سليم السوطاني
تتزين كلمات الشعراء والأغاني باللحن الذي يضعه الملحن والذي يولد بداية من عند هذا الملحن وخرج من عمق روحه، ومهما أضاف إليه المغني أو عدل فيه فإن روح الملحن تبقى حاضرة فيه وتميزه كأسلوب خاص به.
ما يهمني في هذا الموضوع هو الألحان التي خُلِّدت وبقيت في ذاكرة الإنسان العربي المحب للطرب، وتتناقلها الأجيال.
فلو عدنا إلى هذه الألحان الخالدة لوجدناها ألحاناً لها طابع خاص، وصدرت عن أرواح ممتلئة بالإبداع وبحب هذا الفن، وبامتلاكها الموهبة النادرة؛ لذا فإن أهم ركن في الأغنية هو موهبة وعبقرية الملحن الذي يصوغ اللحن والموسيقى للأغنية، وكأنه يجسد لكل كلمة دلالة وحركة خاصة تنفذ إلى أعماق قلوب الجماهير.
ومعظم الملحنين والألحان الرائعة، على امتداد التاريخ العربي -ولن أذكر اسم ملحن كي لا يسقط آخر - نجد روح ألحانهم معجوناً بسحر عجيب، وفيها لوعة وحزن وشجن، وكل مستمع لها تمثل حالته في لحظته، فإذا كان يعاني شعر بحزنها وتعاطفه معها ووجد فيها تخفيفاً لحزنه، وإذا كان سعيداً فكأنها تُحلِّق به عالياً.
ولي وجهة نظر خاصة بالملحن الذي يلبس الأغنية الرداء الذي يليق بها، وهي أنه عبارة عن روح مسحوقة دهكت الظروف أيَّامه، وقلبُه يحمل مئات الندوب، وإنما اختار الغناء واللحن ليعبِّر عما يدور في داخله من أحاسيس. إذ من المستحيل أن يخرج ملحن بألحان جميلة وتخلد وهو لم يذق طعم المعاناة، الغربة، اللوعة، اليأس... نعم، من الممكن أن يتعلم العزف ويلحن، لكن ألحانه ستظل باهتة وبدون روح، ولن تكون كالألحان التي خرجت من بين أضلاع تجرعت الآلام وفاضت بالآهات والزفرات، قبل أن تسلك طريق الأغنية.
وكذلك الملحن، فإنه يسلك أسلوباً واحداً؛ فبمجرد سماعك الموسيقى تصدح تقول هذا اللحن لفلان، حتى لو كنت تسمعه المرة الأولى!
لذلك كان من أوضح الأشياء في عالم الفن هو سرقة الألحان، فهذا الأمر لا يمكن مواربته عمَّن يفهم في هذا المجال ومن يمتلك أذناً موسيقية يميز هذا الشيء.
في العصر الحالي يوجد مهتمون بهذا المجال، لكن بعض أعمالهم وقتية، ولا تكون ألحانهم بذلك العمق.
لكن ليس مستحيلاً أن يخرج في هذا الزمن عبقريٌّ كَكُلِّ عباقرة هذا المجال في الماضي؛ فميدان الأغنية يستوعب الجميع، وكل ما عليه أولاً أن يفهم الموسيقى العربية، ويعرف أساليب روادها ويحاول محاكاتهم، ويستنسخ إبداعهم، ثم يبدع أسلوباً خاصاً به لا يشابه أحداً ولا يشبهه أحد.
ومن نقطة الانطلاق هذه ستعود الأغنية العربية إلى بعض ما كانت عليه أيام ازدهارها، وسنستمع إلى تجارب جديدة ومبتكرة في عالم الفن الطربي.