مشعل الحارثي
منذ صدور قرار تعيين صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أميراً لمنطقة مكة المكرمة ومنذ أن وطأت قدماه أرضها الطاهرة وهو يحمل على عاتقه أمانة هذه المسؤولية الجسيمة وعبء الأمل الكبير الذي اختارته القيادة الحكيمة من أجله لإدارة شؤون هذه المنطقة المهمة التي تمثّل عمق العالم الإسلامي وقلبه وقبلته، وبعدما حققه سموه من إنجازات ومبادرات خلاَّقة ونجاح منقطع النظير في تطوير منطقة عسير مؤسساً بذلك مدرسة متميزة في إدارة شؤون المناطق وتنميتها ومحققاً تطلعات القيادة الرشيدة كيف لا وهو ابن مكة وعاشق ثراها الطاهر.
وأنا لي الشرف صرت ابن مكة
ولد فيها نبي الله طه
يظللني من الكعبة كرامة
وروحي تقطع بزمزم ظماها
أحب أم القرى حبي لنفسي
واعشق أرضها وأهوى سماها
وكان من أوائل المشروعات التي اهتم بها سموه ومنحها عناية خاصة مشروع معالجة الأحياء العشوائية التي تعد مشكلة عالمية ولم تخلو من مشاكلها أي دولة من دول العالم ولذلك يطلق عليها مسمى (أحياء ومساكن الكرتون والصفيح)، أو الأحياء الفقيرة والقديمة التي أقيمت بدون ترخيص وفي أراض تملكها الدولة أو يملكها آخرون ولا تتوفر بها الخدمات والمرافق الكافية، والأهم من ذلك أنها أصبحت سواء نشأت بوسط المدن أو في أطرافها بؤرة للعديد من المشكلات الاجتماعية والأمنية والصحية وانتشار العمالة غير النظامية والبطالة واعتبارها بيئة مناسبة للإجرام والمجرمين والخارجين عن القانون.
وقد أكد سموه على ذلك عندما قال في تصريح صحفي بأن (مشروع العشوائيات أول مشروع رفعه للقيادة الكريمة بعد أن تشرف بخدمة هذه المنطقة ووجد من ولي الأمر آنذاك خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله - كل العناية والاهتمام وتجسد ذلك بتشكيل لجنة برئاسة سمو ولي العهد آنذاك صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز -رحمه الله - وعدد من الوزراء).
وحول هذا المشروع النوعي والضخم الذي لم يسبق له مثيل في تاريخ المملكة العربية السعودية والذي وصفه سموه منذ إعلان تفاصيله عام 1433هـ بأنه من أكبر المشاريع التطويرية على مستوى العالم إنسانياً، وأمنياً، واجتماعياً، واقتصادياً، وصحياً وتعليمياً وثقافياً ويراعي تطور الإنسان في المناطق العشوائية سواء من السعوديين أو المقيمين، وبعد أن كثر الحديث وثارت العديد من التساؤلات، بل والشكوك حوله بين عامة الناس ومدى جدواه ومراميه وأهدافه خصوصاً مع دخوله المرحلة التنفيذية وصدور الأوامر الملكية السامية قبل عدة شهور من هذا العام 1443هـ بإزالة أغلب هذه الأحياء العشوائية بالأراضي المقدسة مكة المكرمة ومحافظة جدة، ورغبة من كاتب هذه السطور في تبيان وتسلسل مراحل هذا المشروع وإيضاح بعض مما علمه وعايشه من تفاصيل وحقائق رصدها أولاً بأول كباحث إعلامي ومن واقع نشاط وتصاريح سمو الأمير خالد الفيصل الصحفية ورغبة في مشاركتها مع قرائنا الكرام ليكونوا في قلب الصورة وندع الحقائق هي التي تتحدث عن نفسها فإنني سأختصرها في النقاط التالية:
- بعد كارثة أمطار وسيول جدة التي وقعت بتاريخ 22 صفر1432هـ نشأت الحاجة وبتوجيهات القيادة السامية الكريمة آنذاك إلى الإسراع في معالجة أسباب تلك الكارثة التي ذهب ضحيتها عدد من أرواح الأبرياء بسبب البناء العشوائي في مجاري الأمطار والسيول، وتم على أثره فتح ملف (الأحياء العشوائية) التي تقدم بها سمو الأمير خالد الفيصل، وكما أشرنا سابقاً في مستهل توليه مسؤولية إمارة منطقة مكة المكرمة.
- لقد انطلق المشروع باهتمام من سموه الكريم وبعد دراسات مستفيضة واستشارات من ذوي الرأي والاختصاص ووضع له القواعد المنظمة التي عرفت بلائحة تطوير الأحياء العشوائية التي تم إقرارها من المقام السامي وبدعم واهتمام كبير من القيادة الرشيدة وهو ما أكده سموه أكثر من مرة فقال في تصريح صحفي سابق: (بأن القيادة حريصة على تسريع معالجة أوضاع الأحياء العشوائية من خلال التنفيذ المتزامن لمشاريع التطوير في مدن المنطقة الرئيسية مكة المكرمة وجدة والطائف وفقاً للأنظمة ولوائح تطوير الأحياء العشوائية).
وبعد أن تشكلت لجنة المشروع العليا برئاسة سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز رحمه الله -كما أشرنا سابقاً - تشكلت اللجنة التنفيذية برئاسة سمو الأمير خالد الفيصل وبعدد من اللجان العاملة ومنها اللجنة الأمنية: التي تهتم بتعديل الأنظمة الحالية الخاصة بالتعامل مع مخالفي نظام الإقامة من ناحية تصحيح أوضاع بعض المقيمين وتطبيق الأنظمة على المخالفين الجدد.
اللجنة الاجتماعية: التي تتولى إجراء المسح الميداني الاجتماعي والاقتصادي في المناطق العشوائية للتعرف على أعداد المواطنين والمقيمين وأوضاعهم في تلك المناطق وتنفيذ حملة إعلامية لتبصير المستهدفين بالإجراءات التي تنوي الحكومة اتخاذها لحل مشكلات الإقامة بالتنسيق مع وزارة الداخلية.
اللجنة الفنية: وتختص بحصر المناطق العشوائية وتصنيفها وفقاً للمنهجية وأسس التطوير وتنفيذ برامج متعددة لتوفير الإسكان بالتعاون مع الهيئة العامة للإسكان، إضافة لتأهيل الشركات المطورة ووضع المعايير اللازمة لذلك.
وكان من الطبيعي والمنطقي أن يتعرض مثل هذا المشروع الضخم إلى الكثير من العقبات والعراقيل التي أعاقت من سرعة تنفيذه كما أفصح عنه سموه الكريم في لقائه بالإعلاميين والكتاب بجدة لعرض مستجدات مخطط منطقة مكة المكرمة بتاريخ الاثنين 15 صفر 1433هـ عندما قال: (إن مشروع تطوير العشوائيات يواجه حملة خفية لإفشاله من قبل أناس مستفيدين ومنتفعين من بقائها كما هي عليه ويسعون لمصالحهم الشخصية ويضعونها فوق كل اعتبار)، كما أوضح سموه قائلاً: (إن صاحب المبنى في الحي العشوائي سواء كان ساكناً أو مالكاً له ثلاثة اختيارات الأول أن يقبل التعويض من اللجنة الحكومية التي تقدر الدولة ولذلك فله أن يستلم التعويض وان يشتري خارج مكانه الحالي، والخيار الثاني أن يقبل بمكان آخر يهيأ له للسكن فيه يكون مماثلاً لمكان سكنه الحالي وإذا كان أكبر مما تم تقديره لمبناه فعلى الشركة أن تكمل المبلغ، والخيار الثالث أن يستثمر في الشركة ويصبح مالكاً فيها من الملاك واعتقد أن لا أحد تم تخييره إلا في هذه المشاريع).
- في يوم السبت 26 ربيع الأول 1433هـ - 18 فبراير 1918م ومن اهتمامه بالتأصيل العلمي لهذا المشروع ودراسة كافة جوانبه وأساليب التعامل مع هذه المناطق رعى سموه توقيع عقد إنشاء كرسي الأمير خالد الفيصل لتطوير المناطق العشوائية بمنطقة مكة المكرمة بجامعة أم القرى والذي قال عنه سموه: (إن هذا الكرسي سيكون عاملاً مهماً في معالجة مشكلة المناطق العشوائية في منطقة مكة المكرمة، وموضحاً بأن مشاركة القطاع الخاص في هذا المجال لا يعني أن الدولة عاجزة وإنما لتشجيع أصحاب الأموال للاستثمار في بلدهم بدل الهجرة للخارج مؤكداً بأن هذا المشروع ليس مشروع هدم وبناء منازل أخرى، بل مشروعاً إنسانياً له علاقة بالفرد والمجتمع في هذه المدن، وأنه ليس بالسهولة التي يظنها البعض).
- في 11 ربيع الأول 1433هـ سلَّم سموه بمقر الإمارة بجدة مفتاح أول وحدة سكنية بديلة ضمن مشروع معالجة وتطوير حي الرويس لمواطنة حصلت عليه من الشركة المطورة وقال سموه بهذه المناسبة: (أتحدث باسم الملك وسمو ولي عهده نحن هنا لخدمتكم وخدمة جميع أهالي الأحياء العشوائية وأنا أتشرف بهذه اللحظة كثيراً فهي تعني فتح الباب لحياة جديدة لأهالي الأحياء العشوائية).
- في شهر جمادى الأولى عام 1433هـ رأس سموه الاجتماع التاسع للجنة التنفيذية لمعالجة العشوائيات ضمن اجتماعات اللجنة المستمرة وأعلن سموه أن عدد الأحياء العشوائية المستهدفة بلغت (112) حياً منها (60) حي في مكة المكرمة و(52) حي في محافظة جدة، كما عقد سموه عقب ذلك وفي نفس الشهر مؤتمراً صحفياً بمقر محافظة جدة وضع فيه النقاط على الحروف، مؤكداً أن مشروع تطوير العشوائيات مشروعات تنموية وليست تجارية ومجيباً على أحد التساؤلات حول شح المعلومة الدقيقة التي يحتاجها الإعلامي لتبيان الحقائق حول هذا المشروع، مؤيّداً بذلك صاحب التساؤل وموضحاً أن إدارة العلاقات والدراسات بالإمارة مستعدة لتلبية جميع طلبات الإعلاميين وتهيئ لهم كل ما يحتاجونه من مقابلات مع المسؤولين أو معلومات أو زيارات ومشدداً على عدم الاعتماد على الشائعات التي تضر الوطن والمواطن).
- ومع حلول عام 1435هـ صدر القرار الملكي بتعيين سمو الأمير خالد الفيصل وزيراً للتربية والتعليم وبعد أن أكمل بهذا العمل (14) شهراً عاد سموه وتحديداً في 1436هـ وباختيار من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله - لاستكمال مشاريعه وخططه الإستراتيجية التي بدأها في منطقة مكة المكرمة إضافة لعمله كمستشار لخادم الحرمين الشريفين، وبعد عودة سموه عادت عجلة التنمية بالمنطقة لدورانها من جديد على يد طبيبها الحاذق الأمير خالد الفيصل الذي وضع يده من قبل على مواجعها وشخَّص كل الأمها ومعاناتها المستمرة وكان من أول الملفات التي باشر العمل بها ملف العشوائيات الذي أعاد له حيويته من جديد وبما يترجم رؤية القيادة السعودية لمنطقة تستحق التميز بتراثها الحضاري الأصيل.
ولا يخفى أولاً وأخيراً على الجميع أن سمو الأمير خالد الفيصل وكما عُرف عنه بأن أفعاله تسبق أقواله وهو شخصية تمتلك حسن الإدارة وصلابة الإرادة وكما نجح في الأربع السنوات الأولى من تعيينه في تخليص أهالي محافظة جدة من أهم وأخطر مشاكلها المزمنة وتحقيق أغلب مطالبهم المتمثلة في تجفيف بحيرة المسك، ومشروع درء مخاطر الأمطار والسيول، ومشروع الصرف الصحي، ومردم النفايات، فهو -بعون الله وتوفيقه ومساندة القيادة الرشيدة وتعاون رجال الأعمال والمواطنين -قادر على جعل المنطقة ومحافظة جدة قادمة بثوبها ووجهها الحضاري الجديد كما صرح سموه بذلك في إحدى مناسبات جدة التطويرية التنموية.