عطية محمد عطية عقيلان
يحكى أن فقيرين يمتلكان حماراً يستعينان به في العمل والمواصلات وقضاء حوائجهما، وأطلقا علية لقب «أبو صابر»، وأثناء سفرهما مات حمارهما، فحزنا عليه وقررا دفنه، وبعد ذلك بكيا عليه بحرقة، وصادف مرور أناس وقاموا بتعزيتهما، ليخبروهم أن المدفون «أبو صابر»، حتى لا يحرجا نفسيهما ببكائهما على حمار، وادعيا بأن حزنهما الشديد لأنه كان صالحا ومبروكا، وتقول الحكاية أو الخرافة، بأن المارين تعاطفوا معهما وقاموا بمساعدتهما ليتحول «هذا القبر إلى مزار لطلب البركة وحل مشاكلهم، ويصبحا غنيين بسبب ما يدفعه طالبو البركة، ويستمران في جمع الأموال، ولكنهما في النهاية اختلفا فيما بينهما على القسمة، ويغضب أحدهما، ويهدده بأنه سيلجأ إلى قبر أبو صابر ويشكيه إليه، ليضحك صاحبه ويطلق المثل الشهير «أحنا دافنينه سوى»، وأنت تعلم أن هذا القبر ليس سوى لحمار ليس له حولاً أوقوة، ليصبح من أشهر الأمثال التي تقال عند ادعاء شيء غير حقيقي حتى ولوتم تضليل الناس وإقناعهم وإيمانه بهم، ولو كانت الحقيقة عكس الواقع المصدق، وفي نظري، أننا طيلة حياتنا نشهد حكايات وقصصا من نوعية ما حدث مع صاحبي الحمار وكيف حولاها إلى مصلحة، بعد إيهام الآخرين بصلاح صاحب القبر، ونجدها بوضوح عند اكتشاف شخصية مارست التضليل وادعاء الصلاح والاستقامة والزهد طيلة حياتها، وأقنعت الآخرين بمدى صدقها، ولكن عند اكتشاف أمرها من سرقة أو قبول رشوة أو شهادة زور أو ثراء غير مشروع، تتذكر قصة» أحنا دافنينه سوى» فيما كان يمارسه من صلاح مصطنع من أجل تحقيق المال، ومع كل لقب يمنح لأشخاص بناء على علاقات ومصالح شخصية أو فائدة مادية يظهر جليا نفس سيرة الفقيرين، فذلك المحلل الاقتصادي والمنظر في الأسواق العالمية ومدعو القدرة على قراءة الأحداث المالية، عند اكتشاف أمره، ليس سوى شخص «ركب الترند» كما يقال وتحول إلى محلل مالي لأن السوق يطلب ذلك، وكل قراءته وتحليلاته مبنية على ما يجده في منصات التواصل الاجتماعي والعم قوقل، وليس مبنية على تخصص أو دراسة أو خبرة، رغم أنه رجل عائده المادي يأتي من التحليل ولكنه لم يستفد لأنه يعرف بأن نظرته تحت بند «أحنا دافنينه سوى».
فعزيزي القارئ لا تستغرب من وصول عشرات الرسائل التي تصلك على هاتفك، توعدك بالربح الجزيل والعوائد المربحة في أسواق الأسهم، مقابل مبالغ زهيدة، واسال نفسك، لو كانوا واثقين من معلوماتهم وفيهم خير، فكان من باب أولى الاستفادة بها، وتحقيق الثراء، ولكنهم يستغلون الجانب النفسي في المتلقي وهي الرغبة في الثراء والطمع، وينشط بكثرة منهم على منهج صاحبي أبو صابر، في بعض المحللين السياسيين، ونتيجة كثرة القنوات والبرامج وتنامي الأزمات العسكرية في العالم، يتصدر المشهد ويتواجد فيه، من له علاقة بذاك المذيع أو المنتج، ورغم تحليلاته المتناقضة التي تحركه المصلحة والعداء والفائدة المادية، إلا أنه يجد مساحة يستضاف فيها، وينتقل من رأي لآخر بخفة الريشة متناسين أنه من جماعة «أحنا دافنينه سوى»، ولا يخلو في الغالب المجال الإعلامي سواء التقليدي أو منصات التواصل من بروز وتصدر المشهد لكثير ممن استفادوا من ذاكرة الناس الضعيفة وعدم تدقيقهم في خلفياتهم ومؤهلهم، وأصبحوا يتصفون بالألقاب والمسميات تحت بند مؤثر وناشط ومدرب ومعالج بالطاقة ومعارض وخبير... وعند البحث في بضاعة بعضهم نجدها لا تتعدى قصة «أحنا دافنينه سوى»، وأن ما يدعونه مخالف للواقع وسينكشفون في أقرب خلاف بينهم أو عند لقاء مباشر أو عند تحكيم عقولنا فيما يقدمونه.
لذا عزيزي القارئ، تتطور التشريعات والقوانين لوضع ضوابط تحدد آلية منح الألقاب، والتي تكون سهلة أحياناً عندما تكون في الجانب الأكاديمي كدكتور أو أستاذ دكتور، أو في الجانب العملي كالرتبة للضباط أو الدرجة للأطباء أو المهندسين... ولكن أكبر التحديات التي يستغلها الناس هي الألقاب الفضفاضة ومعاييرها غير واضحة، كإعلامي أو محلل أو ناشط أو مبادر أو مؤثر.. إلخ، فهي مطاطة وقد تطلق من أول ظهور إعلامي أو اجتماع أو تطلقه على نفسك بكل قوة قلب، مبررين أن جماعة «أحنا دافنينه سوى» ليسوا أفضل منا، وهذا يتطلب منا رفع الوعي وإخضاع ما يصلنا من ألقاب إلى التدقيق قليلاً حتى لا يؤثر فينا ونعتبره من مصدر موثوق، والحقيقة أنه صاحب لقب وهمي فضفاض استغل ثغرات القانون وأصبح من أصحاب الألقاب المزيفة أو الباطلة التي مارسوا بها الخداع علينا بحرفية.
خاتمة: «من حسنات الناس أنهم لا يستطيعون إخفاء سيئاتهم طويلاً» الأديب جبران خليل جبران، وهذا ما نكتشفه أحياناً متأخراً، في كثير ممن تصنعوا ومنحوا أنفسهم ألقاباً عكس واقعهم.