د.عبدالعزيز العمر
ربما لا يكون في هذا المقال من السرد الذكرياتي الشخصي ما يستحق الذكر سوى أنها تتناول حدثاً مرّ عليه ما يقارب من نصف قرن من الزمان. استكمالاً لما سبق لي أن ذكرته في المقال السابق أقول إنني غادرت ذات صباح بيتنا الطيني في حي الشميسي متوجهاً إلى وزارة المعارف لكي أتابع موضوع بعثتي إلى أمريكا للحصول على البكالوريوس، وفي نفس ذات الصباح غادر والدي رحمه الله بيتنا متوجهاً إلى ستيشن الحجاز/ محطة الباصات حاملاً معه جواز سفري، ليركب من هناك الباص المتجه إلى جدة، حيث توجد السفارة الأمريكية، ظناً منه أن السفارة سوف تضع تأشيرة دخولي أمريكا على جواز سفري بمجرد وصوله إلى بوابة السفارة.
وفي ممرات وزارة المعارف اتخذت قراراً حرف تاريخي التعليمي والمهني، وهو العدول عن البعثة إلى امريكا في اللحظة الأخيرة. خرجت من وزارة المعارف بأقصى سرعة ثم استقليت تاكسي، وطلبت من السائق التوجه بأقصى سرعة ممكنة إلى ستيشن الحجاز/ موقف الباصات، لعلي أتمكن من إيقاف سفر والدي إلى جدة. وعندما وصلت إلى موقف الباصات، لمحت من بعيد والدي داخل الباص، وذلك في اللحظة التي كان الباص يغادر المحطة (أي والله)، فطلبت من سائق التاكسي اللحاق بالباص وإيقافه، وفعلاً أوقفنا الباص، ثم صعدت داخل الباص لأزف إلى والدي أجمل خبر في حياته، وهو عدولي عن السفر إلى أمريكا، نزلنا سوياً من الباص، حينها لمح والدي مقهى قريباً، أراد والدي أن يحتفل بهذه المناسبة الجميلة فطلب مني أن ندخل المقهي ونطلب نخباً (براد) من الشاي. وعند العودة إلى بيتنا أخبرت والدتي رحمها الله بعدولي عن البعثة فلاحظتها وهي تكفكف دموع الفرح من عينيها، وكأنني ولدت من جديد.
في المقال القادم أحدثكم عن رفض كليتي العودة إليها لمواصلة دراستي الجامعية التي أنجزت منها سنة واحدة بسبب سحبي ملفي وإرساله إلى الملحقية في أمريكا.