عبد الله سليمان الطليان
لقد كانت الحرب العالمية الثانية هي المسرح الذي بدأ فيه ازدهار الدعاية الإعلامية عبر الإذاعات والصحف وحتى التلفزيون، وهناك كتب ومنشورات وأفلام عدة تحدثت عن هذه الدعاية بين الحلفاء وألمانيا النازية ومحور الدول الشيوعية بقيادة الاتحاد السوفيتي السابق. أخذت هذه الدعاية حيزا واسعا في التأثير على الجانب النفسي بين الترهيب والتهويل وتضخيم الحقائق.
في بريطانيا مثلاً كانت القصص المثيرة تستهوي الصحف الجماهيرية الفتية التي باتت تصل إلى كل المدن البريطانية تقريبا والاسكتلندية أيضا إلى حد ما بفضل شبكة القطارات السريعة المنطلقة من لندن. كان إمبراطور الصحافة اللورد نورثكليف يرى أن المواطن البريطاني العادي يتلهف لقراءة (الأقاصيص المثيرة للبغضاء) على الصعيد الآخر، ووفق ما أكده امبراطور الصحافة نفسه، كان تبني النزعات الشوفينية يشجع على تصريف الجريدة، وتحقيق أرباح سخية منها. ودرج أصحاب الصحف على تكليف محررين ماهرين بكتابة قصص تثير الفزع بين المواطنين وتوحي لهم بأن الأعداء على وشك غزو بريطانيا، وكانت الصحف تنشر هذه القصص الملفقة باعتبارها حلقات تقدم للقراء يومياً بشكل مشوق ومختلق وفيه الكثير من المكر، كان فليبس أوبنهيم من أشهر المؤلفين الذين برزوا في هذا، فهو زعم في أحد قصصه المختلفة انه (اكتشف) خطة سرية تهدف إلى تمكين الإمبراطور الألماني الذي هو حفيد الإمبراطورة فكتوريا من جهة الأم - من أن يتخذ من لندن عاصمة ينشر منها مستقبلاً سلطانه على العالم - سرح الخيال بهذا الكاتب فراح يزعم أن 290 ألفاً من الشبان الألمان المدربين تدريبا جيدا على فنون القتال تسللوا إلى داخل الوطن فعلا، ومضى قائلا إن المسؤولين باتوا حيارى لا يعرفون كيفية مواجهة الخطر الداهم، هذا مثال بسيط يبين مدى عمق التحكم في وسائل الإعلام في الماضي والتي تعيش في حاضرنا دعاية إعلامية هائلة تنوعت في وسائلها وأهدافها بتقنية متقدمة، يقف خلفها مراكز أبحاث وهيئات ذات مهنية عالية تقوم بتقديم المادة التي تخاطب الحدث وفق مصلحة قريبة وبعيدة، عادة ما تخدم الأهداف الغربية التي تطمع في فرض الهيمنة بروح استعمارية مخفية على بلدان العالم الثالث.