د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتركيا ترسم آفاق شراكة استراتيجية واقتصادية بين البلدين مع رغبة البلدين في تدشين حقبة جديدة في العلاقات وتعزيز التعاون في عدة مجالات.
حيث تجاوز التضخم في تركيا الـ 73 في المائة، بلغ أعلى مستوياته في 24 عاماً، وانخفضت الليرة 44 في المائة في 2021 مقابل الدولار، مما أدى إلى ارتفاع التضخم وتراجعت الليرة في 2022 إلى 24 في المائة، حتى أصبح الدولار يساوي 17.34 ليرة في 2022/6/23، حيث تراجع الاقتصاد التركي من المرتبة الـ 16 بين أكبر الاقتصادات في عام 2015 إلى المرتبة الـ20، وحان وقت سداد ديون تقدر بنحو 183.4 مليار دولار، بينما يتقدم الاقتصاد السعودي إلى المركز الـ16 في 2021 بناتج محلي قدره 833.5 مليار دولار، محققة تقدم مركزين عن عام 2020 حيث كان ترتيبها الـ 18 بناتج محلي 703.4 مليار دولار، وسيتجاوز ناتجها تريليون دولار في نهاية 2022 بعدما حققت السعودية أعلى نمو في العالم يقدر بنحو 9.6 في المائة.
أدركت تركيا أن الأيديولوجيا التي اعتمدتها في الفترة الماضية لن تحقق لها مبتغاها وطموحها العثماني، وأن عليها أن تعود إلى مفهوم الاقتصاد كهدف للتعاون الإقليمي وبشكل خاص مع السعودية وبقية دول الخليج مركز البترول والثروة والنمو من خلال التعاون بين أكبر اقتصادين في المنطقة وهما في مجموعة العشرين.
أتت زيارة ولي العهد لأنقرة لرسم آفاق التعاون المستقبلي، وعزمهما المشترك لتعزيز التعاون في جميع المجالات، وليس فقط في المجال الاقتصادي، بل أيضاً في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية والثقافية، وبتلك الزيارة استعادة العلاقات التاريخية بين البلدين التي بدأت منذ عام 1929 بتوقيع اتفاقية صداقة، ثم توطدت تلك العلاقة بزيارة الأمير فيصل بن عبد العزيز في 1932، ثم أتت زيارة الملك فيصل بن عبد العزيز في 1966، وخلال عامي 2015،2016 شهدت العلاقات السعودية التركية شراكات وتطوراً ملموساً عقدت خمس قمم سعودية وتركية، وبدأت عودة العلاقات بين الجانبين بزيارة قام بها الرئيس طيب رجب أردوغان إلى السعودية في إبريل 2022، بعدما بحث الجانبان سبل غلق كافة الملفات الخلافية والشائكة التي أعاقت العلاقات بين أكبر بلدين في المنطقة أدت إلى ظهور بؤر توتر جديدة هددت أمن البلدين والمنطقة كافة.
ما يعني أن زيارة ولي العهد الشاب الأمير محمد بن سلمان لتركيا أتت بعد مرحلة تفتيت ضربت المنطقة بدأت منذ أحداث 11 سبتمبر 2001 والتي أدت إلى احتلال العراق ومن خلال هذا الاحتلال بدأ النفوذ الإيراني يتمدد من العراق إلى بقية المنطقة العربية، ثم أتت أحداث الانتفاضات العربية عام 2011 التي أدت إلى إلحاق الدمار بالمنطقة، وزيادة تمدد النفوذ الإيراني الذي أتى على أنقاض الخلافات بين الدول الكبرى في المنطقة، بين دول الرباعي العربي من جانب وتركيا من جانب آخر، لكن هذه الزيارة تستعيد تماسك هذه الدول الإقليمية لاستعادة نشاطها وحيويتها لإجبار بايدن عند زيارته في التخلي عن دعم النفوذ الإيراني في المنطقة وبشكل خاص في اليمن الذي يعدجزءاً من المنظومة الأمنية لدول شبه الجزيرة العربية.
ما يعني أن هذه الزيارة تعزز دور السعودية الإقليمي، ويشهد لها طريقة تعاملها الهادئ والقانوني مع التحديات التي مرت بها المنطقة، والمنطقة دفعت ثمن هذا التفتت، وأيقنت تركيا أن الفترة المقبلة هي بحاجة إلى إعادة التماسك والتلاحم مع دول الاعتدال العربي بقيادة السعودية، وأن تحفظ هذه الدول أمنها بنفسها بعيداً عن القوى الكبرى، بل سيكون للمنطقة دور في تشكيل النظام العالمي الجديد الذي سيتشكل على أنقاض الحرب الروسية في أوكرانيا، وباعتراف بلومبرغ أن الأمير محمد بن سلمان يقود تشكيل توازن القوى في الشرق الأوسط.
إذاً جولة ولي العهد في المنطقة تقوم بتشكيل توازن القوى في الشرق الأوسط والتي تستبق زيارة بايدن للسعودية في أن هناك واقعاً جديداً تشكّل بقيادة الشاب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان يفرض نفسه على بايدن في أن السعودية تمثل ثقلاً سياسياً واقتصادياً لا غنى لبايدن عنها في إدارة المنطقة، وهي بمثابة حجر أساس في العلاقات الدولية مع الشرق الأوسط.
فإن ذلك ينبئ بتعاون غير مسبوق بين السعودية وأمريكا لا سيما وأن جولة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان تأتي في وقت محوري، لتنسيق مواقف الدول الإقليمية خصوصاً وأن الصين لها رغبة في انضمام السعودية ومصر والإمارات في مجموعة بريكس التي هي صاحبة أسرع نمو اقتصادي بالعالم، وانضمام تركيا إلى تلك الدول يعيد تشكيل توازن القوى في المنطقة، ومن المؤكد أن تلك الزيارة أكدت على تلك المفاهيم.