د. محمد بن صقر
كنت أشاهد مقابلة تلفزيونية لأحد الإعلاميين الخليجيين تحدث فيها عن عدة مواضيع إعلامية وسياسية في منطقتنا العربية, ومن تلك المواضيع التي تناولها الصورة النمطية المرسومة لدى العرب عن أهل الخليج, وأن هذه الصورة والتصور قد تشكلت بمخطط ابتداءً من المنظومات السياسية لتعبر عنها المنظومة الثقافية بأساليب مختلفة وطَرَائِقَ قِدَدًا, فيبثها الأثير الإعلامي لتتلقفها الجماهير العربية وتجعلها بمثابة الحقائق الثابتة التي لابد منها وبالتالي نجدها مدفونة في كتابتهم وخطاباتهم وأقلامهم ومؤلفاتهم، ولعل هذا الأمر يظهر جلياً للمتابع للخطابات السياسية والإعلامية لفترة الستينيات والسبعينيات, وحتى إلى عهد قريب, حيث نجد أن الخطاب الإعلامي السياسي الصادر عن بعض القيادات العربية وموجه إلى أبناء الخليج فيه نفس التسطيح والنعت بالرجعية والتخلف وعدم الوعي ويثار مثل هذا الأمر بين الفينة والأخرى, وفي كل حدث سياسي أو قضية تظهر على السطح يكون لسياسة الخليج وشعوبها موقف فيه, وللأسف الشديد نجد أن من يسوّق لمثل هذه الخطابات ويتهجم هم أبواق مؤجرة ضد الخليج وأهله على الرغم من أن أهل الخليج كان لهم دورٌ في إبرازهم واحتضانهم ولكنهم كرسوا حياتهم لمحاولتهم تغيير الحقيقة التي أبت نفوسهم أن تتقبلها على الرغم من اقتناعهم بها، فنجد مثلاً أحد الشعراء من إحدى الدول أثناء مقابلة مع القنوات التلفزيونية الخليجية ذكر أنه متفاجئ أنه وجد الشعب السعودي كلهم شعراء, وبغض النظر عن السياق الذي ذكر فيه هذا الشاعر أو القصد من ذلك فما يهمنا هو أن الصورة النمطية التي كانت مختزلة لديه هي أن جماهير الخليج وشعوبها يفتقرون إلى مثل هذا النوع من الفن.
إن شعوب الخليج ليست وليدة اليوم وهذه هي الإشكالية لدى كثير من العرب حيث نجد أنهم ينظرون إلى أبناء الخليج على أنهم حديثو عهد وثروة بلا موروث ثقافي أو حضاري وهذا انفصام تفكيري متعمد أكثر منه جهلاً مسيساً يقصد به تشويه الحقائق، إن أبناء الخليج هم أحفاد من صنعوا المعلقات من الشعر, وهم من كان لديهم سوق عكاظ ومن كان لديهم المحدثون والفصحاء وأشاوس اللغة, ومن صنع الملاحم التاريخية, ومن مارسوا منظومة القيم العربية بتفاصيلها هم أحفاد دهاة العرب, وهم أحفاد من حفظ الدين ونشره فلا يمكن لأحد أن يفصل هذا التاريخ العريق عن واقعنا الذي نعيشه والذي هو امتداد لما كان عليه ماضينا.
إن الشعوب الخليجية تتنافس في ما بينها حالياً في جميع العلوم وتتسابق لرفاهية شعوبها وتطورها وبناء الابتكارات العالمية التي لم تعد مقصورة على منطقتنا فحسب بل على العالم, لقد استثمرت شعوب الخليج وحكامه ثرواتها لبناء الإنسان الخليجي وتسليحه بالمعرفة والفكر في الوقت الذي تسابقت فيه بعض الدول العربية على الرغم من وجود الثروات لديها في تخريب دولها واستئجار عقولها وتهجير علمائها إلى المهجر, وأعتقد أنه حان الوقت لتستفيد هذه الدول من تجربة دول الخليج في تعاملها مع شعوبها وسياستها الاقتصادية والاجتماعية, وأن يكون (الأنموذج الخليجي) هو السبيل والطريق الأفضل لازدهار الدول العربية, وأن تستفيد من معارفها وتفكيرها وعلمائها وخططها ورؤيتها, كما حان لأبناء ومفكري وعلماء ومثقفي الخليج أن يقومون بتصدير الصورة الحقيقية عن شعوبهم وأن يقوموا بقيادة هذه الأمة العربية بفكرهم الذي لم يتلوث بثقافة الكراهية ضد الآخر أو أن يستمروا في التقدم والازدهار فهذه عواصم الخليج التي أصبحت أكبر أماكن جذب للعيش والاستقرار تكرس مفهوم السلام والتصالح مع الآخرين.