د. إبراهيم بن جلال فضلون
عيدا المُسلم: من يتأمل الإعجاز الرباني، يجد أن آخر أية نزلت على نبينا الكريم- صلى الله عليه وسلم-، هي اكتمال دينه الحنيف، يوم الحج الأكبر وخُطبتها الشهيرة بحجة الوداع، يوم الوقوف بعرفة، إنها أشهر آية في قوله تعالي: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا}، لتكتمل الرسالة السماوية، وليعرف العالم متى وأين نزلت؟، بل ويتأكد للجميع أن عيدا بالحياة الدُنيوية مُتصل بعيد الحياة الآخرة، فيعيش العالم الإسلامي شهره الهجري بنفحاته المُباركة، التي رسمها كل منا على ذوقه الخاص، سواء كان بسيطا أو غنياً أو كاتباً أو فناناً...
القافلة والمحمل: أبدعها الإنسان بعبقريته الفنية وتعابيره الخاصة من مفاهيم القرآن الكريم لعالم الاستبصار الأسمى لشعائر الحج صانعًا ومُسجلا لوحات تتجلى بجمال الصورة الظاهرة المدركة بعين الرأي وجمال الصورة الباطنية المدركة بعين القلب عرباً كانوا أم غير مسلمين، جمعهم منهل واحد يستلهمون منهُ ما رغبواٍ، ولم يعُد ذلك حكراً على مواكبة ونقل وقائع أو غزوات، هي بالأصل واقع قد خدمت حُقبها أو عصورها رحلات الشتاء والصيف بعاداتها وتقاليدها في روائع من اللوحات الفنية التي سجلت لحظات رحلة العمر إلى بيت الله الحرام.. بجذورها منذ الأمد البعيد ليزدهر بقوة جرافيتي الحج في العصور الإسلامية، خاصة في العصرين العثماني والمملوكي، وقد صورها فنانو الغرب ومنهم «ويليامز كوبر» عام 1821م، في رحلة المحمل أي الجمل والتي بدأت بأول رحلة لها في حكم «شجرة الدر» أواخر عهد الدولة الأموية، وزمن الحملة الفرنسية على مصر بقيادة «نابليون» حاملة في رحلتها كسوة الكعبة التي تطوف شوارع القاهرة تودعها قلوب المشتاقين باحتفالات جميلة ورائعة تحمل قلوب الفرح إلى بلاد الحجاز، التي أنعم الله عليها بملوك كرام -رحم الله من مات منهم- وأطال الله في عُمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده صاحب الرؤية البينة الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- ليكون للكسوة مصنع ورجال مبدعون مسؤولون عنها.
الحج وعاء فني: إن وعاء القيم الجمالية يتسع لكافة المعاني الإنسانية منزهة بين العبد وخالقه، كطريق إلى نور الله، حيث تنقلنا لوحاتهم إلى عوالم جمة قام بصحبة القافلة وهي اسم لوحة للفنان ليون بيلي» Leon Belly» عام 1861م، تحت أشعة الشمس الحارقة مُسجلاً فيها المشاق التي كان الأوائل يُعانونها وما يُهون عليهم طريق الحج قديماً بالدواب، إنها لبيت الله الحرام.. وغيرهم كثيرون.
جرافيتي الحج: ليس في العصور القديمة فحسب، بل كانت الجداريات مرجعاً للتقدير الديني، كموروث فرعوني يعود لزيارة الأراضي المقدسة. كثقافة قديمة لدي المصريين، إذ اعتاد الفراعنة على توثيق مناسكهم الدينية على الجداريات التي رآها الفنان على المريخي في كتاب عن جداريات الحج تحت عنوان «الخلود فوق جدران زائلة» موثقاً هذا الفن المُهدد بالاندثار، ويتضمن صورا فوتوغرافية لبعض أعمال الفنان عيد السلواوي على الحوائط الطينية القديمة، ورسم (القبة الخضراء والمسجد النبوي والجمل بالمحمل) وتلك كانت أولى رسوماتي حينما كنت طفلًا صغيرًا وأنا بسن كُتاب الشيخة أحكام عام 1980.. لتبقى هذه الأعمال الفنية بأجيالنا تنشر ثقافة بصرية إسلامية بمثابة محراب للتأمل الفكري في متاحف العالم.
ولم تتوقف الجداريات عند حدود الرسم والتلوين، بل وصل لفنون عدة كالخط العربي، حتى باتت التكنولوجيا فرض عين تنازع جرافيتي الحج مكانته، بل وعبرت الأمم جيلاً بعد جيل عن ثقافاتهم لتبقى فى أذهان وأسماع الشعوب بأنواع من الفولكلور الشعبى وأناشيد وأغان تستقبل أعيادهم بالفرح والسرور -عساكم من عواده- لنجد من ذلك رائعة أم كلثوم الخالدة «ياليلة العيد أنستينا وجددتي الأمل فينا» وأيقونة الأعياد، أغنية «أهلا أهلا بالعيد» للفنانة الكبيرة صفاء أبو السعود، وأغنية الفنانة ياسمين الخيام «الليلة عيد» لتترك الجميلة فيروز بصمتها على بهجة العيد وفرحته بأغنيتها الجميلة ليلة عيد بصوتها الرقيق الجميل.
العيد فرحة: إن اكتمال الدين فرحة وسعادة، وفوز بالدارين، لذلك بيوم عرفة يُعتق الله فيه عباداً من النار، ويباهي بهم ملائكتهُ، ليتمثل عيدنا الأكبر، عيد الأضحى بالمودة الدنيوية واللمة، فأعياد الدنيا كلها تأتي بعد أداء رُكن الإسلام الخامس، أما عيد الآخرة فهو سعادة العبد بقُرب ربه ولقاء حبيبه في الجنة، فيكرمهم الله تعالى بالتجلي لهم فينظرون إليه.