د.عبدالإله ساعاتي
استقرأت نظرية (التحدي والاستجابة) للمفكر العالمي الكبير «أرنولد توينبي» التي خلص فيها إلى أن التحدي يصنع المنجزات التاريخية والإعجازية.. استقرأتها واستحضرتها في كلمتي هذه عن سمو الأمير محمد بن سلمان ومهام ولاية العهد.. وأنا أتأمل الإنجازات الكبيرة والتاريخية التي أحدثها سموه في فترة زمنية محدودة لا تُقاس في تاريخ الأمم.. فلقد أحدث الأمير محمد بن سلمان تحولات مفصلية.. وتغييرات هيكلية.. وإنجازات ريادية.. أثار اهتمام وسائل الإعلام العالمية بأدواره المؤثرة والحاسمة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً.. محلياً ودولياً، حرق فيها المراحل واختصر الزمن.. بتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله. فمن رؤية تنموية شمولية سباقة.. إلى رؤى استثمارية محلية وعالمية عصرية.. إلى تمكين المرأة السعودية عملاً ومشاركة.. بما في ذلك تمكينها من قيادة السيارة وحضور المباريات الرياضية في الملاعب والمشاركة في تنمية البلاد بالعمل في جميع المجالات بما فيها المجالات العسكرية وتسنّم المناصب العليا في الدولة. أو فتح المجال للمواطنين والمواطنات للاستمتاع بوسائل الترفيه البريء المختلفة.. مثلنا مثل باقي دول العالم.. إلى التخلص من التطرف والتشدد والتزمت الذي أضر بنا وبالعالم أي ضرر.. والعودة إلى الإسلام الوسطي المعتدل.. وإنشاء مركز عالمي لمكافحة التطرف..
وكذلك إعادة هيكلة المؤسسات الحكومية بدمج بعضها وإنشاء الجديد منها وإلغاء البعض الآخر وفق خطة التحول الوطني والاحتياجات التنموية المستقبلية.. حيث أنشئ مجلس الاقتصاد والتنمية ومجلس الشؤون السياسية.. إضافة إلى الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية الجديدة التي تتماشى مع الرؤية الجديدة والمعطيات التنموية المتجددة.
وتتجسد رؤية سموه بأبعادها الفكرية والتنموية الشمولية الواسعة والثاقبة.. في قوله: «نحن نملك كل العوامل التي تمكننا من تحقيق أهدافنا معاً، ولا عذر لأحد منا في أن نبقى في مكاننا أو أن نتراجع -لا قدر الله. رؤيتنا لبلادنا نريدها دولة قوية مزدهرة تتسع للجميع، دستورها الإسلام ومنهجها الوسطية تتقبل الآخر. سنرحب بالكفاءات من كل مكان، وسيلقى كل احترام من جاء ليشاركنا البناء والنجاح».
وفي إطار المفاجآت التنموية الضخمة والسارة.. أعلن سمو الأمير محمد بن سلمان عن مشاريع عالمية ضخمة.. ومنها إنشاء مدينة (نيوم). وقبلها أعلن عن إنشاء مدينة (القدية) في الرياض.. ومشروع البحر الأحمر العالمي.
وفتح الأمير الشاب آفاقاً عالمية جديدة للاستثمار السعودي حين أعلن عن طرح (أرامكو) للاستثمارات العالمية.. وأعلن عن مجالات استثمارية جديدة لصندوق التنمية السعودي.. ومبادرات الاستثمار في شركات التقنية العالمية الحديثة التي تعد مجال الحاضر والمستقبل.
ورفع كفاءة الإنفاق الحكومي بمبادرات جديدة ربط فيها الإنفاق بأولويات التنفيذ الفعلي.
وتبنى سموه حرباً على الفساد وتولى رئاسة اللجنة العليا للفساد التي شكَّلها خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله. والتي أسهمت في تحقيق وفورات مالية كبيرة للدولة بعد تطبيق شفافية وضعت حدًا للتلاعب بالتعاقدات وميزانيات المشاريع الحكومية.. كما أدت الحملة على الفساد إلى جعل الاستثمار في المملكة جاذباً لرأس المال الأجنبي الذي يقدم عادة على الدول الأقل فسادًا.. حسب مجلة «بلومبيرغ».
وكان سموه وخلال فترة زمنية محدودة من تسنّمه المسؤولية فاجأ المجتمع السعودي الوفي برؤية 2030 وبرامجها المختلفة الهادفة إلى تنويع مصادر الدخل وعدم الارتهان إلى النفط.. واستثمار كل الطاقات والإمكانات التي تتمتع بها المملكة.. وتمكين المواطن السعودية من جودة الحياة.. وأصبح للوطن رؤية.. يسير على ضوئها ويعمل على تحقيق أهدافها.. بعد سنوات قاربت النصف قرن من عمر الزمن اعتمدنا خلالها على خطط خمسية أخفقت في تحقيق هدف تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد كلياً على النفط.. وظللنا خلالها نتأرجح اقتصادياً وفقاً لأسعار النفط المتأرجحة.
وبالفعل ارتفعت الإيرادات غير النفطية في الربع الأول من هذا العام 2022 إلى 94 مليار حيث نمت بنسبة 7 % مقارنة بالعام الماضي.
وعطفاً على هذه الإنجازات التاريخية.. كانت وكالة بلومبيرغ الأمريكية العالمية قد اختارت ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ضمن «قائمة الخمسين» الخاصة بأكثر خمسين شخصية تعمل في مجال الاقتصاد والسياسة والثقافة والتكنولوجيا أثّرت على مسار التجارة في العالم.. وأوضحت الوكالة سبب اختيارها للأمير محمد بن سلمان ليحل المرتبة الثالثة بين قائمة الخمسين قائلة إنه بالرغم من أن خطة رؤية 2030 التي كشف سموه عنها سابقاً لم تؤت ثمارها كاملة بعد في إعادة تشكيل اقتصاد المملكة إلا أن فكرة طرح شركة أرامكو للاكتتاب العالمي كان لها أثرها الواضح على الاقتصاد العالمي.. وتابعت الوكالة موضحة أن الأمير محمد بن سلمان أحدث تغييرًا داخل المجتمع السعودي بعدما أسهم في إصدار قرار بتمكين المرأة من قيادة السيارة داخل المملكة وفتح مجالات العمل لها.. وقالت الوكالة أن القرار الجديد من المنتظر أن يسهم في إضافة ما لا يقل عن 90 بليون دولار لاقتصاد المملكة بحلول 2030.
وتحدثت الوكالة عن الدور الجاد الذي قام به الأمير محمد بن سلمان لضمان امتلاك المملكة لأكبر صندوق سيادي في العالم، وذلك من خلال زيادة حجم صندوق الاستثمارات العامة.. إذ قامت المملكة بالموافقة على استثمار نحو 200 بليون دولار في الولايات المتحدة.. وخصصت 45 بليون دولار ستقوم بضخها خلال خمس سنوات في صندوق الاستثمارات المشتركة بينها وبين سوفت بنك الذي من المنتظر أن تصل قيمته إلى 93 بليون دولار.
كما تصدر سمو الأمير محمد بن سلمان استفتاء قراء مجلة «التايم» الأمريكية الشهيرة عن الشخصية العالمية الأكثر تأثيرًا، وذلك بعد ثلاثة أيام من اختياره من قبل وكالة «بلومبيرغ» الأمريكية ضمن قائمة الـ»50» الأكثر تأثيرًا في مجال الاقتصاد والسياسة والثقافة والتكنولوجيا.. متفوقاً على الرئيس الأمريكي (آنذاك) دونالد ترمب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.. وغيرهم من زعماء ومشاهير العالم.
وليس ذلك بمستغرب.. فالأمير محمد بن سلمان.. هو أمير شاب مبدع وموهوب يتمتع بصفات القيادة الفطرية.. وصاحب رؤية خلاقة.. جاء في ظل ظروف صعبة وتحديات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية تحتاج إلى قيادة شابة نوعية تتمتع بموهبة الإبداع والابتكار والحلول غير التقليدية ولديها رؤية عميقة لمستقبل مشرق بمشيئة الله تعالى.. وهو كشاب يمثل أمل الشباب في البلاد الذين يمثلون نحو 70 % من المجتمع السعودي.
ويصف العالم البريطاني البروفيسور آصف أحمد نائب مدير جامعة أستون في برمنجهام البريطانية الدور العالمي الذي يقوم به الأمير محمد بن سلمان من أجل إظهار الصورة الحقيقية للدين الإسلامي المعتدل مبديًا إعجابه الشديد بالكاريزما القيادية التي يتمتع بها ورؤية المملكة 2030 كواحدة من ثمارها. وقال: «الناس الاستثنائيون يصنعون أعمالاً استثنائية».
يقول الأمير محمد بن سلمان: «نريد حياة تترجم ديننا السمح، اتخذنا خطوات في وقت ماضٍ كانت واضحة وسوف نقضي على بقايا التطرف، وفي القريب العاجل نحن سنعود للإسلام الوسطي والمعتدل والمنفتح على العالم».
ولقد كتب الكاتب الأمريكي ديفيد أغناطيوس في صحيفة الواشنطون بوست على لسان الأمير محمد بن سلمان قائلاً: «أنا شاب وسبعون في المائة من مواطنينا هم من الشباب»، ثم قال سموه: «نحن لا نريد أن نضيع حياتنا في هذه الدوامة التي كنا فيها طوال الثلاثين سنة الماضية بسبب الثورة الخمينية التي سببت التطرف والإرهاب في المنطقة، نريد أن ننهي هذه الحقبة البغيضة الآن، نحن نريد - كما يريد الشعب السعودي - الاستمتاع بالأيام المقبلة والتركيز على تطوير مجتمعنا وتطوير أنفسنا أفراداً وأسراً، وفي الوقت نفسه الحفاظ على ديننا وتقاليدنا، نحن لا نريد أن نستمر في العيش في حقبة مضت، لقد ولى زمان تلك الحقبة والآن نحن نستشرف مستقبلاً جديداً..».
فبهذه الرؤية أنقذ الأمير محمد بن سلمان بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - أنقذ البلاد من «العزلة».. وقضى على القوى المعيقة التي ظلت تسحبنا إلى الخلف ونحن نرى الضوء في الأمام.. وأعاقت مسيرة البناء والنماء والرخاء والازدهار على مدى نحو ثلاثة عقود.. نشرت خلالها التطرف والأحادية والكراهية والانغلاق والعزوف عن الحياة والسعادة والرفاه.
ويؤكد سموه أن الشباب والمرأة أرصدة المستقبل نحو السعودية الجديدة في مسيرة تحديث وإصلاح مبهرة.. وتظل المرأة رقمًا مهمًا في معادلة التنمية
في حديثه لصحيفة واشنطن بوست، قال الأمير: «عالجنا الفساد والتطرف بالصدمة». وقال الأمير إن الموجة الجديدة من الإصلاحات وحملته ضد الفساد بأنهما جزء من العلاج بالصدمة الذي يعد ضروريًا لتطوير الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية وكبح التطرف.
رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون.. أشاد بالإصلاحات في السعودية، وأكد أن الأمير محمد بن سلمان يستحق الدعم للإصلاحات التي أجراها. وأضاف «إذا كنت تميل لتجاهل هذه التطورات فإنني أقول بكل احترام أنك ترتكب خطأ كبيرًا»، واستطرد قائلاً: «التغيير لا يأتي سهلاً في السعودية لكن في غضون بضعة أشهر حدث إصلاح حقيقي بعد عقود من الجمود».
ويقول الأمير: «إن اتساع وتيرة التغيير وسرعتها ضرورة للنجاح». ولقد تمكن الأمير محمد من تحسين البيئة الاستثمارية للمملكة وتطوير الأنظمة والقوانين التي تتوافق مع المعايير الدولية. وأوصل اهتمامه بالتقنية المملكة إلى مراتب متقدمة على مستوى العالم. وتساءل إيان ميليرشيب باستغراب في مقال نشره في الأندبندنت البريطانية: «إذا لم يشجع الغرب التغيير والإصلاحات التي يقوم بها الأمير محمد بن سلمان، فما هو التغيير الذي يمكن أن يدعمه». وقال إن حملة الأمير في مواجهة الفساد وتشريع العديد من الأنظمة التي تجذب الاستثمار وتحفظ حقوق الأفراد إضافة إلى العديد من الملفات التي تم حلها مثل وجود المرأة في سوق العمل وقيادة السيارة وغيرها.
ووصفت صحيفة التليغراف البريطانية الأمير محمد بن سلمان بأنه الأكثر تأثيرًا سياسياً في الشرق الأوسط.. ولذلك يستقبل استقبال زعماء الدول لأنه كذلك وليس لأنه ولياً للعهد في السعودية. وأشارت إلى حرص الأمير على تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على النفط والانفتاح العالمي والتخلص من التطرف وإتباع سياسة الاعتدال والوسطية.
ولقد عزز الأمير محمد بن سلمان مكانة المملكة الدولية وبلور قوتها وأهميتها.. وها هو الرئيس الأمريكي بايدن يزور المملكة ليلتقي بالأمير القائد.
وأخيراً أقول إن الحديث عن الإنجازات التي تحققت خلال الخمس السنوات الماضية لا يكفيه هذا الحيز، ولكن إذا كان هذا ما حققه سمو الأمير محمد بن سلمان في خمس سنوات.. فإن القادم -بمشيئة الله تعالى- أكبر وأفضل مشرق بما فيه مصلحة البلاد والعباد - بإذنه تعالى.
وفي الختام لا يسعني إلا أن أسأل المولى جلت قدرته أن يحفظ لهذه البلاد قادتها وكريم نعمائه عليها.