د. تنيضب الفايدي
تحتضن جبال منى أفواج الحجيج، وتتعدد مشاعر الحج التي تؤدى في المكان المبارك، ففي منى يقضي الملايين من المؤمنين الحجاج ثلاثَ ليالٍ وقد تزيد يوماً، بدايتها يوم الحج الأكبر يوم النحر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم النحر «هذا يوم الحج الأكبر» نعم إنه يوم الحج الأكبر، حيث أعمال الحج... أقول أعمال وليست أقوال.. سلوك عملي.. في هذا اليوم الذي يبدأ من الوقوف بالمشعر الحرام حيث: مزدلفة أو يوم جمع بالقرب من منى، ثم الدفع منه إلى حيث منى، حيث الرمي والنحر والحلق وطواف الإفاضة والمبيت بها ويوم العيد بمنى يملأ القلوب أملاً وحباً حيث المواقع التاريخية شاخصة تحدث عن الأجيال المتعاقبة ومنها: الجمرات الثلاث، ومسجد الخيف، وكانت هذه منازل منى أو الواقع لها حرمتها وموقعها في القلوب حتى في الجاهلية. قال أبو طالب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم:
وليلة جمعٍ والمنازلِ من مِنى
وهل فوقها من حُرمةٍ ومنازلِ؟
وجمع إذا ما المقربات أجزنَه
سراعاً كما يخرجْنَ من وقعِ وابل
وقال كثير عزة:
ولما قضينا من منى كل حاجةٍ
ومسح بالأركان من هو ماسحُ
وشُدّت على حُدب المهارى رحالنا
ولم يعلم الغادي الذي هو رائح
أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا
وسألت بأعناق المطيّ الأباطحُ
وكم اشتاق محب إلى منى وعرفات قال الشاعر يخاطب الحجاج الذين رحلوا إلى منى وعرفات:
يا راحلينَ إلى مِنَى بقيادِي
هيَّجْتُمُوا يومَ الرَّحِيلِ فُؤادي
سِرْتُمْ وسَارَ دَلِيلُكُمْ يَا وحْشَتِي
الشَّوقُ أَقْلَقَنِي وصَوْتُ الحَادِي
ومن نَالَ منْ عرفَاتٍ نظْرَةَ سَاعةٍ
نالَ السُّرورَ ونالَ كلَّ مُرادِ
تاللهِ ما أَحْلَى المبِيتَ على مِنَى
في لَيْلِ عِيدٍ أبرَكِ الأعياد
وقال العَرْجي:
الحجّ إن حجت وماذا، منى
وأهله إنْ هي لم تحجُج؟
وللعَرجي أيضاً، (وقيل بأنه نال جزاءه بسبب شعره هذا).
عُوجي علينا فسلمي جبرُ
فيمَ الصدود وأنتمُ سفرُ
ما نلتقي إلا ثلاث منى
حتى يفرق بيننا النفْرُ
وقال الفرزدق يخاطب جريراً:
وإنَّك لاقٍ بالمنازلِ من منى
فخاراً فحدثني بم أنت فاخر
ويذكر مسجد الخيف كثيراً في التاريخ وفي الأدب وكذلك منى:
تبث الخيف في الشاعر الأشواق للعودة إليها مرة أخرى.
يا زمان الخيف هل من عودة
يسمح الدهر بها من بعد ضن
أرضينا بثنيات اللوى
عن زرود يا لها صفقة غبن
سل أراك الجزع هل مرت به
مزنة روت ثراه غير جفنى
وأحاديث الغضا هل علمت
أنها تملك قلبي قبل أذني
ويتكرر خيف منى على لسان الشاعر المحب:
يا رفيقي اهدياني دارهم
ودعاني ودعاني وثراها
أنا مقتول بسهم غرب
قوسه خيف منى أو ما زماها
حرم الصيد على من حجه
فانظرا إلى مهجتي من قد رماها
اكتبا في لوح قبري عشتما
مهجة ماتت وما نالت مناها
ويذكر الشاعر: المحصب، والخيف، ومنى، وجمع وكلّها بمكة المكرمة.
كم بالمحصب من عليل
هوى طريح لا يعلل
وقتيل بين بين خيف
مني وجمع ليس يعقل
وينوح الشاعر ببعده عن المنى والخيف والنقى:
سل بقلبي عن خيام باللوى
تاه قلبي في حماها ضل عقلي
ذات طوق مثل شجوى شجوها
غير أن ما شكلها في الحزن شكلي
أنا في النوح اضطراراً مثلها
وهي في غير اضطرار فيه مثلي
حرم الله على البان الصبا
وحماه الغيث من طل ووبل
ما على السائق لو حل النقى
وأراح العيس من شد وحل
فعسى تدني المنى مني منى
ولعلي أن أرى الخيف لعلى
ويكرر الشاعر الخيف:
يا صاحبي أطيلا موانستي
وناشداني بخلاني وعشاقي
وحدثاني حديث الخيف أن له
روحا لقلبي وتسهيلا لأخلاقي
ما ضر ريح الصبا لو ناسمت حرقي
واستنقذت مهجتي من أسر أشواقي
والشاعر: يصف خيف منى بأنه قطعة من فؤاده، وقد هيجت أشجانه حمامتان من بطن جبل نعمان:
وقولوا لجيراني على الخيف من منى
تراكم من استبدلتم بجواريا
ومن ورد الماء الذي كنت واردا
به ورعى العشب الذي كنت راعيا
فوا لهفي كم لي على الخيف شهقة
تذوب عليها قطعة من فؤاديا
والمحصب حيث اشتهر هذا الموقع داخل منى ولعله موضع رمي الجمار ذلك أن حصى الجمار (تسمى: الحصباء، ويقترن المحصب أحياناً بخيف بني كنانة أي مسجد الخيف من منى وقد اختار المؤلف المحصب نظراً لوروده كثيراً في الشعر ولاسيما شعر المحبين قال عمر بن أبي ربيعة:
نظرت إليها بالمحصب من مِنى
ولي نظر -لولا التحرّم- عارمُ
فقلتُ: أشمسٌ أم مصابيح بيعةٍ
بدت لك تحت السجف أم أنت حالمُ؟
بعيدةُ مهوى القُرط إما لنوفل
أبوها، وإما عبدُ شمسٍ وهاشمُ
وقال الشاعر السلمي:
عكوفاً وقوفاً بالمحصب من منى
يديرون شمساً إن يحين ظلامها
وقال الحارث بن خالد المخزومي:
يا دار أقفر رسمها
بين المحصب والحجون
أقوت وغيرها
مر الحوادث والسنين
وكم تكرر المحصب في الشعر حيث يقول مروان بن أبي حفصة:
لعمرك ما أنسى غداة المحصب
إشارة سلمى بالبنان المخضّبِ
وقد صدر الحجاج إلا أقلهم
مصادر شتى موكباً بعد موكبِ
كما اشتهرت بعض الأودية بمكة المكرمة وحولها مثل: وادي مكة، نعمان، وادي عرنة، وادي فخ، وادي محسر، وادي التنعيم، وادي حنين، وادي سرف.