د. عبدالحق عزوزي
نجحت خطط حج هذا العام 1443هـ في كل المجالات الأمنية والخدمية والصحية، دون تسجيل أي حوادث ولا أي أمراض وبائية بين ضيوف الرحمن ولله الحمد، وقد تم ذلك بما وفرته المملكة العربية السعودية من إمكانات مادية ومشاريع تطويرية، وكوادر بشرية لخدمة الحجيج وتهيئة السُبل كافة ليؤدوا مناسكهم في كل أمن وأمان وخشوع واطمئنان؛ ويعد موسم الحج هذا العام استثنائيًا، لكونه التجمع الرباني الأكبر منذ بدء تفشي فيروس كورونا مطلع عام 2020، والأول الذي يتم فيه استقبال حجاج من خارج الدولة، حيث جرى رفع إجمالي عدد الحجاج إلى مليون بعد عامين من قصر الحج على أعداد محدودة من داخل المملكة فقط بسبب جائحة كورونا.
وهناك حقائق وأرقام كثيرة تجسد حجم المجهودات الضخمة التي ما فتئت المملكة العربية السعودية بمختلف أجهزتها تقدمها لضيوف الرحمن، وهو ما عبر عنه الحجاج بمختلف ألوانهم وأطيافهم وبلدانهم في تصريحاتهم والتي تناقلتها وسائل الإعلام الدولية، والتي عايناها نحن ضيوف وزارة الإعلام التي قدمت لنا كل التسهيلات وهيئت لنا كل الظروف لنؤدي بدورنا مناسكنا في أحسن وجه وأبهى صورة...
فقد توسعت المملكة السعودية في استخدام تقنيات الروبوتات الذكية لخدمة حجاج بيت الله الحرام بهدف الارتقاء بمنظومة الحج، وفيما تم خلال حج العام الماضي إطلاق روبوت لتوزيع ماء زمزم وروبوت للفتوى وروبوت للتعقيم، وفرت الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي في حج هذا العام روبوتًا لتوزيع المصاحف على الحجاج داخل المسجد الحرام، خلال تأديتهم لطواف الوداع... كما وفرت رئاسة شؤون الحرمين روبوتًا لقياس رضا قاصدي المسجد الحرام بست لغات، يعمل بتقنية الذكاء الاصطناعي لقياس رضا قاصدي المسجد الحرام، عن الخدمات المقدمة، والتي تسهم في رقي الخدمات وحوكمة الأعمال بأشكالها كافة... كما نجح مشروع الترجمة الفورية لخطبة عرفة إلى أربع عشرة لغة عالمية. وحققت الخطبة أكثر من مائتي مليون متابع حول العالم، وذلك لأول مرة في تاريخ المشروع.
كما عملت في المنظومة الصحية أكثر من 230 منشأة صحية عبر جميع القطاعات الصحية، لتقديم الخدمات لضيوف الرحمن... وأوضح وزير الصحة أن عدد الحجاج الذين تلقوا الخدمات الصحية بلغ نحو (130) ألف حاج، كما تم إجراء (10) عمليات قلب مفتوح، وأكثر من (187) قسطرة قلبية، إضافة إلى (447) جلسة غسل كلوي، مع تقديم خدمات افتراضية عبر مستشفى الصحة الافتراضي لأكثر من 2000 حاج، أسهم في تقديمها أكثر من 25 ألف ممارس صحي، و2000 متطوع.
وقد تمكنا من رمي الجمرات الثلاث في (ثاني أيام التشريق) بكل يسر واريحية، وتوجهنا بعدها نحن الحجاج المتعجلين إلى بيت الله الحرام لأداء طواف الوداع، واتسمت حركة الحجاج نحو منشأة الجمرات وإلى مكة المكرمة بسهولة في مساراتنا لأداء طواف الوداع؛ كما أفضنا من قبل من عرفات وذكرنا الله عند المشعر الحرام بكل يسر وطمأنينة...
كنا إذن في مكان رباني بين الملايين من الحجاج الذين حجوا وأتوا من كل حدب وصوب، الصغير مع الكبير، الواحد يشهد للآخر بالإيمان فلا يبخس من قيمته مهما كان.. كما اجتمع أصحاب البلدة مع جيرانهم من البلدان الأخرى في وحدة ربانية وتفاهم وتناغم لا يمكن أن يوصف... هاته قوة خارقة اجتمعت في المليون حاج هاته السنة وفي ظروف عالمية استثنائية؛ وقد كنا من ضيوف وزارة الإعلام التي أعطت صورة مضيئة لكل جوانب تنظيم الحج وقدمت للحجاج ترحابًا لا يُعلى عليه وخدمات تليق بسمعتها وبسمعة المسؤولين فيها الذين كانوا يسيرون ويتابعون المناسك بأنفسهم بتفانٍ وإخلاص، وكنا بصحبة أناس ما كنا نعرفهم ولا أعددنا هذا اللقاء مسبقًا، وكان يتواجد معي إخوة إعلاميون من مشارق الأرض ومغاربها وكانت تجمعنا ساعات من الذكر والأحاديث اللامتناهية ونصلي سويًا وبحضور حجاج من العشرات من الدول لنشهد جانبًا من قوة وعظمة الدين الإسلامي وفق مرتكز العقيدة والقيم والمبادئ والأخلاقيات والمتمثل في قوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ}، وما يندرج تحته من قيم ومبادئ ومعايير وضوابط وأخلاق، وجاء جميع الأنبياء ليتحدثوا عن هذا المرتكز الأساس في منهج الاستخلاف الرباني، منذ آدم عليه السلام إلى نوح، وإبراهيم، فموسى، فعيسى، إلى أن ختم الأمر برسولنا محمد عليه وعليهم جميعًا أفضل الصلاة والسلام....
ونحن نطوف طواف الوداع راينا حول الكعبة، التي ضمت حشود الحجاج، مشاهد فيما تبدو وكأنها حديقة فيها مختلف الأزهار، حيث يقوم الحجاج برفع شمسيات للوقاية من أشعة الشمس بألوان مختلفة، وهو ما يظهر من أعلى الطوابق المحيطة بالكعبة وكأنها حديقة مبهجة للناظرين... فحج مبرور وسعي مشكور وذنب مغفور لكل حجاج بيت الله.