م. عبدالعزيز بن محمد السحيباني
خلق الله الأرض واستخلف الإنسان فيها وسهل له سبحانه وتعالى سبل العيش ومن أهم وسائله النقل ووسائطه ومن أهم وسائط النقل التي أوجدها الله للإنسان في الأرض المحيطات والبحار والأنهار حيث تتميز بوجود المياه السائلة ذات القدرة على حمل السفن والبواخر. ولنا أن نتصور حال التبادل التجاري والاقتصادي ونقل البضائع في حالة عدم وجود المحيطات والبحار التي تشغل أكثر من 75 في المائة من مساحة الكرة الأرضية، وذلك بين القارات المتباعدة فلو كانت المسافة التي يشغلها المحيط الهادئ يابسة فكم من الشاحنات أو حتى الطائرات لنقل جزء بسيط مما تنقله باخرة تستوعب مئات الآلاف من الأطنان وكيف سنقوم بتصدير النفط إنها مهمة تبدو شبه مستحيلة وسيكون البديل عن النقل البحري باهظ التكاليف بحيث يلتهم جميع ما تنتجه البضاعة من ناتج محلي وسيلغي ذلك التبادل التجاري بالسلع الضخمة, فالبحار نعمة عظيمة من الله سبحانه وتعالى لا نتصور كيف ستكون حال الأرض والعالم بدونها فهي وسيط للنقل البرى تماما كما هي الطرق المسفلتة للسيارات فكذلك المياه في البحار هي المادة التي تسير السفن وكم من الجهد يتطلب شق قناة قصيرة تربط بين بحرين متقاربين كما تم في حفر قناة السويس ويسهم النقل البحري بما نسبته 90 في المائة من التجارة العالمية وتظهر اهميته في المسافات البعيدة التي تربط بين القارات فبدونه لا نتصور كيف سيتم نقل البترول إلى أمريكا وشرق آسيا وكيف سنستورد المعدات الضخمة والسيارات ومواد البناء. وقد أشار إلى هذه الميزة التي غفلنا عنها الخالق سبحانه وتعالى في كتابه الكريم إذ يقول سبحانه اللَّهُ الَّذِي سخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) سورة الجاثية، وهذه الآية تحدد الهدف الأساسي من خلق البحار وهو أن تكون وسطا لتجري فيه السفن والبواخر.
القنوات وأثرها الاقتصادي
توجد مسافات فاصلة بين مسطحات مائية كبيرة ترك الله سبحانه وتعالى لعقل الإنسان التفكير فيها وذلك لأنه استخلفه في هذه الأرض وجعلها له ذلولا وأمره بطلب الرزق وهذه الأفكار والمشاريع هي التي تظهر لنا نعمة الله علينا بهذه البحار وهي التي تجلو عقولنا وتعرفنا بهذه النعمة العظمى فكم من الوقت سنحتاج لحفر المحيطات لو كانت يابسة إنها مهمة مستحيلة ولكن نعمة الله عظيمة فقد أوجد لنا سبحانه وتعالى كل شيء وأمرنا بإعمال أفكارنا وعقولنا للربط بين هذه الأشياء ومن ذلك الربط بين البحار لتكون الفائدة منها متحققة بشكل كبير ولنا أن نتصور كم سيختصر من الوقت والجهد رابط صغير بين بحرين متقاربين فلا شك أن ذلك سيكون عاملا مهما في انخفاض سعر السلعة المنقولة وقد يكون سببا في تصنيعها أصلا وسيكون عاملاً من عوامل النمو والتطور والرخاء على مستوى وأهمية هذا الرابط.
قناة السويس وهارون الرشيد
يروي المؤرخ الاسلامي الكبير المسعودي في كتابه مروج الذهب «إن هارون الرشيد (ت 193 للهجرة) أراد أن يوصل ما بين بحر الروم (البحر الأبيض المتوسط) وبحر القلزم (البحر الأحمر) فقال له يحيى البرمكي: إن فعلت فسيختطف الروم الناس من الحرم وتدخل مراكبهم الحجاز» وتعليل البرمكي يدل على تفكير استراتيجي ولكن ثبت بعد إنشاء القناة بعد 1000 عام خطأ هذا التحليل وهذا دليل على أن بعض المشاريع الهامة نتخوف منها لتعليل قد لا يحصل ثم يبادر اليها غيرنا وتكون له اليد الطولى كما حصل مع قناة السويس التي سيكون حفرها على عهد هارون الرشيد مشروعا عالميا اسلاميا بامتياز ربما يتغير بسببه التاريخ.
وفكرة هارون الرشيد تدل على وجود التفكير الاستراتيجي لدى المسلمين فكيف عرف أن منسوب البحار واحد وكيف عرف الاهمية الاستراتيجية لهذه القناة دون دراسات وحسابات؛ والغريب انه تم تنفيذ هذه الفكرة بعد حوالي 1000سنة وكان لهذه القناة أثر كبير جدا في النمو والتطور وحفرت يدويا وبدون آلات حفر وبدئ بحفرها في شهر ابريل عام 1859وانتهى حفرها في شهر نوفمبر عام 1869 ويبلغ طولها 193كم أي أن حفرها استغرق 10 سنوات ولاحظوا أن جميع الأعمال تمت يدويا وقبل اختراع الآلات الحديثة وهذا دليل سهولتها على الرغم من انه استخدم لحفرها مئات الآلاف من العمال وهلك فيها ما يزيد عن 120.000 عامل وهذا دليل اهميتها الاستراتيجية قبل عصر النفط ومن توفيق الله انها في أرض ذات طبوغرافية سهلة (رمال) وإلا لكان من المستحيل حفرها يدويا حيث يحتاج ذلك إلى طاقة هائلة، تتوفر حاليا ولكنها ذات تكلفة عالية.
ويوجد قناة أخرى يمكن حفرها شبيهة بقناة السويس ولكنها قناة تصل بين خليج مغلق (الخليج العربي) وبحر العرب فكرة قناة تربط الخليج مع البحار المفتوحة.
الخليج العربي يعد أحد البحار المغلقة تماما كما هو البحر المتوسط قبل ربطه مع البحر الأحمر عبر قناة السويس، وبما أن الخليج مصدر هام للطاقة لجميع أنحاء العالم وهو مصدر رخاء اقتصادي عظيم لدول الخليج العربي فلابد من تصدير ما ينتجه من نفط بسهولة في جميع الاتجاهات بدلا من الاتجاه الواحد، وقد أنشئ قبل حوالي نصف قرن من الزمان مشروع مهم لتصدير نفط الخليج إلى البحر المتوسط عبر خط انابيب (التابلاين) حيث يتم ضخ النفط حتى يصل لميناء التصدير على البحر المتوسط، وقد تعطل هذا الخط بسبب احتلال فلسطين.
وهناك عدد من المسارات التي تربط الخليج مع البحار المفتوحة ولكل مسار من هذه المسارات ظروفه الطبوغرافية والمكانية التي تحدد إمكانية تنفيذ القناة عبره وهي كما يلي:
1- قناة (الخليج - البحر المتوسط)
هذا المسار يمتد عبر شمالي الجزيرة العربية ويخترق هضبة الدبدبة وتنفيذ قناة عبره يبدو شبه مستحيل وذلك لوجود مناطق مرتفعة عن سطح البحر يصل ارتفاعها إلى ألف متر وهذا الارتفاع عبارة عن مناطق صخرية تتطلب جهدا هائلا لإزالتها ولا شك انه أفضل المسارات ولكن ارتفاع منسوبه يجعلنا نصرف النظر عنه.
2- قناة (الخليج - البحر الأحمر)
هذا المسار يربط الخليج العربي من أي نقطة منه إلى البحر الأحمر الواقع غربا عنه عند أي نقطة فيه وذلك على امتداد اكثر من الفي كيلو متر وبداية هذه المسارات كلها ذات منسوب مناسب لحفر القناة بالقرب من الخليج العربي حتى وسط صحاري الجزيرة العربية، ثم تواجه عقبة كأداء وهي سلسلة جبال السروات التي ترتفع لأكثر من الفي متر عن سطح البحر (أي أن عمق الحفر في صخور بركانية ونارية صلبة يزيد على 2كم ارتفاعا) وهذا ما يجعل من هذا الخيار سابع المستحيلات حتى في حالة عدم وجود جبال السروات وذلك نظرا للأعماق الكبيرة التي تتطلبها هذه القناة والتي يتجاوز عمقها عمق المياه الجوفية في هضبة نجد وما غربها وفي شمال الجزيرة وجنوبه.
3- قناة (الخليج - بحر العرب)
هذا المسار هو الخيار الثالث الذي يمكن دراسته حتى وان كان غير مجد بالنسبة للخيارات الأخرى، ولكن الهدف من طرحه هو إيجاد منفذ احتياطي لتصدير النفط بديلا (لمضيق هرمز) الذي تقع معظم سواحله في أراضي إيران كما تقع عليه جزر إيرانية أو محتلة من قبل إيران مما يجعل هذا المضيق مرتهنا لأي طارئ كالحروب.
مسار القناة المقترح
القناة المقترحة تعبر الربع الخالي مارة بكل من المملكة العربية السعودية وعمان ومسارها كما يلي:
(تبدأ القناة من نقطة على الخليج الغربي قرب منفذ البطحاء الواقع على الحدود السعودية الإماراتية - تعبر رمال الربع الخالي غرب الحدود السعودية الإماراتية - تدخل في عمان شرقا من مدينة صلالة - تصل إلى بحر العرب في السواحل العمانية).
وقد تم اختيار هذا المسار نظرا للعوامل الآتية:
1- هذا المسار هو أنسب المسارات من حيث طبوغرافية الأرض والذي يصل بين الخليج العربي وبحر آخر مفتوح متجاوزا مضيق هرمز، حيث يمتاز هذا المسار بمروره بالكامل برمال الربع الخالي الذي يشتهر بعروقه العالية في هذه المنطقة التي تعرف بعروق (الشيبة) و(عروق كدن).
2- المنسوب في أجزاء كبيرة من هذا المسار إما مساو لسطح منسوب البحر أو أقل منه حيث إن بداية هذا المسار انطلاقا من الحدود السعودية الإماراتية كان في السابق بحرا من المياه انحسر تدريجيا، كما أن في الربع الخالي على امتداده مناطق تمتد لعشرات الكيلومترات عباره عن (سبخات) وهي مناطق مساوية لسطح البحر تطفو عليها الأملاح بسبب جفاف مياه البحر فيها وبقاء الاملاح، كما توجد في بعض المناطق (بحيرات ملحية) تعتبر جزءا من البحر ويبدو لي أن السبب في ذلك انخفاض منسوب سطح الأرض في هذه البحيرات عن منسوب سطح البحر وارتفاع المياه في بعض المناطق الرملية جاء بسبب الخاصية الاسموزية للرمال، وهذا دليل على أن حفر القناة لا يتطلب عمقا في كثير من الأجزاء يزداد عن العمق المطلوب لغاطس السفن والبواخر أي لعمق لا يزيد على 30 مترا، أما في المناطق ذات الكثبان الرملية العالية فلا يحتاج العمل على شق القناة إلى حفارات تدك صخورا ولا إلى مواد تفجر جبالا من الصخور ولا حتى إلى قلابات تنقل نواتج الحفر لا يتطلب العمل سوى إزاحة لأكوام الرمال من درب القناة المقترح وذلك بواسطة البلدوزرات التي يمكنها إزاحة كثبان الرمال العالية وكذلك السكريبرات التي تنقل كميات هائلة من الرمال إلى مواقع قريبة في زمن قياسي وبما أن المياه السطحية قريبة فيمكن استخدام تقنية جديدة وهي إهالة كثبان الرمال العالية بواسطة خراطيم مياه ذات الدفع القوي.
الأبعاد الهندسية للقناة المقترحة:
الطول= 450كم وذلك عبر سبخات وكثبان رملية.
العمق= 23م.
العرض= 120م.
وتم تحديد العرض بناء على وجود خطين ملاحيين ذهابا وإيابا.
وتم تحديد العمق بناء على العمق اللازم عالميا لغاطس السفن وهو مشابه لعمق قناة السويس.
ومن هذه الأبعاد يمكن حساب الكميات اللازمة للحفر وبالطبع لا يمكن تحديد هذه الكميات بناء على رفوعات مساحية وخطوط كنتورية للأرض الطبيعية شاملا ذلك.
الكثبان الرملية وارتفاعاتها والسبخات ومساراتها
الكميات اللازمة لحفر القناة=450000×50×120= 2.7 مليار متر مكعب من الرمال
التكاليف التقريبية= 5 مليارات.
وهذه التكاليف يمكن استردادها من العوائد الاقتصادية للقناة وإن كانت بشكل غير مباشر فبالطبع لا يمكن فرض رسوم للعبور حيث انه يوجد بديل للقناة وهو مضيق هرمز كما أنها خاصة بدول الخليج وهناك عوائد أخرى لهذه القناة وخاصة في المجالين السياحي والزراعي سأتحدث عنها لاحقا.
3- مسار السفن وناقلات النفط المنطلقة من الخليج العربي تتجه نحو (مضيق هرمز) الذي يقع في منطقة نائية حيث تتجه في مسار إجباري شرقا لمسافة تقترب من 600كم حتى تصل المضيق ثم تتجه مرة أخرى غربا للخروج من المضيق بمسافة مماثلة وذلك للدخول إلى بحر العرب والمحيط الهندي ومن هذه السفن ما يتجه شرقا نحو دول جنوب شرق آسيا ومنها ما يتجه غربا ومن ثم الدخول في مضيق باب المندب والبحر الأحمر ثم قناة السويس أو في مسار معاكس للناقلات الفارغة أو المحملة بالمستوردات, وإذا قسنا المسافة المنطلقة من بداية القناة المقترحة حتى نهايتها عبر مياه الخليج العربي لوجدنا أن نسبة المسافة المختصرة عبر القناة المقترحة=82 في المائة وهذا الاختصار الهائل للمسافة سوف يسرع من وصول الشحنات والمواد وبالتالي اختصار تكاليف النقل ومن ثم انخفاض سعر المواد المستوردة.
4- لابد من وجود منفذ احتياطي لمضيق هرمز في حالة إغلاقه لأي سبب حتى لو كان احتراقا لناقلة في المضيق حيث لا يمكن مرور أكثر من سفينة فيه ذهابا وايابا.
وهذا المضيق يشهد اكثر حركة ملاحة في العالم حيث تمر عبره ناقلة كل 6 دقائق ولهذا فإن القناة المقترحة ستكون متنفسا للخليج العربي وتخفيفا للضغط الهائل على مضيق هرمز ويمكن أن تستخدمها بسهولة السفن المتجهة إلى مضيق باب المندب، بينما تستخدم مضيق هرمز السفن المتجهة إلى جنوب شرق آسيا.
القناة كمتنفس سياحي
تمر القناة المقترحة عبر رمال الربع الخالي الذي يشمل كثبانا رملية ذات مناظر جميلة وخلابة ولاشك أن سواحلنا تفتقر إلى المناطق الرملية حيث تمتلئ السواحل بالمصانع والمدن الصناعية، وبالتالي فإن هذه القناة ستكون ملاذا متميزا للاستثمار السياحي في صحراء الربع الخالي من خلال إنشاء منتجعات سياحية حول خلجان مائية تتفرع من هذه القناة، وتأسيس لرياضة التزلج على الرمال بعيدا عن ضوضاء المدن وستدر الحركة السياحية بدون شك دخلا كبيرا يغطي تكاليف انشاء القناة التي يجب أن تكون مشروعا خليجيا مشتركا يرعاه مجلس (التعاون الخليجي).
حماية القناة من الرمال
لاشك أن القناة ستواجه بمشكلة الرمال الزاحفة والكثبان التي تتنقل بالرياح عبر صحراء الربع الخالي ولكن يمكن أن يتم تبني مشروع اقتصادي يمكن من خلاله حماية القناة من هذه الرمال وذلك بزراعة (أشجار ونباتات مقاومة للملوحة) على ضفاف هذه القناة في صحراء الربع الخالي ومن الممكن تحويل هذه النباتات والاشجار إلى مشروع زراعي اقتصادي يمكن أن يكون داعما رئيسيا لخفض استنزاف المياه الجوفية وذلك من خلال زراعة النباتات والاشجار التي هي مصدر للأعلاف التي يتم استنزاف المياه الجوفية لزراعتها حيث تستهلك زراعة الأعلاف سنويا ما يزيد عن 17 مليار متر مكعب من المياه, وقد يقول البعض لماذا لا نزرع ما تقول على ضفاف البحار فأقول إن القناة تتميز بميزتين لا توجدان على ضفاف البحار وهما:
أ- البعد عن رطوبة البحار التي تعيق نمو كثير من النباتات.
ب- خصوبة أراضي الربع الخالي وكثبانها الرملية حيث إن ضفاف البحار غالبا هو أراض سبخة انحسر عنها البحر أو شديدة الملوحة بحيث تعيق نمو الأشجار.
وما يميز الرمال هو أنها لا تحتجز الأملاح كالأراضي الطينية التي تحتجز كميات هائلة من الأملاح التي لا تنبت شجرا.
وما سأتحدث عنه باختصار هو زراعة الأشجار التي تقاوم الملوحة (بمعنى أن تركيز الأملاح فيها أعلى من تركيزه في التربة الحاوية لجذورها) وبالتالي فهي لا تفقد المياه, وبعض من الأشجار منحها الله خاصية التخلص من الأملاح من خلال أوراقها.
وميزة أخرى فريدة للربع الخالي هي عدم وجود حاجز بينه وبين الخليج العربي كالسلاسل الجبلية التي توجد على ضفاف كثير من بحار العالم.
كيف يمكن أن تكون مياه الخليج المالحة مصدر الأمن الغذائي؟
أجزم أن الكثيرين سيتعجبون من مثل هذا الطرح بل سيستهجنونه وذلك لأنه خارج عن المألوف المتعارف عليه، ولكن أقول لماذا نحن دائما نقف أمام كل ما لا نعرفه ولا نكلف أنفسنا ولا حتى عناء البحث عن الحقيقة حتى ولو كانت المسافة التي تفصلنا عنها شبرا واحدا, فكثير من الدول التي نستورد منها (الشعير) الذي يمثل سلعة إستراتيجية مهمة تزرعه بمياه البحر وتصدره الينا في حين توجد لدينا بيئة أنسب لزراعته ولا نقدم على ذلك ونظل مستهلكين بشراهة وبشراسة لكل شيء والطامة الكبرى هي إذا لم نجد مصدرا نستورد منه لاشك أننا سنندم كيف لم (نكيف أنفسنا مع بيئتنا الصحراوية, وكيف أنفقنا على جامعاتنا ومراكزنا البحثية المليارات ولم تكلف نفسها عناء البحث الذي نفذته دول كثيرة بإمكانات أقل ولماذا لم توجد حلول لمشاكلنا وأسئلتنا التنموية الملحة تركتنا رهينة الاستيراد لكل شيء حتى لإبر الخياطة وأعواد الثقاب).
ساستعرض هنا بعضا من النباتات والاشجار التي تعيش على أشد المياه ملوحة ويمكن لنا بإمكاناتنا المادية وجامعاتنا أن نحولها إلى ما يلي:
أ- مصدر للعلف الحيواني وبالتالي الامن الغذائي.
ب- مصدر للحطب وبالتالي ايقاف الاحتطاب الجائر ومن ثم إيقاف التصحر.
ج- مصدر لسلعة مهمة جدا وهي العسل.
وبالتالي حولنا مياه البحر المالحة إلى مصدر نماء وأمن غدائي وحفاظ على البيئة من خلال قناة السبب المباشر لوجودها هو ممر (احتياطي للسفن المغادرة للخليج العربي).
وها هي الاشجار والنباتات التي سبقتنا كثير من الدول وزرعتها بمياه البحر.
1- الشعير
بلادنا أكثر بلاد العالم استيرادا للشعير وذلك لأنها مصدر تغذية للابل والاغنام التي هي مصدر للحوم الحمراء وخاصة الأضاحي والهدي للحجاج, وتحصل سنويا أزمات عند توزيعه بسبب شحه أو نقص إنتاجه أو حصول جوائح في الدول المصدرة له أو حروب.
ويعد الشعير من أشد النباتات مقاومة للملوحة وقد اثبتت الدراسات أن الهكتار الواحد من الشعير ينتج نحو اربعة أطنان من الحبوب عندما يروى بمياه تساوي ملوحتها نصف ملوحة مياه البحر, وفي الولايات المتحدة تم انتخاب صنف من الشعير يتحمل الري بماء البحر وكان إنتاج الهكتار الواحد نصف طن، ولهذا فإنني أسوق اقتراحا لزراعة هذا الصنف من الشعير في المناطق المنخفضة التي تمر بجوارها القناة المقترحة وذلك من خلال تفريعات (ترع) تشابه ترع النيل في مصر وأجزم أننا بحاجة إلى مئات الهكتارات لزراعة الشعير ولكن مادام أن الأرض متوفرة (الربع الخالي) الذي ترك للرمال (تغني) فيه أهازيجها، وماء البحر الذي لا يشربه ولا حتى الحيوانات ها هي نعمة الله علينا بمقدرتنا على زراعته بهذه المياه فهل نفعل ونوفر مليارات الريالات التي تدفع لاستيراد آلاف الأطنان سنويا من الشعير وسيكون له آثار تتمثل فيما يلي:
أ- إيقاف هدر المياه الجوفية التي يمثل استهلاك الأعلاف منها أكثر من 85 في المائة حيث إن هذا الهدر هو لزراعة آلاف المزارع بالبرسيم الذي يباع علفاً للأغنام والإبل مما يرفع من أسعارها بسبب التكاليف الكبيرة لزراعة الأعلاف وحصادها، وإذا تمكنا من زراعة الشعير بمياه البحر (من خلال انتخاب صنف ذي محصول وفير يناسب مياه البحر) فسنحصل على الحبوب والأعلاف المتمثلة في أعواد الشعير وأوراقه خضراء وجافة حيث يمكن أن ينمو الشعير مرة أخرى بعد حصاده أما الجافة فيمكن نقلها على شكل بالات إلى أي مكان وتوجيه جزء من هذا الهدر لزراعة أشجار صحراوية اقتصادية في استهلاك المياه مثل النخيل التي أدعو (وبقوة) إلى التوسع في زراعتها فهي قدرنا وهي غذاؤنا وثروتنا القومية التي يمكن أن تكون بديلا عن النفط.
ب- خفض أسعار اللحوم الحمراء التي يرتفع سعرها بسبب ما تم ذكره سابقا من ارتفاع تكاليف الأعلاف، وبسبب استيراد ملايين من الأغنام سنويا عند كل موسم حج.
2- القمح وحرب أوكرانيا والأمن الغذائي
يمتلك القمح مقاومة ضعيفة للتملح ولكن بعض النباتات من نفس عائلته تتحمل ملوحة أعلى من ملوحة مياه البحر ويمكن تهجينه معها لإنتاج صنف عالي المقاومة للملوحة وأتمنى أن تقوم مراكزنا البحثية بذلك فمن نستورد منهم القمح ليسوا بحاجة اصلا للزراعة بمياه البحر فمياه الأنهار تجري من فوقه ومن تحت ارجلهم وتصب في البحار وفي حالة الوصول الى (انتخاب) هذا الصنف من القمح فسيكون ذلك فتحا للعالم وسيكفينا فاتورة استيراد القمح خاصة بعد الأزمات التي شهدناها ومنها جائحة كورونا وحرب (روسيا- أوكرانيا) ومنع بعض الدول تصدير قمحها وهذا سيشكل أمنا غذائيا مستداما.
3- حشيشة الملح
وهذه النبتة تتحمل ملوحة تعادل ضعف ملوحة مياه البحر وينتج الهكتار الواحد منها (20طنا) من الأعلاف, ولو لم يمكن زراعة إلا هذه النبتة بمياه البحر فستكون هذه القناة هدية مجانية (رغم تكاليفها) وذلك لان هذه الأعلاف ستوقف هدر مياهنا واستنزافها فلماذا نصر على الشعير رغم تكاليفه التي تقترب من القمح ورغم أنه لا يبنى في المواشي إلا الشحوم.
4- السمر
وهو نبات يمكن زراعته على الشواطئ ويتميز بأنه شجر صحراوي يتحمل الحرارة ويروى في أول زراعته بالمياه المالحة وحيث إن الزراعة هي في رمال فلن تتراكم الأملاح عليها والمشكلة ألأساسية ليست في المياه المالحة ولكن في تركز الأملاح في التربة وانتقال المياه (حسب الخاصية الأسموزية) من الأقل تركيزا (جذور الأشجار) إلى الأعلى تركيزا (التربة المالحة المحيطة بالأشجار) وبالتالي جفافها.
وشجر السمر تضرب جذوره في الأرض بحثا عن الرطوبة وتتميز الأجزاء الجنوبية من الربع الخالي بالأمطار الموسمية، وأدعو إلى التوسع في زراعته وذلك للفوائد.
أ- استخدامه كمصدات للرياح الزاحفة نحو القناة (المقترحة) وذلك بزراعة شريط بجانب القناة بعرض لا يقل عن 100متر على جانبيها وريه خلال أول سنتين إما يدويا بمياه مالحة (الرمال فلتر طبيعي للأملاح) أو من آبار مياه سطحية بجانبي القناة (حيث إن عمق المياه السطحية قريب جدا) وذات ملوحة أقل من ملوحة مياه البحر بكثير.
ب- أجود انواع العسل يمكن إنتاجها من زهور نبات السمر وعلى هذا فإنه يمكن تنفيذ مشروع (عالمي) لإنتاج العسل الممتاز من هذه المنطقة حيث لا تقع بعيدا عن منطقة العسل الحضرمي الذي هو أجود أنواع العسل وله شهرة عالمية وأعني بذلك مناسبة المناخ والظروف الجوية حيث تمتاز منطقة جنوب الربع الخالي بالأمطار الموسمية.
ج- أجود أنواع الحطب هو حطب السمر وينبت في جبال السروات وما شرقها ويتم قطعه من باعة الحطب وتوريده إلى سكان المجن حيث إن خشبه ممتاز جدا للتدفئة (رائحة زكية وبدون دخان) وبهذه القناة يمكن أن نوقف الكثير من مظاهر الاحتطاب الجائر الذي حصل بسببه أزمة العام الماضي بعد منع بيع الحطب.
5- المانجروف
تمتاز سيقان المانجروف بأنها مجوفة بحيث تسمح بوصول الهواء إلى الجذور المغمورة بالمياه، كما أنها تتخلص من الأملاح بطرحها من خلال غدد موجوده على أوراقها ولهذا فنحن نرى هذه الأشجار خضراء يانعة الخضرة كثيفة الأوراق على ضفاف البحار وبهذا يمكن أن تكون حاجزة للرمال
أرأيتم كيف يمكن تطويع مياه الخليج المالحة وصحاري الربع الخالي القاحلة إلى مصدر للأمن الإستراتيجي وأمن النقل والأمن الغذائي والأمن المائي من خلال وقف استنزاف المياه الجوفية ومصدرا للأمن البيئي من خلال تأمين الحطب من أشجار السمر أو البرسوبس التي يمكن زراعتها لحماية القناة من زحف الرمال.
هيئة قناة الخليج
اقترح أن يقوم مجلس التعاون الخليجي ومن خلال (لجنة التعاون المائي) بالمجلس بدراسة هذا المقترح لهذه القناة وتبنيها وتأسيس هيئة مستقلة لتنفيذها وإدارتها وبمساهمة مالية فيها من جميع دول المجلس كمشروع إستراتيجي واقتصادي هام لهذا المجلس وأن تقوم الجهات المسؤولة بدراسة مثل هذا المقترح من الهيئات الخليجية ومنها مجلس التعاون الخليج.