدكتور أحمد الزهراني النجم اللامع في سماء الإعلام والإلقاء والتقديم وعضو مجلس إدارة الجمعية.
وكان ضيوف اللقاء من السادة العلماء الأفاضل، هم: الدكتورة هند السديري من جامعة الفيصل، الدكتور إبراهيم الغملاس من جامعة الأمير سلطان، والدكتور عامر العنزي من الجامعة السعودية الإلكترونية، والأستاذ محمد الربيعة من جامعة اليمامة.
وكعادته دائما قدم الدكتور أحمد الزهراني للأمسية مقدمة أثارت فضول وشغف الحضور للتعرف أكثر على موضوع اللقاء، وتوالت المشاركات من ضيوف الأمسية، فأدلى كل منهم بدلوه ساردا دور المسؤولية المجتمعية في الجهة التابع لها، وقد سعدت وسعد الحضور جميعهم بالتعرف على كل هذه الجهود المباركة من قبل الجامعات المذكورة لتعزيز دورها في المسؤولية المجتمعية.
وقد ظهر مفهوم المسؤولية المجتمعية بشكل مبكر في الدول الغربية، بينما يعد من المفاهيم الحديثة في مجتمعاتنا العربية. وارتبط ظهوره نتيجة احتياج المجتمع المدني له. فالمسئولية المجتمعية واحدةً من دعائم المجتمعات البشرية، ووسيلة من وسائل تقدم تلك المجتمعات، حيث تقاس قيمة الفرد في مجتمعه بمدى تحمله المسؤولية اتجاه نفسه واتجاه الآخرين.
وحتى لا أخرج عن سياق المقال، أود أن أبدأ بتعريف المسؤولية المجتمعية Social Responsibility، حيث أورد موقع Harvard Business Review تعريفا لها بأنها: مصطلح يُقصد به تحمل جميع الأفراد المسؤولية تجاه مصلحة المجتمع؛ بهدف الحفاظ على التوازن بين الاقتصاد والنظام البيئي، وبالتالي فهي مرتبطة مباشرة بتحقيق التنمية المستدامة. كما عرفها البنك الدولي بأنها: التزام أصحاب النشاطات التجارية بالمساهمة في التنمية المستدامة من خلال العمل مع موظفيهم وعائلاتهم ومجتمعهم المحلي لتحسين مستوى معيشة الأفراد بأسلوب يخدم التجارة والتنمية في آن واحد.
ورغم نسبة هذا المصطلح إلى الغرب، وتأثر أغلب المهتمين به والعاملين عليه بالتعريفات والاتجاهات والعمليات التي تتم خلال تنفيذه إلا أن هذه المسؤولية المجتمعية ليست حديثة عهد بالمجتمعات العربية والإسلامية، فمنذ قديم الأزل وهذه المجتمعات تتعاظم فيها هذه المسؤوليات، وتعمل القبائل العربية قبل الإسلام على كفالة الفقراء، وتعبيد الطرقات، وتوفير المراعي والماء، وجاء الإسلام ليعزز هذه المسؤوليات بدءاً من المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وامتدادا إلى ما قدمه أغنياء المسلمين دعما للدعوة الإسلامية، وقد ورد في القرآن الكريم عددٌ من الآيات الكريمة التي حثت على هذه المسؤولية، قال تعالى: في كتابه العزيز {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى}، {فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ}، {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ}، {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}. وفي الحديث الشريف قال صلى الله عليه وسلم: «خير الناس أنفعهم للناس» (رواه ابن ماجه). ويقول صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى «(متفق عليه).
وفي التنمية المستدامة -تقوم على ثلاثة عناصر رئيسية: الاقتصاد والمجتمع والبيئة- الطرف الآخر من المسؤولية المجتمعية كما يراها الغرب، نجد أن الدين الإسلامي قد حرص أيما حرص على الحفاظ على البيئة وتنميتها وعنايتها، قال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (41) سورة الروم.
وفي السنة النبوية المطهرة، نجد أن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أمرنا بالحفاظ على البيئة، فنجد من الأحاديث ما ينهى عن قطع الشجر واقتلاع الزرع، ومنها ما يدعو إلى المحافظة على المصادر، ومنها ما دعا إلى المحافظة على الأماكن العامة والطرق، كما حث النبي على إماطة الأذى وعدم توسط الطرقات أو إيذاء الناس بالروائح الكريهة. ومن أهم هذه الأحاديث: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها» أخرجه البخاري. إنه الإسلام الذي يدعو إلى الخير حتى وقت قيام الساعة.
إن المسؤولية المجتمعية ليست مهارة تنمى ولا معرفة تكتسب، إنه شعور بشري بالطرف الآخر، إنه جزء من ديننا الحنيف، إنه من أخلاق الإسلام التي حثنا عليها الخالق سبحانه وتعالى وذكرت في آيات القرآن الكريم، وتمثلت في أفعال رسولنا صلى الله عليه وسلم.
إن اقتصار المسؤولية المجتمعية على مقرر دراسي أو معسكر صيفي أو نادٍ أدبي يحجّم من قيمتها ويقلل من قدرها، إنما هي سلوك يقوم بها الفرد بدون تفكير، وقد سبقنا الغرب في ذلك- رغم أننا أصحاب هذا الرأي - حين قال مونتيسكيو: تنتهي حريتك حيث تبدأ حرية الآخرين.
تبدأ المسؤولية المجتمعية حين يبدأ الفرد بالإحساس بمسؤوليته تجاه نفسه أولا قبل أن تنتقل مسؤوليته تجاه مجتمعه، حين يحافظ على ممتلكاته الذاتية، وممتلكاته الشخصية، وتفوقه الدراسي، تبدأ حين يقدم الغني الزكاة للفقير بحثا عن رضا الله وليس تفاخرا بجاه، تبدأ حين يرد كل منا الدين لوطنه الذي احتضنه وأواه في زمن يتخطف الناس من حولنا. إن المسؤولية المجتمعية أكبر من أن نختصرها في كلمة أو مبادرة أو حتى جلسة متلفزة؛ إنها سر الحياة.
** **
- مستشار تدريب وتعليم إلكتروني