د. عبدالحق عزوزي
شهدت أوروبا في الأيام الأخيرة انعقاد قمتين متتاليتين: الأولى هي قمة مجموعة السبع والتأمت في مقاطعة بافاريا بجنوب ألمانيا، والثانية هي قمة حلف شمال الأطلسي وعقدت في مدريد الإسبانية.
خصصت القمة الأولى جزءًا كبيرًا منها للحرب في أوكرانيا، وكيف يمكن توسيع نطاق العقوبات المفروضة على روسيا؛ فيما كشف الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال القمة أن المجموعة أطلقت برنامجًا هائلًا للاستثمارات في الدول النامية، قيمتها 600 مليار دولار وتهدف إلى الرد على المشاريع واسعة النطاق التي تمولها الصين.
كما تسعى أمريكا إلى جمع 600 مليار دولار بحلول العام 2027 من أجل استثمارات عالمية في البنى التحتية»..
أما القمة الثانية، فهي أيضاً دعمت أوكرانيا في مواجهة الغزو الروسي، وصنفت روسيا على أنها «التهديد الأكبر والمباشر لأمن الحلفاء». ونددت الوثيقة الختامية «بالشراكة الإستراتيجية العميقة» بين بكين وموسكو».
وهناك ستار حديدي تريد أمريكا فرضه بين روسيا والدول الغربية... وهذا ما قاله وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مؤتمر صحافي في مينسك مع نظيره البيلاروسي فلاديمير ماكي، في إطار رد فعل موسكو ومينسك على قمة الناتو: «الواقع أن الستار الحديدي هو في طور القيام»، مستعيداً العبارة الشهيرة لونستون تشرشل الذي كان يشير من خلالها إلى فصل القارة الأوروبية بين دول رأسمالية والكتلة السوفياتية، مما أدى إلى الحرب الباردة. وأضاف لافروف: «فليكن (الغربيون) حذرين ولا تعلق (أصابعهم) فيه. العملية جارية».
ونعلم أن الحلف الأطلسي أنشئ بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وفي عز الحرب الباردة، ورأينا مع مرور السنوات التكيف المستمر الذي تعرفه هياكله لمواجهة التحديات الأمنية الأوروبية والمتوسطية والدولية اللامتناهية. وقبل نشوب الحرب في أوكرانيا، سبق وأن خرج الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتصريح عن «الموت السريري» للحلف، في مقابلة كان قد نشرتها له مجلة «ذي إيكونومست»، ذائعة الانتشار، وهو ما أثار في وقته ردود فعل مباشرة وقوية حتى من أكبر حلفائه، وأعني بذلك ألمانيا، إذ انتقدت المستشارة الألمانية آنذاك أنغيلا ميركل هذا الحكم «الراديكالي»، وقالت في مؤتمر صحفي مع الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ «لا أعتقد أن هذا الحكم غير المناسب ضروري، حتى لو كانت لدينا مشاكل، حتى لو كان علينا أن نتعافى». من جهته، قال ستولتنبرغ في تلك الفترة إن الحلف ما يزال «قويًّا» مؤكدًا أن «الولايات المتحدة وأوروبا تتعاونان معًا أكثر مما فعلنا منذ عقود». أما موسكو فرحبت طبعًا بتصريحات ماكرون على لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماريا زاخاروفا التي كتبت على صفحتها في موقع فيسبوك، «إنّها كلمات من ذهب. إنه تعريف دقيق للواقع الحالي لحلف شمال الأطلسي».
التصريح غير المسبوق الذي كان قد أدلى به الرئيس الفرنسي آنذاك لم يعد أحد يذكره ولا يريد حتى أن يفكر فيه مع حرب أوكرانيا والخوف الكبير الذي ينتاب الأوروبيين من تداعيات هاته الحرب عليهم أمنياً واقتصاديًّا وغذائيًّا بل وحتى وجوديًّا؛ فالكل يريد أن يظهر في صورة أن دول الحلف متحدة، وأنه إلى جانب الأزمة الأوكرانية فإنهم متفقون على كل شيء؛ وهو نلتمسه في مخرجات القمة الأخيرة؛ ففي خارطة طريق إستراتيجية جديدة تم تبنيها في قمة مدريد، صنف الحلف روسيا على أنها «التهديد الأكبر والمباشر لأمن الحلفاء». وتندد الوثيقة «بالشراكة الإستراتيجية العميقة» بين بكين وموسكو «ومحاولاتهما المتبادلة لزعزعة استقرار النظام العالمي».
وأعرب الحلف عن قلقه من النفوذ الروسي والصيني المتزايد على جناحه الجنوبي، في إفريقيا خصوصاً، محذراً من خطر زعزعة استقرار هذه المناطق. وتناولت الجلسة الأخيرة من قمة الحلف، «التهديدات والتحديات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومنطقة الساحل». وأوضح الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ مختتمًا الاجتماع، أن الدول الأعضاء تطرقت خصوصًا إلى مسألة «سعي روسيا والصين إلى تحقيق تقدم سياسي واقتصادي وعسكري في جنوب» أراضي دول الناتو.
وأظن أن هذا يشكل «تحديًّا متزايدًا» يريد الناتو التصدي له لاسيما عبر تقديم مزيد من المساعدات لشركائه في المنطقة، وهو ما تأكد عبر خطته لدعم موريتانيا ولمساعدة هذا البلد الإفريقي في ضمان أمن حدوده ومكافحة الهجرة غير القانونية والإرهاب، وعيدكم مبارك سعيد.