سعد بن دخيل الدخيل
بالتزامن مع توحيد البلاد بعد أن فتح الملك عبدالعزيز الرياض واستردها بدأ المؤسس اتصالاته الخارجية لعلمه ويقينه بأن توطيد العلاقات الخارجية مع دول العالم له أهمية كبرى وإن تزامنت مع الحروب العالمية لكنه استطاع غفر الله له وبتميز فريد قيادة سياسة المملكة في هذا العالم الذي كان يموج بتعقيدات سياسية وعسكرية بين الدول والتي وجدت نفسها أمام ظاهرة جديدة في العالم العربي، ظاهرة ملك وحد دولة عربية كبرى دون مساعدة من تلك الدول، ومضى في بناء كيان دون اعتبار لماهية هذه القوى خارجيًا، لذا وصفت جريدة جنيف الملك عبدالعزيز بقولها: «إن ابن سعود نسيج وحده، وقد صنع نفسه بنفسه، وهو بمعزل عن الإنجليز وعن كل الذين يحميهم الإنجليز ولكن الإنجليز لم يلبثوا أن يتقربوا إليه»، نعم هو كذلك فقد اتجهت الدول الكبرى لمخاطبته وعلى أساس من التكافؤ، يقول صاحب السمو الملكي الأمير طلال بن عبدالعزيز رحمه الله في كتابه «صور من حياة عبدالعزيز»: «من أعجب ما يصادف المتتبع لحياة الوالد رحمه الله قلة ترحاله وسفره خارج حدود بلاده، هذا الرجل الذي قطع شبه الجزيرة من شرقيها إلى غربيها ومن شمالها إلى جنوبها بأجواء صحرائها وعانى بسبب رمالها محاربًا ومسالمًا والذي كان يحج البيت كل عام على الإبل مرة وبالسيارات طورًا وعلى الطائرات آونة، هذا الرجل لم يترك حدود بلاده إلا مرتين» لكن العالم كان يراقب هذا القائد ويتلهف زعماء الدول للاجتماع معه فقد كان يهتم كثيرًا بما يدور في العالم وعلى دراية جيدة وفهم دقيق للسياسة العالمية ومحاورًا جيدًا للدبلوماسيين الأجانب حين يزورونه، يقول باركر هارت وكيل وزارة الخارجية الأمريكية الأسبق وأول قنصل أمريكي في الظهران: «تجلس إلى جانب الملك عبدالعزيز ويتحدث معك مثل الأب الحنون، أستطيع القول إن الملك عبدالعزيز كان ذكيًا وداهية. لم يكن يعرف كل تفاصيل الشؤون الدولية فقط بل كان يعرف ما يفيده وما يؤذيه. كان يعرف مصلحة بلده وكان يقول رأيه في صراحة» (الملك عبدالعزيز رؤية عالمية للدكتور ساعد العرابي الحارثي) وجاء في المصدر نفسه أيضًا قول النمساوي د. فون وايزل عن الملك عبدالعزيز: «حسبي أن أقول إني معجب به، فقد خيل إليّ وأنا أحادثه أني أمام بسمارك منشئ الوحدة الألمانية ولا أظنكم تخالون أني أبالغ في القول»، كما قالت مجلة بلجيكية: «وهو أي -الملك عبدالعزيز- يتحلى بصفات السياسي المحنك. استطاع بدهائه العربيأن يتغلب حتى على بريطانيا، وأن يصبح الآن أبرز شخصية من شخصيات العالم الشرقي، وأصبح محط أنظار العالم الإسلامي وموضع مجاملة الدول الغربية»، كان الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه حريصًا في علاقاته مع الدول أن تكون غير متعارضة مع مصالح بلاده ولا مبادئه التي يؤمن بها وتراثه الذي لا ينفك عنه ولا يقبل التنازل في ذلك ولهذا قال الرئيس الأمريكي روزفلت: «بين جميع الأشخاص الذين تقابلت معهم في حياتي ما وجدت واحدًا حصلت منه أقل مما حصلت عليه من هذا الملك العربي ذي الإرادة الحديدية».
ولأنه الملك عبدالعزيز القائد الملهم الحريص على بلاده وشعبه المؤمن بأهمية دولته الحديثة وثقة في مكانتها فقد حرص كل الحرص على الإسهام بدور مؤثر بين دول العالم ودور بارز في تأسيس أهم المنظمات العالمية والدولية والعربية والإقليمية ودعمها، يقول السيد عبدالحميد الخطيب في كتابه (الإمام العادل صاحب الجلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود سيرته بطولته سر عظمته): «تلقت حكومة صاحب الجلالة الملك المعظم دعوة رسمية موجهة إليها من قِبل دول الحلفاء الكبرى: حكومة جمهورية الولايات المتحدة الأمريكية وحكومة المملكة المتحدة البريطانية العظمى وروسيا والصين لحضور مؤتمر الأمم المتحدة الذي سيعقد في يوم 13 جمادى الأولى سنة 1364هـ الموافق 25 إبريل سنة 1945م في مدينة سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة الأمريكية وقد قبلت حكومة جلالة الملك الدعوة وقررت إيفاد مندوب من قبلها للاشتراك في المؤتمر المذكور» وسنعرج هنا إلى أبرز الملوك والزعماء ورؤساء الدول والبارزين الذين حظوا بشرف لقاء الملك عبدالعزيز رحمه الله.
تفتحت عينا عبدالعزيز على رحلاته لكل من قطر والبحرين والكويت وقد قام بعد استرداد الرياض بعدة زيارات إلى كلٍ من قطر والبحرين والكويت عدة مرات، ففي زيارته الثالثة 1358هـ الموافق 1939م للبحرين استقبله الشيخ عيسى بن علي آل خليفة أعظم استقبال ورحب به أيما ترحيب ، فقرت عين الشيخ الوقور بالمقدم الميمون وتحركت عنده ملكة الكلام فقال الشيخ عيسى مخاطبًا الملك عبدالعزيز:
«ياولدي يوم شفتك ما على الموت آسف
يوم شفتك كأني شايف عبدالرحمن»
وقدم الشيخ حمد بن عيسى إلى الملك عبدالعزيز سيف الأمير تركي بن عبدالله المتوفى 1249هـ 1834م ويسمى بالسيف الأجرب، فما كان من الملك عبدالعزيز إلا أن قال: هذه ذكرى منا عندكم فابقوه عندكم وكان هذا السيف سبق أن أهداه الأمير سعود بن فيصل بن تركي حين زار البحرين إذ قدمه إلى الشيخ عيسى بن علي» (رحلات وزيارات الملك عبدالعزيز الخارجية للدكتور حسين محمد الغامدي). نشرت جريدة أم القرى يوم الجمعة 12 صفر 1364هـ الموافق 26 يناير 1645م في عددها 1039 خبر لقاء الملك عبدالعزيز بالملك فاروق ملك مصر تحت عنوان: «حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم يغادر مكة قاصدًا خليج رضوى» فقالت: «وبعد أن تفضل جلالته وشمل أهل رابغ برعايته سار ركب جلالته تحفه عناية الله حتى وصل إلى ينبع حيث قصد مخيم جلالته هناك على سفوح جبل رضوى المسمى بالشرم محفوفًا بعناية الله ورعايته فقد تقرر أن يكون هذا المكان المقر الذي سيجتمع فيه حضرة صاحب الجلالة الملك عبدالعزيز بصديقه حضرة صاحب الجلالة الملك فاروق فنصبت السرادقات الملكية والخيام الفخمة»، كما عنونت في العدد ذاته على هذا اللقاء : «اجتماع رضوى التاريخي»، وقالت: «سجل التاريخ حادثًا من أروع حوادثه وذكرى من أجمل ذكرياته، ففي الساعة الخامسة -بحسب التوقيت العربي- من صباح يوم الأربعاء الموافق 10-2-1364هـ التقى الملكان الأخوان حضرة صاحب الجلالة الملك فاروق وحضرة صاحب الجلالة الملك عبدالعزيز على صعيد الأرض المقدسة وعلى مرأى من جبل رضوى الشامخ فتعانقا وكان ذلك رمزًا لما بينهما من محبة ومابين شعبيهما من إخاء»، وقد قدم الملك فاروق ماء نهر النيل للملك عبدالعزيز في المأدبة التي أقامها الملك فاروق إلى جانب ماء رضوى وقال الملك فاروق للملك عبدالعزيز: «لقد أردت أن يمتزج ماء النيل وماء رضوى في هذا الاجتماع المبارك برهانًا على ما بين البلدين من إخاء وصداقة» (رحلات وزيارات الملك عبدالعزيز الخارجية للدكتور حسين محمد الغامدي). وقد أصدر البريد السعودي مجموعة مكونة من أربعة طوابع فئات (نصف و3 و5 و10 قروش بمناسبة ذكرى الاجتماع التاريخي في رضوى) طوابع البريد وثائق عايشت تأسيس المملكة العربية السعودية للأستاذ محمد كمال صفدر)، وقد التقاه مرة أخرى في زيارة رسمية لمصر، ويقول الأمير طلال: «الثانية: كانت إلى مصر أيضًا في سنة 1365هـ/ 1946م وقد كانت زيارة رسمية تمت ردًا لزيارة الملك فاروق إلى الوالد في يبع النخل قرب المدينة المنورة في أوائل العام المذكور»، كما التقى الملك عبدالعزيز الرئيس الأمريكي روزفلت 2 ربيع الأول 1364هـ الموافق 15 فبراير 1945م، وكان اللقاء تلبية لرغبة الرئيس الأمريكي الاجتماع بالملك عبدالعزيز في مياه الإسماعيلية بمصر عند عودته من مؤتمر يالطا، وقد أقلت جلالة المؤسس مدمرة تابعة للأسطول الأمريكي إلى قناة السويس ثم إلى البحيرات وتعد هذه المدمرة أول سفينة أمريكية تدخل ميناء جدة ، يقول أحمد علي بن أسد الله الكاظمي في مذكراته: «كانت البارجة كبيرة ولكن ليس بها إلا حجرتين أو ثلاث خصصت حجرتان لجلالة الملك والأخرى للأمراء وبقية الحاشية نصب لهم شراع على سطح البارجة»، واجتمع الرئيس الأمريكي والملك عبدالعزيز على ظهر الطراد (يو أس أس كوينسي)، يقول الأمير طلال بن عبدالعزيز: «وكان روزفلت رجلاً مقعدًا قلما ترك بلاده ومن هذه المرات القليلة رحلته إلى الشرق حيث اجتماعه بالرئيس السوفيتي خلال الحرب العالمية الثانية ثم اجتماع بالوالد»، بعد لقاء الملك عبدالعزيز مع روزفلت انتقل الملك عبدالعزيز إلى فندق أوبر جدولاك المشهور بالفيوم وزاره هناك أيضًا يوم الجمعة 3 ربيع الأول 1364هـ الموافق 16 فبراير 1945م الملك فاروق ملك مصر ومعه الرئيس السوري شكري بك القوتلي وقد سبق لشكري بك القوتلي في شعبان 1344هـ الموافق فبراير 1926م أن زار الملك عبدالعزيز ومكث في ضيافته أكثر من 20 يومًا، كما زار الملك عبدالعزيز في فندق أوبرج دولاك بالفيوم السيد تشرشل رئيس وزراء بريطانيا وبصحبته المستر أنطوني ايدن وزير الخارجية، ودارت المباحثات بين الملك عبدالعزيز من ناحية والمستر تشرشل والمستر ايدن من ناحية أخرى وتولى السيد عبدالله بلخير مهمة الترجمة بينهم ودامت المباحثات نحو ساعة (رحلات وزيارات الملك عبدالعزيز الخارجية للدكتور حسين محمد الغامدي) ويقول الأمير طلال بن عبدالعزيز في «صور من حياة عبدالعزيز»: «نجد تشرشل الذي لم يفارق فمه سيجاره المشهور يمتنع عن التدخين طوال الاجتماع بالوالد... مما يدل دلالة واضحة على عظم المنزلة التي يحتلها في نفس تشرشل وعلى سعة إدراك القائد الإنجليزي»، وفي 19 شعبان 1367هـ الموافق 26 يونيو 1948م التقى الملك عبدالعزيز في الرياض جلالة الملك عبدالله بن الحسين وعنونت صحيفة أم القرى لخبر اللقاء بقولها: «أهلاً وسهلاً وحي هلا بعاهل الأردن الهاشمي ومرحبًا بعميد البيت الشامي جلالة المك عبدالله بن الحسين»، وفي 29 جمادى الأولى من عام 1369هـ الموافق 18 مارس 1950م التقى الملك عبدالعزيز ضيفه في الرياض جلالة الملك محمد ظاهر شاه ملك أفغانستان استغرقت عدة أيام زار فيها مكة المكرمة والمدينة المنورة وحين غادر بعث ببرقية حسب صحيفة أم القرى عدد 1303 قال فيها: «ومن دواعي سروري أنني نزلت بين أهلي وعشيرتي واستقبلت استقبال مسافر يرجع إلى وطنه» وقد أصدر البريد السعودي في تلك السنة طابعين بريديين طبعت بمكة المكرمة (طوابع البريد وثائق عايشت تأسيس المملكة العربية السعودية للأستاذ محمد كمال صفدر)، وفي 9 صفر من عام 1371هـ الموافق 10 نوفمبر 1951م زار الملك طلال بن عبدالله بن الحسين الملك عبدالعزيز في الرياض وكانت هذه الزيارة بناء على وصية من والده الملك عبدالله بن الحسين وقد اصطحب معه في زيارته زوجته زين الشرف ونشرت أم القرى على صفحتها الأولى ما نصه: ترحيب جلالة مليكنا المعظم وشعبه بالضيف العظيم جلالة الملك طلال ملك الأردنية الهاشمية، تغتبط جريدتنا بأن تزين صدر عددها اليوم بالبلاغ الرسمي التالي: بلاغ رسمي رقم (153)» وجاء في البلاغ ترحيب بالملك طلال وجدول زيارته، كما التقى جلالة المؤسس في جدة رئيس الجمهورية اللبنانية كميل شمعون يوم السبت 22 جمادى الأولى 1372هـ الموافق 7 فبراير 1953م وازدانت جدة يوم وصوله ورفعت في شوارعها الأعلام السعودية والأعلام اللبنانية وعلقت أم القرى على زيارة شمعون في عددها 1451 بقولها: «فليسجل تاريخ العرب الحديث بأحرف من نور على صحائفه الذهبية تلك الساعة المزدهرة الخالدة التي التقى فيها الرئيس اللبناني العاهل السعودي في قلب الجزيرة النابض ومركزها الحيوي الذي ترسل منه أشعة القوة وتبث منه أنوار الوحدة والأخوة إلى جميع العرب في كل أنحاء العالم»، وقد قلد الرئيس اللبناني الملك عبدالعزيز الوشاح الأكبر من وسام الاستحقاق اللبناني، كما التقى الملك عبدالعزيز في مدينة الرياض فخامة حاكم عام باكستان السيد غلام محمد يوم الأربعاء 18-6-1372هـ الموافق 4-3-1953م واستمرت الزيارة بضعة أيام حيث زار فيها مكة المكرمة والمدينة المنورة، وكان آخر زعيم التقاه الملك عبدالعزيز غفر الله له قبل وفاته بأقل من أربعة أشهر هو رئيس الجمهورية المصرية اللواء محمد نجيب يوم الأحد 13-12-1372هـ الموافق 23 أغسطس 1953م والذي قدم يوم الثامن من ذي الحجة لأداء مناسك الحج وبعد أن أتم مناسكه تجه للقاء الملك عبدالعزيز بالطائف الذي أقام له مأدبة عشاء في مساء ذلك اليوم إكرامًا لضيفه اللواء محمد نجيب.
ويمكن القول إن السياسة التي رسمها الملك عبدالعزيز وصارت إحدى السمات المميزة لثوابت السياسة السعودية والتي تُعنى بحماية وتعزيز المصالح الوطنية ورعاية المواطنين والمساهمة في الحفاظ على الأمن والاستقرار والازدهار في المنطقة والعالم، كما ارتكزت على «استقلالية الموقف» من الأحداث ودعم الوحدة العربية والتعاون الدولي بما يخدم احتياجات المجتمع التنموية، وسار الأبناء على ذلك حتى صارت البلاد مقصد الزعماء والملوك والرؤساء، ووجود اسم السعودية في أي محفل دولي يبعث له القوة وينال الثقة، ورأى قادتها خريطة طريق لكل حدث، وأختم بما أكده حفيد المؤسس وشبيهه في الفكر والقوة والطموح صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد الأمين أن فلسفته في السياسة الخارجية هي مصلحة السعودية وأمنها، مضيفًا بالقول إن خلق النفوذ في جوانب مختلفة لتحقيق مصلحة السعودية أمر معتاد بما لا يتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي.
أفاض الله على البلاد النعم والأمن والاستقرار تحت قيادة مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان حفظهما الله وأيدهما بالتوفيق والسداد.