تأتي أهمية (بلدة الشنانة) في القصيم في محافظة الرس من خلال أحداثها التاريخية الكبيرة الجسام التي مرَّت بها ودوَّنها التاريخ بترابط بينها وبين بلدة الرس، سواءً في التكامل الجغرافي بينهما أم في دور الرس والشنانة بتكاملهما التاريخي في المقاومة بإمارةٍ واحدة وأمير واحد وعائلات وأسر متعددة كذلك، وذلك زمن الدولة السعودية الأولى والثانية، وهي المقاومة التي كانت ضد الحملات الأجنبية ما بين عامي (1230- 1232هـ) وكذلك عام 1256هـ، وتأكد هذا الدور الكبير للشنانة في أحداث التأسيس للدولة السعودية الثالثة ووحدتها السياسية، كحادثة «قطعة الشنانة» أو ما يُسمى «وقعة الشنانة»، وما تلاها من معركة عسكرية فاصلة في بداية تأسيس الوحدة والتي عُرفت عند كثير من المؤرِّخين باسم معركة الوادي عام 1322هـ بقيادة الملك عبدالعزيز رحمه الله، ولهذه الأهمية التاريخية العسكرية للشنانة زمن الدولة السعودية الأولى والثانية والثالثة كان التدوين عنها وعن أبرز رجالها وأهاليها.
وبلدة الشنانة بأحداثها الجسام يكاد يكون تاريخها منحصراً بمراحل تاريخية ثلاث، حيث فترة التأسيس للبلدة فيما قبل عام 1200هـ، ثم الفترة التاريخية الثانية ما بين عام 1200هـ وعام 1322هـ، وبعد ذلك كانت الفترة التاريخية الثالثة ما بعد موقعة الشنانة الشهيرة التي كان قطع نخيلها وتدميرها عام 1322هـ على يد ابن رشيد.
وهذه الرموز من الشهداء مع الرموز الأخرى من الشنانة ممن سبق النشر عنهم يعكس إلى حد كبير جوانب من تاريخ البلدة وتأسيسها وعمرانها وأحداثها وتنوع سكانها.
وقد ورد في بعض المدوَّنات أو الوثائق، أو في بعض كتب التاريخ أو التراجم أسماء لأشخاص لم تتوفر عن شخصياتهم معلومات كافية حول ترجمتهم الذاتية، أو عن أدوارهم وجهودهم عند إعداد الكتابة عن هذه الرموز، لكن هذه الأسماء وَرَدت كقتلى وشهداء -إن شاء الله- لحروب مرَّت على بلدة الشنانة، وعلى الرغم أن مائتي رجل قُتلوا زمن حملة طوسون باشا عام 1232هـ، إلا أن التاريخ لم يُدوِّن لنا -مع الأسف- عن أسماء هؤلاء! وقد وردت عنهم بعض المعلومات التاريخية المحدودة لا سيما عن بعض الأفراد، ولهذا وجبت الكتابة عنهم، ولعل استشهادهم كذلك نحسبهم -إن شاء الله- مما يُعزِّز إدراجهم ضمن الرموز والأعلام مع شح المعلومات عنهم، والأمل أن هذا مما سوف يُخلِّدُ ذكراهم على مستوى الشنانة والرس، ليكون الدعاء لهم، وربما تتوفر عنهم المعلومات التاريخية لدى باحثين آخرين فيما بعد وعن شهداء آخرين لم يدونهم التاريخ لتكتمل الترجمات عنهم، وتكاد هذه الرموز من الشهداء تنحصر بالأسماء التالية -رحمهم الله جميعاً-:
1. ناوي بن هويشان آل منيع الوهبي التميمي (.... - 1230هـ)
من المشارفة الوهبة من بني تميم، وهو من أجداد عائلة السلومي التي تسكن الشنانة منذ عام 1185هـ حسب تاريخهم الأسري والاجتماعي ومصاهراتهم مع عائلات الشنانة والرس، وكذلك حسب وثيقة نسبهم، ووالده هويشان المنيع قدم من أُشيقر إلى الشنانة، كما هو حال كثير من المشارفة ممن خرج من أشيقر آنذاك وهم كثير وبأسباب متعددة، ومنها الحروب والصراعات الداخلية مما هو مدوَّن بكتب التاريخ، ومن المعلومات التاريخية المعروفة أن ناوي قُتل زمن الحملات المعادية والمعتدية على بعض بلدات الدولة السعودية الأولى، حيث تعرضت الشنانة -كغيرها- لغزوة طوسون باشا عام 1230هـ، وكان قَتْلُه على أثر حصار طوسون باشا للشنانة، وقد دفن بجوار سور مرقب البلدة رحمه الله، حيث كان مقتل 200 رجل بالشنانة حسب ما ذكره المؤرِّخ فيلكس مانجان الرحالة الفرنسي وبعض المؤرِّخين ممن كَتَبَ عن حصار الشنانة كما هو مفصل في موضعه بكتاب (الرس وأدوار تاريخية في الوحدة) وغيره من كُتب تاريخ بلدة الرس، وربما كانت هذه المذبحة بسبب اختلاف أهالي الرس والشنانة فيما بينهم حول مهادنة الباشا، أو مقاومته. كما هو مفصل في بعض كتب التاريخ.
ومما هو معروف ومتواتر أن ناوي -رحمه الله- زوَّج ابنته مريم لخليفة بن عبدالله بن خليفة بن منيع، وذلك قبل استشهاده عام 1230هـ (أي قبل 213 سنة) من تاريخ كتابة هذه الترجمة (1443هـ)، حيث تاريخ وفاته يُعدُّ من المحدِّدات التاريخية لعائلته، وخليفة هذا من فرع العبدالله من عائلة الخليفة، وقد أنجبت مريم ابنها ناوي بن خليفة بن عبدالله، وناوي بن خليفة هذا مُثْبَتٌ في مُشجَّرة عائلة الخليفة حسب الشجرة المتداولة المحدَّثة بتاريخ 1-7-1439هـ، والمصاهرات بين الأسر والعوائل في غالبها تُعبر عن الزمان والمكان، وكانت وفاة ناوي بن هويشان -رحمه الله- كما سبق عام 1230هـ حسب ما ورد في ترجمة عميد أسرة عائلة السلومي (سليمان بن ناصر السلومي).
2. حمد بن محمد بن إبراهيم الصويان
(... - 1322هـ)
قَدِم زهير بن فلاح بن سالم الصخري إلى الشنانة بعائلته من منطقة العُلا شمال المدينة النبوية، وقد أنجب هذا الرجل أربعة أولاد، هم: شبيب، وعلي، وشايع، وضويان. واستقروا في الشنانة عام 1150هـ حسب ما ذكره الأستاذ عبدالرحمن الصويان حول رواية محمد الصويان في كتابه (صفحات مطوية من تاريخنا الشعبي)، وتملَّكت عائلة الصويان عدداً من المزارع في الشنانة، وكان لهم ثروة مشهورة من الإبل بوسم مشهور كذلك، كما أنهم يُعدون من مؤسسي بلدة الشنانة قبل عام 1200هـ.
ولم ترد عن حمد بن محمد الصويان معلومات شخصية كافية سوى ما ورد في رواية محمد الصويان حول مقتله زمن اجتياح الشنانة عام 1322هـ على يد ابن رشيد، وواقع الحال التاريخي أن حمد هذا كان من أبرز وجهاء الشنانة وأشخاصها المعتَبرين، فَقتْلُ ابن رشيد لسبعة من أهالي الشنانة باستهداف أشخاصهم دون غيرهم يؤكد أن هؤلاء السبعة كانوا هم وجهاء الشنانة وأصحاب الحل والعقد فيها آنذاك وإلا لما خَصَّهم دون سواهم بالقتل! كما أن حمد الصويان هذا الذي تكرَّر ذكره من محمد الصويان بروايته الشفهية المكتوبة حول أحداث الشنانة قد ذَكَر من القول ما يدل على مكانته الاعتبارية بين أهالي الشنانة، ومن ذلك ما ورد في الرواية: «سبعة رجال من أهل الشنانة، قُتلوا بالطريقة نفسها ضرباً بتلك الأعمدة، منهم حمد المحمد الصويان، وجريمته أنه كان قد ذهب إلى ناصر الخالد الرشيد قبل عدة أيام، قبل مجيء عبدالعزيز بن متعب بن رشيد، وذلك للتشاور مع ناصر الخالد حول الوضع الأمني للمنطقة» (عبدالرحمن الصويان صفحات مطوية من تاريخنا الشعبي: ص34).
وفي هذه الرواية ما يفيد بصورة أكثر عن واقع الحياة الاجتماعية والإدارية بالشنانة آنذاك، فلم يكن للشنانة أمير يتعامل معه ابن رشيد أو يقتله آنذاك، بل مجموعة وجهاء أو أعيان وأشخاص لهم مكانتهم واعتبارهم بالشنانة، كما هو حال حمد بن محمد الصويان، حيث تواصل الصويان هذا مع أمير الرس آنذاك وهو ناصر الرشيد، وذلك للاتفاق على أسلوب التعامل مع هذا الاجتياح الجائر للشنانة والاستهداف العدائي من ابن رشيد للبلدة. كما أن هذه الرواية تؤكد مكانة عائلة الصويان بالشنانة زمن الحصار، حيث كانوا أسراً وعائلات كثيرة، وحسب رواية محمد الصويان أنهم كانوا أربعين نفساً أو شخصاً حين حصار الشنانة! كما ورد في روايات محمد الصويان عن عائلته بالشنانة. (عبدالرحمن الصويان صفحات مطوية من تاريخنا الشعبي: ص18).
وعطفاً على ما سبق فقد ورد في بعض المصادر التاريخية ما يؤكد السبب الحقيقي حول قتل حمد الصويان هذا من قِبَلِ ابن رشيد، وفيه ورد: «ومن أبناء الأسرة (الصويان) الذين قَتَلهم ابن رشيد أمام الناس حمد بن محمد بن إبراهيم الصويان، حيث كان له دور في التنسيق مع ناصر الخالد الرشيد وبقية المقاومين من أهالي الرس، قَتَلَه مع ستة آخرين، منهم ناصر البلاع، ضرباً بالجريد في شعيب الشنانة أمام جميع الأهالي أطفالاً ونساءً ورجالاً» (محمد العبودي معجم أسر الرس: ج9/ ص411).
وكان الدفن لهؤلاء السبعة من قتلى ابن رشيد في قطعة الشنانة عام 1322هـ بمقبرة صغيرة تقع بمدخل الشنانة على يمين القادم من الرس للشنانة قبل طريق الرس الدائري الغربي وقبل الدخول لقرية الجُديِّدة، ومن أبرز هؤلاء السبعة الشهيد بإذن الله ناصر بن صالح البلاع إضافة إلى اثنين من عائلة الصويان، حيث كانوا من أبرز رموز بلدة الشنانة آنذاك.
وحُقَّ للصويان هذا أن يكون من رموز الشنانة وأعلامها بهذه الشهادة المأمولة إن شاء الله، فقد قُتل دون عرضه وماله ونفسه.
3. علي بن صالح الصويان
(... - 1322هـ)
ومما ورد عن بعض شهداء الشنانة زمن حصار ابن رشيد لها ممن قتلهم ابن رشيد كذلك، علي الصالح الصويان الذي حاول الخروج من القصر الذي كان يحتجزهم فيه ابن رشيد، فذبحه جنود ابن رشيد ذبح النعاج ليكون عبرة للآخرين. (محمد العبودي معجم أسر الرس: ج9/ ص411)
وهو بهذا الاستهداف بالسجن أو الاحتجاز أو القتل فيما بعد ذلك استحق أن يكون من رموز الشنانة وأعلامها بما قدَّم من ثبات وتضحية.
ومما كُتِب عن حالة الشنانة وكيف أصبحت البلدة منطقة طرد بشري بعد قطعتها المشهورة عام 1322هـ، وبعد القتل والتشريد والتدمير من قبل ابن رشيد: «بعد انتهاء معركة الشنانة، كانت البيوت مُهدَّمة والمزارع مُحرَقة، فأصاب الناس ضَنَك شديد، وقامت بعض أسر الشنانة بمحاولة إحياء مزارعهم وبناء بيوتهم، وانتقل بعضهم إلى مدينة الرس، ومناطق أخرى، أما أسرة الصويان فبعضهم انتقل للرس وبعضهم إلى قصر ابن عقيل، وبعضهم إلى البدائع، وآخرون إلى عنيزة، وانتقل أفراد منهم إلى منطقة أخرى» (محمد العبودي معجم أسر الرس: ج9/ ص411).
** **
- باحث في الدراسات التاريخية ودراسات العمل الخيري والقطاع الثالث
info@the3rdsector.org